الصيد في صنارة الآخرين

الظن بوجود تحالف سري بين الحكومة والحركة الإسلامية لا يمكنه الصمود أمام الواقع، والبحث فيه وإشهاره، إنما يراد منه ضرب عصفورين بحجر واحد، ومن ذات الجهات والقوى التي اعتادت الصيد في المياه الصافية والعكرة على حد سواء، فالحكومة التي تصر على ولاية عامة وحقيقية، إنما تضع نفسها في مواجهة مع من اعتاد الولاية عنها، والحركة الإسلامية التي تنشد إصلاحاً وتغييراً يؤمن تقدماً سياسياً جدياً، فإنها لا تراه ممكناً عبر الحكومة الحالية، التي هي ليست إنقاذية مؤقتة كما تريدها، ولا هي للوحدة الوطنية لتصبر عليها، وما لهما هذا يلغي حكماً إمكانية أي تحالف بينهما، حتى وإن كان تكتيكياً، إذ إنه كفيل أن يسقط الأولى، وأن يضعف الثانية، ويعيدها للوراء جراء ما ستخسره من أوراق وحضور بالشارع.
وهذا يعني، أن يكون هناك في واقع الإشاعة عن تحالف وجود استهداف مبرمج للحكومة والحركة في آن معاً.
بدلالة موقف نواب من الحكومة بعد حادثة المفرق، وتصعيده بعد تصريحات الوزير المجالي، وهو أمر سياسي ليس فيه ما هو لغايات التشريع والرقابة بقدر ما احتواه من تمترس يخدم حتماً استمرار حالة التشريك مع صاحب الولاية العامة التنفيذية، وإبقائها على ما هي عليه تاريخياً، وبذات الوقت إبقاء فرصة رمي الحجارة باتجاه الحركة الإسلامية متاحة، وبدون توقف، بغية انهاكها، أو عدم إتاحة تقدمها عن أكثر مما هي عليه.
أكثر من ذلك، يذهب الظن لإثارة الإشاعة نحو وجود انقسام بالحركة الإسلامية، سيذهب بالمراقب العام الحالي ويعيد الأسبق، باعتبار ذلك يؤمن تحالفاً حكومياً إسلامياً، يعيد ما كان من تفاهمات سابقة قبل عقود، وهنا تناسٍ مكشوف لعدم محاكاة تلك الأيام للحالية، وإن كانت ما زالت تحاكي تشكيل الحكومات وآلية مشاركتها الولاية العامة، ولا تحاكي ما تقف عليه الحركة الإسلامية الآن.
ليس خافياً أن الإسلاميين الذين صعدوا للحكم في تونس ومصر وليبيا والمغرف، ويمثلون الواجهة عموماً، إنما يرعبون غيرهم في أمكنة أخرى، وإن استعداد هؤلاء لتفاهمات سياسية مع الغرب أثار أكثر ما يكون المرشحين للاستبدال والايداع. وبات طوق النجاة الوحيد لهم كسر بديلهم.
في السياسة لا توجد صداقات دائمة، وإنما مصالح دائمة، أما مصلحة النظام فمحددة بالبقاء والاستمرار، ومصلحة الحركة الإسلامية بالانتقال إلى مربع جديد حقاً، وإن كان هناك تحالف سيتم، فإنه سيكون بين هذا وتلك وليس مع الحكومة أبداً.