مدينة الصدر البائسة قاعدة انطلاق تمرّد مقتدى على منظومة الحكم
اخبار البلد - يعد أبناء خليل إبراهيم الأربعة من بين الآلاف من أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذين اعتصموا خارج البرلمان العراقي بعد اقتحام المبنى الأسبوع الماضي في خطوة دفعت البلاد إلى حقبة جديدة من عدم الاستقرار السياسي.
ويقول إبراهيم إن دعمه سيتواصل دائما كما هو الحال مع جميع جيرانه في مدينة الصدر التي يقطنها ملايين من الشيعة الفقراء وتمثل مركز دعم رجل الدين مقتدى الصدر.
وذكر إبراهيم البالغ من العمر 70 عاما أن كل منزل بالمنطقة يضم أعضاء يشاركون في الاعتصام. وصرّح "نعلم هذه المرة أنه سيكون هناك تغيير ونحن واثقون منه”.
ويستمد الصدر ثقله السياسي إلى حد كبير من دعمهم الذي لا ينتهي على ما يبدو. وقد أثارت كلمات رجل الدين احتجاجات جماهيرية منظمة بدقة في أوقات مختلفة في الماضي، مما أدى إلى تعطيل العملية السياسية في بغداد. وشدد كثيرون في مدينة الصدر على إخلاصهم لرجل الدين، نافين صحّة الاتهامات بالفساد ضد حركته.
ويجذبهم خطابه الديني ووعوده بالتغيير الذي طال انتظاره واعترافه بمجتمع يعدّ من بين الأكثر فقرا في العراق.
☚ دعوة الاحتجاج تنتشر من مكاتب حزب الصدر نزولا إلى زعماء العشائر الذين ينقلونها إلى أعضاء عشيرتهم
ويشتكي معظم سكان مدينة الصدر من عدم كفاية الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء في حرارة الصيف الحارقة حيث ارتفعت درجات الحرارة فوق 50 درجة مئوية يوم الخميس.
ولم يكمل غالبية سكان المدينة دراستهم، في حين يقول أولئك الذين أنهوا تعليمهم إنهم لا يستطيعون العثور على عمل.
واجتاح الصدريون البرلمان يوم السبت الماضي تلبية لدعوات الاحتجاج التي أطلقها الحزب الذي يدعمونه قبل أن ينسحبوا إلى الاعتصام خارج المبنى.
ويمنع تجمعهم خصوم الصدر السياسيين المدعومين من إيران من المضي قدما في تشكيل الحكومة. وكان الصدر، الذي فاز حزبه بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الأخيرة، يطالب بحكومة أغلبية كانت ستطيح بهؤلاء المنافسين.
وتعمق المواجهة الجمود السياسي غير المسبوق بعد 10 أشهر من إجراء الانتخابات الفيدرالية.
ويدعو رجل الدين أنصاره إلى العمل من خلال استحضار خطاب ديني قوي، لاسيما تضحيات الإمام الحسين. كما أنه يتطرق إلى تاريخ مدينة الصدر الطويل كمركز للاحتجاجات الاجتماعية الجماهيرية حيث تتعمق مشاعر القمع والثورة.
ويعود هذا التاريخ إلى تأسيس المنطقة بعد فترة وجيزة من إطاحة عبدالكريم قاسم بالنظام الملكي في 1958.
وبنى قاسم ما سمي في ذلك الوقت بـ”مدينة الثورة”، وهي مستوطنات للمهاجرين من جنوب العراق، وقد رُحّل كثير منهم من أراضيهم بعنف وعانوا من فقر مدقع.
ونمت قطاعاتها الخمسة الأصلية خلال العقود التالية إلى 100 قطاع مع 2.5 مليون نسمة.
لكن الوعود بتطوير المنطقة لم تتحقق طوال تاريخ العراق الحديث المضطرب.
وسقطت المنطقة في الإهمال مع تغييرات النظام المتتالية، وخلقت طبقة حضرية دنيا معزولة عن بقية المجتمع في بغداد. ثم أصبحت مركزا للمقاومة الشيعية في عهد الرئيس الراحل صدام حسين. وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003، تغيّر اسمها إلى مدينة الصدر، اسم والد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
أتباع أم بيادق
أتباع أم بيادق
وألقى الصدر خطابا يوم الأربعاء، ودعا أتباعه إلى مواصلة الاعتصام بهدف حلّ البرلمان العراقي، وإجراء انتخابات مبكرة، إذ "لا فائدة ترتجى من الحوار” مع خصومه.
لكن المطالب كانت أبسط في منزل إبراهيم، إذ يريد أفراد العائلة امتلاك منزل والحصول على عمل. ويمارس الأبناء أعمالا يومية غير قارة. ويبلغ الابن الأكبر 23 عاما ولم يتجاوز أي من أبنائه مرحلة التعليم الابتدائي.
ويعيش جميع أفراد العائلة، وعددهم 12 شخصا، في منزل يقتطع إيجاره معظم مداخيلهم على الرغم من أن إبراهيم عمل طوال حياته حارسا في وزارة التربية والتعليم.
وترغب حميدة، زوجة إبراهيم، بشدة في امتلاك منزلها الخاص. وقالت "قدّمنا طلبات للحصول على سكن حكومي وعلى وظائف، لكننا لم ننل شيئا”.
وانقطعت الكهرباء بينما كانت تتحدث، فتنهدت قائلة "ها قد انقطعت مرة أخرى”.
ويبدو أن دعم الصدر، الذي يمتد إلى أجزاء من جنوب العراق، بدأ يتراجع. فعلى الرغم من أن التيار حصل على أكبر عدد من الأصوات في انتخابات أكتوبر، إلا أن إجمالي الأصوات التي حصل عليها كان أقل من مليون، أي أقل من الانتخابات السابقة.
وكان التيار الصدري شريكا في حكومات متعددة على مر السنين، لكن مدينة الصدر لم تشهد أي تحسن. وعلى الرغم من تصوير حزبه على أنه بطل المحرومين، فإنه يدير شبكة واسعة من الموظفين المدنيين المعينين في مؤسسات الدولة العراقية والمستعدين لتطبيق أوامره. واشتكى المقاولون الذين يتعاملون مع الوزارات الخاضعة لسيطرته من المضايقات والتهديدات الصادرة عن أعضاء حزبه.
ويتهم المنتقدون رجل الدين باستخدام أتباعه كبيادق من خلال استحضار إرث والده محمد صادق الصدر، وهو شخصية دينية شيعية تحظى باحترام كبير قتلها نظام صدام في التسعينات.
معظم سكان مدينة الصدر يشتكون من سوء الخدمات الأساسية، بما في ذلك انقطاع الكهرباء في حرارة الصيف الحارقة
وسارع أنصاره في مدينة الصدر للدفاع عنه قائلين إن خصومه في السلطة عرقلوا أجندته.
وأكّد كثيرون أن دعواته للاحتجاج وفرت لهم هدفا يتجاوز رتابة حياتهم المنكوبة بالفقر. وتنتشر دعوة الاحتجاج من مكاتب حزب الصدر نزولا إلى زعماء العشائر الذين ينقلونها إلى أعضاء عشيرتهم.
وقال العديد من المتظاهرين الذين اقتحموا البرلمان يوم السبت إن هذه كانت أول مرة يرون فيها مقرات السلطة، حيث نادرا ما يرحب بهم يها.
وقال محمد علاء، وهو بقال في مدينة الصدر "رأيت المباني الكبيرة والغرف الجميلة، وتساءلت كيف يمكن أن يوجد هذا في نفس المدينة التي أعاني فيها. ألسنا بشرا أيضا؟”.
وتبقى صور الإمام الحسين معلقة خارج كل باب تقريبا في مدينة الصدر. ويحيي العراقيون الاثنين المقبل ذكرى مقتله يوم عاشوراء، وعادة ما يسيرون بالآلاف لإحياء اليوم في مدينة كربلاء المقدسة.
وكانت رسائل الصدر مليئة بالإشارات إلى تضحيات الحسين ودعوات للانتفاض ضد الظلم. وقال في خطاب السبت إنه ضد إراقة الدماء، لكن "الإصلاح لا يأتي إلا من خلال التضحية”، مشيرا إلى نموذج الإمام.
وتردد صدى المقارنة بين أتباعه. وقال إبراهيم الذي علّق صورة للإمام الحسين في غرفة جلوسه المتواضعة "دعا الإمام الحسين إلى الإصلاح والثورة، وقادتنا يفعلون نفس الشيء الآن. يمكن للبعض تجاهل الأمر بالطبع، لكننا لا نستطيع ذلك”.