العراق رهين لعبة التذاكي بين الصدر والمالكي

أخبار البلد - أبدى الإطار التنسيقي انفتاحا مشروطا على مبادرة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لحل الأزمة السياسية في العراق، في الوقت الذي تستمر فيه الحشود من أنصار التيار الصدري اعتصامها المفتوح في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد.

ويرى مراقبون أن الشروط "الملغومة” التي رسمها الإطار للموافقة على حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات جديدة، هي في واقع الأمر من بنات أفكار الخصم اللدود للصدر نوري المالكي، والذي سبق وأن تحدث عنها في أولى ردود فعله على مبادرة الزعيم الشيعي، حينما شدد على ضرورة أن يجري الاحتكام لـ”الآليات الدستورية والإجماع الوطني” للبحث في أي مبادرة.

ويوضح المراقبون أن ما يقصده المالكي، والذي جرى التطرق إليه خلال الاجتماع الأخير لقادة الإطار التنسيقي، هو تشكيل حكومة جديدة برئاسة مرشح الإطار محمد شياع السوداني، تتولى عملية التحضير لأي انتخابات تشريعية جديدة.

ويشير المراقبون إلى أن هذا يتناقض ورغبة زعيم التيار الصدري في أن تتولى حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي مهمة الاستعداد لهذا الاستحقاق، ويضع الصدر "فيتو” على حكومة برئاسة السوداني الذي يعد من قيادات حزب الدعوة الإسلامي الذي يقوده المالكي.

وجدد المالكي تأكيده على أهمية الالتزام بالآليات الدستورية والقانونية، وكتب رئيس ائتلاف دولة القانون، في تغريدة له نشرها على حسابه في تويتر، أن "الالتزام بالآليات الدستورية والقانونية، الخيار الوحيد الذي يجنب العراق الأزمات المتلاحقة التي ألحقت أضرارا فادحة بالمصالح العليا للشعب العراقي وعرضت السلم الأهلي إلى مخاطر جدية”.


وأضاف أن "إجراء أي انتخابات مبكرة، يجب أن يتم وفق الدستور والإجماع الوطني، بما يعزز الوحدة الوطنية، ويمنع تكرار ما حدث في الانتخابات السابقة التي شهدت عملية تلاعب غير مسبوق، لا تزال آثارها وتداعياتها السلبية مصدر معاناة، بعد أن أحدثت شرخا خطيرا في النسيج المجتمعي”.

وكان الإطار التنسيقي، الذي يشكل المظلة السياسية للقوى الموالية لإيران، قد أكد مساء الخميس دعمه لأي مسار دستوري لمعالجة الأزمات السياسية وتحقيق مصالح الشعب، بما في ذلك إجراء انتخابات مبكرة، وذلك بشرط تحقيق الإجماع الوطني حول الانتخابات المبكرة، وتوفير الأجواء الآمنة لإجرائها.

وتأتي هذه المواقف ردا على دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الأربعاء إلى حل البرلمان الحالي، وإجراء انتخابات مبكرة.

ويسمح الدستور العراقي للبرلمان بأنّ يحلّ نفسه، شريطة موافقة "الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب من ثلث أعضائه”، ما يعني أنه لزاما على الصدر الحصول على موافقة الإطار التنسيقي.


نوري المالكي: أي انتخابات جديدة يجب أن تتم وفق الدستور

أما الخيار الآخر فهو بطلب "من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”، وفي هذه الحالة هناك شبهة دستورية، ذلك أن رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية الحاليين انتهت فترة ولايتهما، وهي نقطة يستند إليها المالكي لحشر الصدر في الزاوية.

ويشهد العراق منذ عشرة شهر انسدادا سياسيا وسط مخاوف من انتقال البلاد إلى مربع العنف، في ظل لعبة "التذاكي” التي تمارس من كلا الطرفين، وحالة التوتر في الشارع.

وشارك عشرات الآلاف من أنصار التيار الصدري في صلاة الجمعة في المنطقة الخضراء، بعد ثلاثة أسابيع من صلاة مماثلة أجريت في حي مدينة الصدر الشعبي شرقي العاصمة، والغرض منها استعراض قوة أمام الخصوم في الإطار التنسيقي.

واحتمى المتظاهرون تحت مظلّات من أشعة الشمس الحارقة ودرجة حرارة تفوق 46 درجة مئوية، رافعين الأعلام العراقية وصور مقتدى الصدر، فيما ساروا على درب طويل يؤدي إلى الساحة. ورددوا في الأثناء هتاف "نعم نعم للسيد”، في إشارة إلى الصدر.

وعند بدء خطبة الجمعة، صدح المصلون "نعم نعم للإصلاح”،”كلا كلا للفساد”. وقال خطيب الجمعة مهند الموسوي في خطبته للمصلين "إننا من منبر الجمعة في هذا اليوم، نعلن تضامننا مع مطالب… السيد القائد مقتدى الصدر… وهي حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة”.

واعتبر أن "العراق أسير الفساد والفاسدين”، منددا كذلك بـ”التردي الواضح في مجالات الخدمات والصحة والتعليم” وبـ”وصول أعداد كبيرة إلى ما دون خط الفقر، في مقابل الإثراء الفاحش على حساب قوت الشعب”.

وينظر مناصرو الصدر إليه على أنه رمز للمعارضة ومكافحة الفساد، على الرغم من أن العديد من المنضوين في تياره يشغلون مناصب حكومية رفيعة على امتداد السنوات الماضية.

ما يقصده المالكي، هو تشكيل حكومة جديدة برئاسة مرشح الإطار محمد شياع السوداني، تتولى عملية التحضير لأي انتخابات تشريعية جديدة

وقرب تمثال القوس المؤلف من سيفين في ساحة الاحتفالات، قال الشيخ علي العتبي الذي شارك في الصلاة إن الصدر "عندما يريد توظيف الشعب لأمر ما يدعو إلى صلاة الجمعة المباركة ويوحد صفوف المسلمين”.

وقال المتظاهر قاسم أبومصطفى، وهو موظّف يبلغ من العمر 40 عاما، إن "صلاة اليوم هي صلاة مليونية موحدة”. وأضاف أن "الصلاة شوكة بالعدو، نريدها من أجل إعادة الانتخابات والإصلاح بنفس الوقت”. وعقب انتهاء الصلاة عاد المئات من الأنصار إلى موقع الاعتصام المفتوح الذي أعلنوه منذ نحو أسبوع.

وانطلق الاعتصام للاحتجاج على مرشح الإطار لرئاسة الوزراء، لكن المراقبين يرون أن السوداني كان مجرد ذريعة من التيار لتحريك الشارع، حيث إن هدف الصدر الأساس هو التحكم بالعملية السياسية من خارجها، بعد أن فشل في تحقيق ذلك حينما كان في صميمها ومن يقودها.

ويقول المراقبون إن توظيف الصدر للشارع يشكل آخر ورقة في مواجهة خصمه العنيد المالكي الذي لا يبدو أنه في وارد التسليم، عبر طرحه شروطا مضادة للقبول بحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات جديدة.

ويشير المراقبون إلى أن المبادرة التي عرضها الصدر تتجه إلى أن تكون فصلا جديدا من الأزمة وليست نهاية للنفق.

والتقى الصدر في النجف الجمعة برئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت. وقالت بلاسخارت في مؤتمر صحافي مختصر أعقب اللقاء إنها ناقشت "مع السيد الصدر أهمية إيجاد حل للأزمة السياسية”، دون أن تشير إلى أي اختراقات في جدار الأزمة.