مقتل أيمن الظواهري إعلان مؤجل لموت القاعدة!

أخبارالبلد - مثل الإعلان الأميركي عن مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري إيذانا بالتعامل مع الواقع الجديد للتنظيم المفكك وشبه المنهار، والذي كان في السابق يوصف بأنه أم التنظيمات الجهادية المعولمة وأكثرها نفوذا.

ويمثل خبر مصرع الظواهري رسميا الذي عاني من أمراض الشيخوخة وتردد موته أكثر من مرة طوال السنوات الماضية، إعلانا بموت القاعدة بعد أن حاول القيادي المصري المطلوب حيا أو ميتا من قبل واشنطن ورصد لذلك مبلغ 25 مليون دولار، إنقاذ التنظيم المحتضر عقب خروجه فعليا من دائرة السيطرة على المشهد الجهادي المسلح.

وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مساء الإثنين مقتل زعيم القاعدة الظواهري في غارة نفذت السبت في أفغانستان، معبرا عن أمله أن يساعد مقتله عائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر على طي الصفحة فقد اعتبر أن مقتله يحقق العدالة.

الرئيس الأميركي أعلن مساء الإثنين مقتل زعيم القاعدة الظواهري في غارة نفذت السبت في أفغانستان

وذكر مسؤول في الإدارة الأميركية أن "السي.آي.إيه” حددت من خلال مصادر متعددة أن القتيل هو الظواهري، وقُتل في شرفة منزل آمن في كابول كان يقيم فيه مع أفراد من عائلته ولم تقع إصابات أخرى.

ولم تكن الإستراتيجية الصلبة التي تمكنت من خلالها الولايات المتحدة من اصطياد كبار قادة القاعدة من الجيل المؤسس أو الجيل الثاني الفاعل عبر الطائرات دون طيار هي العامل الوحيد الذي أضعف هذا التنظيم الذي عانى ذاتيا من الانقسامات والخلافات الداخلية منذ العام 2017 اعتراضا على ضعف الظواهري وفشله في سد الفراغ الذي تركه أسامة بن لادن.

وبعد أن كان القاعدة إحدى المواد الرئيسية على صفحات وشاشات الإعلام العالمي في مرحلة قيادة بن لادن واضعا نفسه في خارطة الأحداث السياسية الدولية استولى عليه الضعف في مرحلة الظواهري الذي افتقر للكاريزما الحركية التي تمكنه من جذب الموالين للفكرة والسيطرة على الفروع والأتباع.

وكثرت مطالبات القواعد بتنحي الظواهري عن المشهد لإتاحة الفرصة لقيادات جديدة قادرة على إعادة بعث التنظيم المتهالك في الوقت الذي استحوذ فيه تنظيم داعش على الحالة الجهادية المسلحة بشكل شبه كامل في أماكن متعددة، بينها معاقل القاعدة التقليدية في أفغانستان.

تخبط منهجي
سيف العدل واسمه الحقيقي محمد صلاح الدين زيدان هو الأوفر حظا لخلافة الظواهري على رأس القاعدة

استلم الظواهري قيادة تنظيم جريح يعاني من تأثير الضربات القوية التي تلقاها من جانب التحالف الأميركي الدولي داخل أفغانستان على مدار عقدين قبل وبعد مقتل بن لادن في العام 2011، ودُمرت مقراته وجرى القضاء على الكثير من أذرعه الفاعلة.

وقضت الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا والموالون لهما في أفغانستان وباكستان بجهود استخبارية متطورة على الكثير من القيادات الميدانية لتنظيم القاعدة الذي خسر عددا كبيرا من قادته التاريخيين والمؤثرين، تركوا فراغا واسعا أفقد الظواهري القدرة على التحكم في الكيانات الفرعية الموالية للمرجعية الأم.

وبعد أن أرخت مرحلة العشرة أعوام التي تولى فيها أسامة بن لادن منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وحتى مقتله عام 2011 لبداية الانحدار في نشاطات القاعدة، ساهمت العشرية التالية وصولا لإعلان مقتل الظواهري في خلخلة هيكلية وفقدان في الحضور الميداني.

وحاول الظواهري تفادي انهيار التنظيم الذي ظل يتربع على قمة الكيانات الإرهابية منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي من خلال إجراء تغيير جوهري في إستراتيجيته وتوجيهه بعيدا عن إطار القاعدة النموذجي.

وعُد أهم إجراء اتخذه الظواهري بعد موت مؤسسه ورمزه الأول أسامة بن لادن هو التخفيف من حدة الأيديولوجيا الجهادية السلفية والابتعاد عن مواجهة العدو البعيد، أي الغرب، والتركيز على العدو القريب، أي الأنظمة العربية والإسلامية التي كفرها واتهمها بالفساد والعمالة للغرب.

ومن منطلق هذا التحول حاول الظواهري ركوب موجة الربيع العربي وعزز حضور الفروع المحلية في العديد من الدول العربية والأفريقية وتأسيس فرع للقاعدة في كشمير في القسم الهندي من البلاد عام 2014.

خسائر متتالية

تعرضت مشروعات الرجل المحلية لانتكاسات نتيجة المتغيرات في الوضعين العالمي والإقليمي والأحداث المتسارعة التي شهدتها الدول التي كانت محور اهتمامه، خاصة في مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن، فضلا عن أفغانستان والهند وبنغلاديش وماينمار ومالي.

وجعلت التوترات والمستجدات السياسية على هذه الساحات وفقدان القيادة فاعليتها بسبب الاغتيالات التي استهدفت قيادات مجلس الشورى العالمي للتنظيم، الظواهري غير قادر على ضبط البوصلة والتحكم في الخطة الإنقاذية للقاعدة.

ومن بين أقسى الضربات الموجعة التي تركت آثارا واضحة على معنوياته ما تعرض له من انتكاسة لطموحه في استعادة النشاط على الساحتين السورية والمصرية من خلال الأذرع المحلية، حيث حاول الاستفادة من الفرص التي قدمتها الحرب الأهلية في سوريا وتداعيات ثورة يناير 2011 واستيلاء الإخوان على السلطة في القاهرة، وأسس فرعين مهمين هما جبهة النصرة في سوريا بقيادة أبومحمد الجولاني والمرابطون في مصر بقيادة هشام عشماوي.

وللتأكيد على الأهمية التي كان يوليها لهذين الفرعين نقل التنظيم المركزي أصولا مهمة من أفغانستان وباكستان إلى بلاد الشام، علاوة على دعم الخبرات والتمويلات التي حصل عليها فرع القاعدة الجديد في مصر.


وجرى تقويض التنظيم الذي شكله عشماوي والذي نشط بين ليبيا ومصر بجهود الجيش المصري، وتُوج ذلك بتسليم عشماوي وإعدامه في مصر في مارس 2020.

وانقسم فرع القاعدة في سوريا إلى كيانين أحدهما فك الارتباط بالتنظيم المركزي تحت اسم هيئة تحرير الشام، والثاني وهو حراس الدين الذي عملت الهيئة على تفكيك خلاياه على الأرض، وعمل التحالف الدولي على استهداف كل قياداته الفاعلة.

ولم يتبق للقاعدة من الأفرع القوية بعد إنهاء سطوته في ليبيا وتونس واليمن سوى حركة الشباب في الصومال، وجماعة أنصار الإسلام والمسلمين في مالي ودول الساحل والصحراء.

وتواجه هذه الفروع تحديات كبيرة ممثلة في تصميم الدول الأفريقية على مواجهتها رغم التعثر وضعف الإمكانيات، فضلا عن منافسة داعش الذي يطمح للتمدد في وسط أفريقيا وغربها.

وأدى فشل الظواهري في إعادة إحياء التنظيم من خلال إعادة تعريفه وتعزيز توجهه المحلي إلى سخط الكثير من عناصره الذين غادروا التنظيم وانضووا تحت راية داعش.

وأسهمت هذه التحولات في سحب مركزية القرار من التنظيم ليصبح دور القائد بعد بن لادن صوريا لا أكثر.

عودة العاجز
حاول الظواهري أخيرا الترويج مجددا للعودة إلى إستراتيجية استهداف البعيد، خاصة بعد الفشل المحلي والتهديد الذي لاحقه في أفغانستان نتيجة تصميم الولايات المتحدة على إجبار طالبان على فك ارتباطها به.

وكانت هذه بمثابة عودة العاجز قليل الحيلة، فالتنظيم بطبيعة الحال غير قادر ميدانيا على تنفيذ عمليات ناجحة ضد أهداف أميركية أو غربية، وغالبية محاولاته على هذا الصعيد تم إفشالها وواجه منفذوها مصير الاعتقال أو القتل.

وانكب الظواهري في شهوره الأخيرة على القضايا الفكرية والعقائدية والوعظية مخففا من المحتوى السياسي إلا في قضايا عامة تحتمل إطلاق الشعارات من دون الحاجة إلى العمل على الأرض، مثل نصرة المسجد الأقصى وقضية كشمير ودعم المظلومين.


يبدو أن سيف العدل واسمه الحقيقي محمد صلاح الدين زيدان هو الأوفر حظا لخلافة الظواهري على رأس القاعدة، خاصة أن غالبية من كانوا ينافسونه قد تمت تصفيتهم.

وجرى استهداف أبومحمد المصري الذي يأتي تاليا بعد سيف العدل في طهران برفقة ابنته أرملة حمزة بن لادن في أكتوبر عام 2020، وقُتل أبوعبدالرحمن المغربي "علي ماشيو” وهو صهر الظواهري، وكان قياديا بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي.

وفقد التنظيم من قادته البارزين جمال عكاشة أمير إمارة الصحراء وعبدالمالك دروكدال (أبومصعب عبدالودود) زعيم التنظيم في المغرب العربي، وأبومحمد السوداني أحد قيادات حراس الدين بسوريا، وكان مقربا من الظواهري وبن لادن.

ورغم مخالفة ترشح سيف العدل المقيم في إيران للشروط الموضوعة والتي تقضي بتولية قيادي مقيم في خراسان (أفغانستان وباكستان) أو أحد أفرع التنظيم، إلا أنه قد يكون خيارا توافقيا لمنع التنازع على القيادة.

ويمتلك سيف العدل، وهو عضو بمجلس شورى القاعدة وواحد من قلة يُحسبون على أنهم من كبار القادة الذين مازالوا على قيد الحياة، قدرات قيادية تؤمل أجيال التنظيم الجديدة أن تسهم في إخراجه من حالة الضعف التنظيمي واستعادة فعاليته مجددا.

ويراهن عليه نشطاء القاعدة لاستعادة الحضور والوهج العسكري للتنظيم بعد التراجع الشديد على المستوى العملياتي نظرا لخبرات العدل العسكرية، حيث كان عميدا سابقا في الجيش المصري ولديه خبرات في صناعة المتفجرات ويمتلك رؤية أمنية وخبرة عسكرية.

ويواجه تصعيد سيف العدل منافسة محتدمة من العديد من أفرع التنظيم التي تهيمن عليها قيادات غير مصرية، طالما رفضت هيمنة المكون المصري على قيادة القاعدة.

تنظيم القاعدة قد يلجأ إلى التكتم وتأخير التعليق على خبر تصفية الظواهري تمهيدا لتجهيز خليفة له يحظى بالحد المقبول من التوافق

ووُجهت انتقادات شديدة اللهجة إلى الظواهري على خلفية سعيه لتمكين أبناء بلده من قيادة التنظيم وانحيازه الواضح للجناح المصري داخله، خاصة من قبل قيادات الفرع السوري الذي يهيمن عليه أردنيون وسعوديون.

ومن المرجح أن يسعى قادة الأفرع الأخرى خاصة الفرع السوري واليمني الذين رفضوا إستراتيجية الظواهري لتمصير القاعدة وخططه ليكون خليفته مصريا لعرقلة تسمية سيف العدل زعيما للقاعدة خلفا للظواهري.

ويدشن حضور تيار رافض لاستئثار جناح بعينه بحصة الأسد من ميراث الظواهري، علاوة على وجود منافسين أقوياء في أفريقيا مثل إياد آغ غالي لسباق خلافة متعدد المستويات، ولذلك يبدو أن ما ينتظر القاعدة بعد رحيل الظواهري مجهول.

وتتنوع مستويات المنافسة لوجود تيار رافض لتمصير القاعدة مقابل رغبة المنتمين لجنسيات أخرى في تغيير الأوضاع ويرون أن حقوقهم كانت مهضومة خلال مرحلة الظواهري، ناهيك عن مستوى تنافس مناطقي بين قادة مقيمين في سوريا ينتمون لتنظيم حراس الدين وآخرين في اليمن وخراسان (أفغانستان وباكستان) وفي أفريقيا، وأخيرا في إيران حيث يقيم المرشح الأبرز وهو سيف العدل.

وقد يلجأ التنظيم إلى التكتم وتأخير التعليق على خبر تصفية الظواهري تمهيدا لتجهيز خليفة له يحظى بالحد المقبول من التوافق وتفادي حدوث انشقاقات كبيرة والظهور أمام الولايات المتحدة والعالم كأنهم في إطار موحد.