حتى لا يظل تغيير الحال من المحال

أخبار البلد-

 

تعددت الاجتهادات للخروج من الأزمة الوطنية الناجمة عن الانقسام وفشل أدوات الصراع في بلوغ أهدافها، وبالتأكيد هناك عوامل خارجية وداخلية لسنا بصدد الحديث عنها هنا . وربما بفعل تعقيدات المأزق ذاته فإننا نحتاج إلى حلول غير معقدة وبسيطة، وتراهن على العامل الذاتي ومتطلبات تصليبه أكثر من أي شئ آخر، ببساطة لان المهمة المركزية الآن تتلخص في بناء الصمود السياسي المستند إلى حالة صمود ميداني وشعبي متماسكة وغير قابلة للتفتيت أو تشتيت مكامن قوتها . إذا أردنا أن نتحدث بوضوح شديد عن أداة تشكل رأس قاطرة لتوفير متطلبات هذا الصمود، فإنها بالتأكيد تأتي في اطار مسؤولية الحكومة، ولكن ليس سوى حكومة وحدة وطنية قوية وقادرة على أن تعيد الأمل للناس، فالأمل هو القاعدة الصلبة للصمود الميداني والسياسي معاً.

أمام هذا الاستحقاق المفتاحي الذي نحن بصدده، ويمكن أن يشكل أداة عملية ومدخلاً ملموساً لمعالجة الواقع الكارثي، والمتمثل فعلياً بما أفرزته حالة الانقسام من تدمير شامل لدور المؤسسات واستبدالها بالتفرد والهيمنة والإقصاء، والمصالح الفئوية والشخصية، وبما تشمل التشريع والقضاء والمفاوضات والاقتصاد والمال والأمن ومختلف مناحي الإدارة الحكومية التي لم يعد المواطن يراها، وبما يشمل كذلك ركناً أساسياً من أركان الحكم متمثلاً بالسلطة القضائية، وما يحدث فيها من فوضى عارمة جراء سلسلة القرارات بقانون و التي تشي على الأقل بأنها غير مدروسة، وتهدف للسيطرة على المجتمع والناس، وليس تعزيز شراكتهم في تحمل المسؤلية، كما أنها تقوض سلطة القضاء بصورة غير مسبوقة، وأدت إلى مراكمة عوامل أجبرت المحامين على الإضراب في محاولة لانقاذ قطاع العدالة من الانهيار .

الأمر ذاته ينطبق على الأمن والخط السياسي، وشكل العلاقة مع الاحتلال ومواجهة مخططاته التصفوية، وغيرها من القضايا، والتي تدار جميعها من قبل خلية ضيقة تعمل مع الرئيس، دون أي مرجعية سياسية في هيئات المنظمة أو السلطة .

إن معالجة هذا الأمر كمدخل للمعالجة الشاملة المتدرجة، بتوفير أجواء تفتح خلالها الخطوة تلو الأخرى، يتطلب التركيز على ضرورة توفير متطلبات الاتفاق العاجل على إنشاء حكومة وحدة دون أي اشتراطات مسبقة سوى الالتزام بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني، وتتمتع بإرادة الاجماع والتوافق الوطنيين، وتعمل وفق الصلاحيات المحددة لها في القانون الساسي الذي يعيد للحكومة صلاحياتها الكاملة المصادرة منها، وتفتح من خلال المشاركة المباشرة لجميع القوى المستعدة، الباب لعملها في مجمل الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك قطاع غزة، وهذا ما يمكن اعتباره خطوة مفتاحية يمكن البناء عليها للاسهام في تغيير الواقع، عبر معالجة ملفات وقضايا الانقسام والتقرير بشأنها توافقياً داخل الحكومة ذاتها، و تتحمل أيضاً، أي الحكومة، مسؤولية القيام بجهد استثنائي فوري لإلغاء كافة القرارات والقوانين بقرارات والتي سبق واستهدفت عرقلة وتقييد حرية الرأي والتعبير، وبما يضمن صون الحريات العامة و الحق في التنظيم والاحتجاج السلمي والتظاهر، وإطلاق فضاء واسع لحياة سياسية جادة تعيد للبلد والمجتمع والناس سبل المشاركة السياسية في قضايا الشأن العام، المصادرة و المحتكرة من قبل تلك المجموعتين الانقساميتين المهيمنتين على المشهد العام، ومن يدور في فلكهما من قوى سياسية منحازة لمصالحها.

بهذا تكون الحكومة الجديدة قد وضعت البلد والمجتمع أمام سكة إنقاذ ملموسة، تهيئ الأجواء خلال مدة عام أو عامين، أو ما تتفق عليه وتقره الهيئات الوطنية التي يشارك بها الجميع، لإجراء انتخابات شاملة رئاسية وتشريعية، وللمجلس الوطني حيثما يكون ذلك ممكناً. بهذه الخطوة نكون أمام واقع يشمل معالجة ما يزيد عن ثلاثة أرباع الأزمة الوطنية، والمتمثلة بإنشاء حكومة وحدة متفق عليها لمعالجة قضايا الانقسام ووقف سطوة الخلية المهيمنة على قضايا ومقدرات السلطة، والتقدم بجدول زمني لإعادة القضية الوطنية لمسؤولية الشعب والمواطن من خلال توفير متطلبات تعزيز صموده، وتمكينه من استعادة حقه الدستوري بانتخاب قيادته، باعتبار ذلك مكوناً أساسياً لممارسة الحق في تقريرالمصير، وهذا كله يمكن ادراجه تحت مفهوم الإصلاح الممأسس الذي يؤدي للتغيير المتراكم في إطار ديمقراطي، وهو لا يستثني إعادة بناء هيئات القرار الوطني في إطار منظمة التحرير وفق ما يمكن تسميته بالديمقراطية التوافقية التي تعيد للمنظمة ودورها وهيئاتها وبرنامج عملها الطابع الإئتلافي الجبهوي التي تشكل ركيزة الكفاح الوطني لمتابعة إنجاز التحرر الوطني بمشاركة كل القوى الاجتماعية الحية وفي مقدمتها النساء والأجيال الشابة وحراس الأرض الذين يواجهون بصدورهم العارية مخططات الاستيطان والتهويد.

هنا يبرز سؤال جوهري وهو "هل أبواب هذا الخيار مفتوحة وممكنة ؟!"، والجواب ليس بالضرورة، ولكنه، بفعل واقعيته ومنطقيته وبساطته والأهم حيوية الحاجة الشعبية الملموسة إليه بفعل الفشل المستحكم، فإنه يستحق من كل المخلصين توحيد وتركيز كل جهودهم على إنجاز هذا الهدف المفتاحي، والذي يؤسس أيضاً لتحدي اللعبة الإسرائيلية التي تسعي وتواصل التدخل لمزيد من تفتيت الحالة الفلسطينية، ومحاولة فرض قيادة متساوية مع استراتيجيتها لتبريد أو تقليص أو تأجيل الصراع. هذا الجهد، ولكي يكون جاداً، فهو يتطلب حاضنة شعبية واسعة تشارك فيها كل الفئات المتضررة، ويمكن التأكيد أن الفئات الشعبية بأكملها متضررة في كرامتها الإنسانية، وفي لقمة عيش أبنائها، وجميعها قلقة من المستقبل، بل إن فئات واسعة منها باتت تفكر بالهجرة، في وقت أننا لم نعد نمتلك ترف إهدار المزيد من الوقت، ونحتاج لاستبدال الإحباط واليأس بشيئ من الأمل أن التغيير ممكن، ولكنه يحتاج إلى قرار سياسي يتوائم مع المتطلبات الشعبية، ويراكم أنماط جديدة من الثقة البديلة في العلاقة مع الناس ، حتى لايظل قاصراً عن إمكانية تحقيق أي خطوة جدية نحو التغيير، بينما بقوة الالتفاف الشعبي حول هدف محدد ستكون فرص تحقيقه بالتأكيد أكبر، وإذا لم يتحقق وظلت الأطراف المهيمنة على المشهد الانقسامي متمترسة خلف مصالحها فإن أبواب التغيير بالثورة الاجتماعية تكون قد تقدمت خطوة للأمام وشكلت متراساً بل وربما سداً منيعاً ليس فقط في وجه خطر الانهيار بل والأهم سداً لمنع انزلاق الأوضاع نحو كارثة الانهيار والفوضى وربما الصراع الدموي على السلطة على حساب مصالح الشعب وقضيته ومستقبله في هذه البلاد.