مفاعل نووي ولا اسطوانة غاز

‏ الفكرة التقليدية المعروفة أن الأردن بلد فقير الموارد، رغم الحلم بان إيرادات ‏استغلال اليورانيوم ستفوق حواجز عشرات مليارات الدولارات، وان خامات ‏البترول من الصخر الزيتي ستكفي الأردن لعدة عقود، واكتشاف كميات إضافية من ‏الفوسفات، وإطلالة أردنية على المخزون الاستراتيجي من البوتاس والرمل ‏الزجاجي، وغيرها من الثروات بما فيها الذهب في وادي عربة.‏
‏ فهيئة الطاقة النووية تحلم بذلك اليوم الذي يتم فيه بناء المفاعل النووي الأردني، ‏الذي سيكون له عظم الأثر بتوفير احتياجات المملكة من الطاقة الكهربائية، ويتم ‏الاستغناء عن أنبوب الغاز المصري، الذي أصبح الاعتداء عليه مغامرة يقوم بها ‏هواة التفجير بين فترة وأخرى، ورغم أن الشعب الأردني يشعر بالحاجة الماسة ‏لتوفير مصدر دائم للطاقة، إلا انه يعارض فكرة بناء مفاعل نووي على أراضية لعدة ‏أسباب، من أهمها عدم الثقة بنجاح مثل هذا المشروع أصلا، وشكوكهم بان مثل هذا ‏المشروع لن يزيد خزينة الدولة إلا مزيدا من الاستنزاف، ثم إنهم تتولد لديهم شكوك ‏أن مثل هذا المشروع قد يكون لخدمة إسرائيل قبل الأردن، فإسرائيل التي تريد ‏التخلص من مفاعل ديمونة بعد انتهاء عمرة الافتراضي، تبحث عن بديل فوجدت ‏بالطموح الأردني ضالتها، سيما وانه يتوفر من يؤيد مثل هذه الأفكار، هذه المحددات ‏تأتي من وجهة نظر المواطن البسيط، الذي اعتاد على سماع كلام المسئولين عن ‏الخطط الهادفة، والمشاريع الإستراتيجية، وفي كل مرة يجد انه كلام في كلام.‏
‏ أما في مجال التحليل العلمي، فالمحددات كثيرة منها الشكوك في إمكانية توفير ‏كمية مناسبة من الماء، لغايات التبريد على المفاعل النووي في حالة التشغيل الطبيعي ‏المعتاد، أو لغايات استعمالها في حالات الطوارئ، ثم إن الكميات المكتشفة من ‏خامات اليورانيوم أصلا ليست محددة بدقة، وان ما تم إعلانه قد يكون فيه مبالغة، ثم ‏إن كلفة بناء المفاعل النووي أصلا كبيرة، ثم تأتي عملية التشغيل وما يلحقها من ‏وجود خبراء تشغيل و احتياطات السلامة والتي تعد أيضا مكلفة جدا، كلها محددات ‏بحاجة ماسة للدراسة الدقيقة والواقعية، بعيدا عن أحلام اليقظة قبل التورط بالدخول ‏في مشروع عالي التكاليف، قد لا يكتب له النجاح كما هو حال كثير من المشاريع ‏الطموحة التي بوشر بتطبيقها على الواقع، ولم تستطع عقول الخبراء ترجمتها على ‏الورق مثل مشروع الباص السريع مثلا.‏
‏ في هذه الفترة التي تداعب فيها أحلام توفير الطاقة بمصدر لا ينضب تطل علينا ‏أزمة توفير الغاز المنزلي، حتى أصبح الحصول على اسطوانة غاز أهم من هيكلة ‏الرواتب، أو حتى أخبار مجلس النواب والمذكرة المزعومة بحجب الثقة عن وزير الإعلام الذي انظم ‏إلى صفوف الحراكات الشعبية.‏
‏ فنقول للحكومة الرشيدة أنها في الفترة التي تتطلع فيها لبناء مفاعل نووي أردني، ‏هل وفرت كوادر تمتلك حس وطني ومسؤولية إدارية للقيام بمثل هذا العمل، ‏والتعامل مع الأحداث الطارئة التي قد تصادف عملهم، أم سيكون حس المسؤولية ‏لديهم بنفس الحس بالمسؤولية الذي نقل عن إدارة المصفاة تجاه نقص مادة الغاز، فان ‏استطاعت الحكومة أن توفد متدربين، واستطاعت أن توفر منح دولية لبناء المفاعل ‏النووي، واستطاعت أن تحدد مكان بناء المفاعل النووي، وقررت أن تستنزف المياه ‏الجوفية لتشغيل المفاعل المزعوم، نرجو أن لا تكون عندها أية نوايا بالرجوع لخزينة ‏الدولة أو الاقتراض لغايات تسيير عمل هذا المفاعل، لان هذا القرار سيكون بمثابة ‏النار التي تؤتي على ما بقي من ثروة الشعب المعدم، الذي سيعلن الانتحار بحرق ‏نفسه بعد أن حُرق بيته، فالشعب الأردني سيكون مسرورا بالتخلي عن حلم بناء ‏المفاعل النووي أكثر من سروره بحل مجلس النواب. ‏


kayedrkibat@gmail.com