الإصبع والجرح



من الصعب أن تكون موافقتنا تامة على ما تفعله الحكومة ، ومن غير المعقول أن نكون راضين تمام الرضا عن طريقة معالجتها للقضايا الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية ، وفي الحالتين لن نقف ضدها ، ولكننا سنبقى معها لتقوم بانجاز ما يمكن انجازه ، وفي المقابل فمن حقنا ، وواجبنا الوطني أن نكون ضدها إذا لم تفعل شيئاً أمام الخراب الذي يكاد أن يعم الوطن ، وأمام الأخطاء الإدارية ، والاقتصادية في منظومة إرث الفساد الذي ورثته ، وسوف نفسر صمتها ، ومماطلتها في الإجراءات القانونية بأنها شريك في الخراب ، وشريك في الفساد ، ومن هذين المفهومين لموقفنا من الحكومة علينا أن نتابع تحركها ، وطريقة معالجتها لقضايا تهم المواطن الأردني ، ونراقب صمتها ، وعدم التفاتها إلى ما يساهم في التنمية الاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية ، وعندها سنقول كلمتنا المناسبة التي نعتقد أنها صادقة ، وهذا هو دور من أدوار المواطن نحو بلده .
إن مشاكلنا ، وهمومنا في الأردن ليست أحجية حتى نُصاب بالدوار للبحث عنها ، ولنا في سيد البلاد القدوة الحسنة ، فبالأمس قال جلالته : إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة لها الدور الأكبر في انطلاق الحركات الشعبية . ونرى أن وضع الإصبع على الجرح من قائد يؤرّقه هم الوطن والمواطن ، ويبحث عن الداء ، ومركز الوجع الوطني الذي يمكن أن تتداعى له سائر مناحي الحياة بالرفض والانفجار، هو أمر لحكومته التي منحها سقفاً عالياً في سلطتها التنفيذية لتسعى جاهدة لتخفيف صعوبة الحياة الاقتصادية على المواطن ، ومنح هذه المهمة الأولوية عند اتخاذ القرار ، حتى يبقى المواطن الأردني أقل تشنجاً وانفعالاً ، وذلك من خلال مداواة الجرح .
إن جلالة الملك يعي جيداً مفهوم العدالة الاجتماعية ، ويدرك تماماً ما يترتب على المواطن من هذه العدالة ، وهو في خطابه لحكومته يضعها أمام مسؤوليتها القيادية ، والإنسانية ، والحضارية ، ورغم ما نعرفه مما يُثقل كاهل الحكومة من قضايا ظهرت حديثاً - وما كان لها أن تظهر لولا يقظة الشعوب العربية – فإننا نرى أن الحكومة ملزمة وطنياً بتنفيذ خطاب جلالته مع التزامها التام بتتبع باقي القضايا ، وعدم تركها بحجة الالتفات إلى القضية الأم ألا وهي صعوبة الأوضاع الاقتصادية ، ونحن نعلم أننا ما كنا لنصل إلى هذه الأوضاع الموجعة لو كان هناك انتماء حقيقي للوطن من بعض المسؤولين الذين عاثوا فساداً في مقدرات الوطن حتى أوصلوه لدرجة يحتاج فيها إلى الغوث ، والنجدة .
لقد وضع جلالته الإصبع على الجرح ، فبارك الله بالإصبع ، وشفى الجرح .
 المستشار يسار محمد خصاونة