حتى لا يتكرر ما حدث في دارة الشهيد وصفي التل

أخبار البلد ــ على مقربة من جبال البلقاء المطلة على فلسطين المحتلة وفي منطقة الكمالية 15 كيلو غرب عمان عاش وصفي التل الذي سيبقى محفورا في ذاكرة الاردنيين سنوات من حياته في بيت بسيط في بنائه ومحتوياته وكل زاوية وركن فيه تؤرخ لحقبة هامة من تاريخ الاردن السياسي والاجتماعي لم يحظ هذا المكان بالاهتمام والرعاية اللازمة لفترات طويلة من الزمن الماضي.

حتى ان بعض الحكومات السابقة اضطرت للتدخل لإعادة التيار الكهربائي للمنزل بعد قطعه عنه نتيجة لتراكم فواتير الكهرباء عليه وقد سبق ان تعرض المنزل لحريق ناتج عن تماس كهربائي دون ان يسفر عن أضرار مادية بسبب عدم توفر نظام حماية الكتروني حينها كلفته كانت نحو 30 الف دينار فقط.

بتوجيهات ملكية سامية وانطلاقا من حرص جلالة الملك عبدالله الثاني امر خلال اتصال هاتفي مع رئيس لجنة أمانة عمان الكبرى آنذاك المهندس عمار الغرايبة بإجراء صيانة وإعادة تأهيل شاملة لمتحف دارة الشهيد وصفي التل وتأمينه بجميع وسائل الحماية اللازمة للحفاظ على موروثه التاريخي والوطني لكي تبقى اسماء الاردنيين الشهداء الابرار من رجالات الدولة والوطن خالدة ومحفورة في الذاكرة الوطنية كما جه جلالته الحكومة للعمل على اعادة الحيوية الى هذا المرفق الوطني الهام ليكون شاهد على مراحل مفصلية دقيقة في تاريخ المملكة حيث تم اعلانه باسم ( دارة وصفي وسعديه التل ) كمرفق ثقافي متحفي وطني.

قبل تلك المبادرة الملكية كان البيت والضريح الذي يضم رفات وصفي التل مرتعا بكل معنى الكلمة للقوارض ومكب للأنقاض وتجميع النفايات وبعض ابوابه مخلوعة ويحتاج لأشغال الصيانة والترميم وإعادة التأهيل في كل جوانبه والاغنام كانت ترعى في بعض حياضه واعمال التحطيب تجتاح اشجاره المثمرة وغير المثمرة كما كان هنالك خوف من سيطرة البعض على الأرض الحرجية التابعة له قبل ان تقوم وزارة الزراعة بحمايتها بأسلاك شائكة وإقامة جدران استناديه عن طريق وزارة الأشغال العامة

لقد تشرفت بزيارة الموقع عام 2005 وتجولت في كافة اركانه حيث كان شبه مهجور يقوم على خدمته ورعايته وحمايته المرحوم المخلص الأمين ( محسن عساف السرحان ) سائق الشهيد والذي عاصره منذ 2 / 2 / 1965 حتى استشهاده بداية السبعينيات وفاءا منه لذكراه الطيبة ولم تكن حينها هنالك أية رؤية أو اهتمام لإدارة البيت رسميا وجعله متحف خاص بإرث وصفي التل.

قبل أيام قليلة تداول رواد المواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي مجموعة صور غير لائقة قالوا انها من منزل متحف الشهيد وصفي التل تظهر نوعا من الفوضى والعبث وعدم النظافة وقلة الاهتمام بل والاستهتار خاصة مع وجود بعض ( علب فارغة لمشروبات كحولية ) والأجهزة والمعدات والادوات الخاصة بالتصوير إضافة الى تجاوزات أخرى تم رصدها لا يتسع المجال لتفاصيلها.

الواضح من كل ذلك ان بيت الشهيد وصفي الذي عرف بنظافته واستقامته وضربه بيد من حديد على مظاهر الفساد والمحسوبية تحول الى ( ديكور لأعمال درامية ) حيث استخدم مرات عديدة من قبل بعض شركات إنتاج فنية خاصة لتصوير العديدة من المسلسلات غير المرتبطة بتاريخ او حياة الشهيد وصفي التل ما اعتبر تعديا صارخا على موروثه الوطني الأصيل ومحتويات الدارة وأثاثها في وقت كان يفترض المحافظة عليها وصونها كما هو الحال في متاحف العالم كله التي تحترم قادتها وعظمائها.

ما جرى اثار سخط وغضب العديد من النشطاء والشخصيات من محبو الشهيد من مختلف المشارب الوطنية بالإضافة الى ثورة الاستياء العارمة التي قاد شعلتها أعضاء تيار الوصفيون الجدد وشيوخ وابناء عشيرة التل الذين استهجنوا وفجعوا بما حصل من تجاوزات مؤلمة وطالبوا أمانة عمان الكبرى المسؤولة عن إدارة المتحف بإجراء تحقيق عاجل ومحاسبة الشخوص والجهات التي سمحت القيام بهذه المهزلة العبثية.

وقد حذر العديد من رجالات الاردن من رفاق الشهيد واحبائه واهله وبصوت مرتفع ان أي مساس بالمتحف أو بموجودات البيت أو أي تجاوز لا أخلاقي يمكن أن يحدث داخله كما حصل من ذي قبل سيكون هناك ردود أفعال لا تحمد عقباها وسيتم تحميل الأمانة المسؤولية كاملة عن تصرفات بعض المدراء الذين يعتقدون بأن البيت ليس له من يخاف عليه أو يحميه أو يضحي من أجله.

ويجب ان يعلم الجميع وفي مقدمتهم القائمون على إدارة متحف الشهيد بانه يمثل بيت الشعب ومرقد شهيد الأمة وأحد أهم رموزها على الإطلاق الذي ساهم في بناء الوطن وضحى من أجل رفعة وهيبة وكرامة الأردن ولهذا علينا جميعاً أن نحميه كما نحمي بيوتنا وكرامتنا ونطالب الأمانة بوقف أية تجاوزات تخصل فيه مهما كانت كبيرة او صغيرة.

في عام 2014 وبالتزامن مع تشكيل حكومة دولة الشهيد وصفي التل الاولى (28 كانون الثاني 1962 ) تم افتتاح متحف الشهيد وصفي وسعدية التل بحضور عدد من رؤساء الوزارات والوزراء وجمع من المواطنين حيث نقلت مسؤولية المتحف إلى امانة عمان الكبرى بدلا من وزارة الثقافة لغايات زيادة الاهتمام بالدارة وما تمثله من رمز للأردنيين في فترة تاريخية مهمة من مسيرة الأردن وتطور الدولة بمختلف نواحي الحياة لأكثر من نصف قرن.

كما تم تشكيل لجنةِ وقفيةِ مستقلة من الاعضاء الدكتور سفيان التل والدكتور محمد خلف التل والمهندس محمود أبو غنيمة ومن قبلهم المرحوم الدكتور صفوان التل قبلَ وفاته للمشاركة في الاشراف على الموقع وإتاحتهِ لجمهورِ المواطنين والزوّار على مدار العام للاطلاعِ على مرافقهِ ومحتوياتِه بالشكلِ الأمثل والصورةِ الأبهى.

بحسب التعليمات والقوانين امانة عمان لا تملك الدارة وليس لها مطلق الحرية في استخداماتها خارج غاياتها مقابل رعايتها كمبادرة ملكية باعتبارها بيتا لكل الأردنيين وضريحا لشهيدهم وأن كل ما يمكن ان يفعله الامين في حال طلب منه الموافقة على القيام باي نشاط او عمل ما هو الطلب من الجهة المعنية بإدارة البيت ابداء الرأي وتقديم المشورة.


المصيبة اننا نتحدث هنا عن امر يتعلق ببيت وصفي التل البطل الفارس الرمز الذي نرفع به الهامات والمغروس في وجدان كل أردني حر كواحد من اهم رجالات الوطن الذي رسم طريق الرجولة والوطنية والعمل الصادق بكل امانة وانتماء ودون أن يسجل في تاريخه الوطني اي ممارسات ضد الوطن او استثماره الوظيفة العامة وسيلة للتكسب والثراء الغير مبرر او استغلال واستباحة المال العام.

يتذكر الجميع انه في وقت علا فيه صوت الرصاص والبندقية وسادت الفوضى والاستقواء على الدولة وقف وصفي التل كالسنديانة يقول بكل بصراحة وشموخ ( ان الذين يعتقدون أن هذا البلد قد انتهى واهمون والذين يعتقدون وأن هذا البلد بلا عزوة واهمون وكذلك الذين يتصرفون بما يخص هذا البلد كأنه ( جورعة ) مال داشر واهمون والذين يتصرفون كالفئران الخائفة على سفينة في بحر هائج سيغرقون هم كما تغرق الفئران وستبقى السفينة تمخر العباب إلى شاطئ السلامة ).

الإشكالية في وجود المتحف بيد امانة عمان تكمت بانها ليس لديها أي خطة عمل مجربة أو رؤيا كافية لإدارته بشكل صحيح وعصري ومتطور فقد كان البيت قبل أن تستلمه وزارة الثقافة في عهدة الأمانة حيث تحول وقتها الى مثل باقي البيوت التي تديرها الأمانة وفقا لغايات واهداف غير الغايات الأساسية التي وجدت من اجلها ولكن بيت الشهيد وصفي مختلف فهو ليس مجرد حديقة ونافورة وسيارة وأثاث إنه ( قصة حياة أردنية ) وتاريخ رجل ظاهرة فريدة ومتميزة تحتاج إلى أن تستثمر في بناء ثقافة وطنية عروبية ناضجة كالتي كان يتمتع بها ودفع دمه من أجل الوفاء لها.

متحف الشهيد وصفي التل المحارب القومي العربي الاصيل والوطني الاردني المخلص الذي ضحى بنفسه من اجل وطنه وشعبه يضم جميع اغراضه ومقتنياته وحاجيات اسرته يقع في وسط غابة كثيفة من اشجار البلوط والزعرور واللزاب البري حيث ينتصب المبنى وفق تصميم معماري يمزج بين الحداثة والقدم أصبح على مر الأيام اهم موروث تاريخي ينبغي المحافظة عليه للأجيال المتعاقبة لتعرف وصفي وتاريخه وتضحياته وهو ايضا مدرسة وطنية عليا يمكن أن يتعلم زوارها من طلبة المدارس والجامعات والمؤسسات العامة والخاصة والمواطنين أعمق دروس الوطنية الصادقة والمواطنة الحقة والانتماء الاثيري والولاء المطلق لثرى الوطن الطهور.

المطلوب من امانة عمان الكبرى ممثلة بأمينها بعد الذي حصل ولمنع تكراره اسدال مهمة ادارة بيت وضريح الشهيد وصفي التل لموظفين من اصحاب الكفاءة والمسؤولية وتقييد صلاحياتهم واجراءاتهم المطلقة وتوجيههم الى تفعيل هذا المرفق الوطني والترويج له وتشغيله وتهيئته كمركز ثقافي ومتحفي وطني واعداده بشكل جيد لاستقبال الفعاليات والوفود الثقافية والوطنية وسائر الزوار والسياح الذين يرغبون بالاطلاع على تاريخ الاردن ورجالاته من خلال هذه الدارة وتخصيص ادلاء لتقديم الشروحات التوثيقية والتفصيلية حول تاريخ المكان وصاحبه وبما يليق باسم الشهيد الراحل خاصة وان السياحة الثقافية هي من اهم المداخل التي نعتمد عليها في ترويج المنتج السياحي الاردني.

كذلك لابد من توجيه المدراء والموظفين المشرفين على بيت الشهيد وصقي وتحت طائلة المسؤولية بضرورة المحافظة على موجوداته القيمة والقطع الأثرية النادرة التي لا تقدر بثمن إضافة الى متعلقات وصفي الشخصية التي كان يستخدمها مثل الأسلحة المرخصة وأجهزة الإذاعة والكتب والمؤلفات القيمة والتحف والزجاجيات وسيارة الجاغوار وأشياء كثيرة جداً تدخل في أرشيف البيت قدرها الخبراء بملايين الدنانير وغني عن القول ان اي عمليات صيانة او ترميم للمكان يجب ان تتم دون المساس بالنمط المعماري للدارة وسائر مرافقها ومواقع مقتنياتها.

للأمانة والتاريخ ان دارة الشهيد التل من أهم المشروعات الوطنية الواجب حمايتها بغية ديمومة وجودها شاهداً حياً على تاريخ الأردن وحضارته وإنجازاته باعتبارها إرثا حضاريا وثقافيا تعبر عن إيقاع الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي في فترة من تاريخ الأردن الحديث.

في المحصلة سيبقى الأردن بحول من الله ثم بصمود وكبرياء شعبة قويا منيعا عزيزا ما دامت روح وصفي والرجال الاشاوس من ابناء الوطن وتلاميذه النجباء يحملون في ضمائرهم الوفاء والخوف على الوطن وترابه لكي يبقى وصفي التل من خلال دارته حيا بيننا حيث استشهد عندما كان للموت هيبة وكان النعش بحجم الوطن يوم بكته الرجال دما وهم يهتفون عاش شهيد الوطن حينما كانت الشهادة وفاء للوطن وانتماء للأمة حيث توقف الزمن في حضرتها هيبة وصمتا وخشوع.

سلام على روحِك الطَّاهرةِ ابى مصطفى وعلى دمِك الزكي أيها الأردني العربي الجليل الذي كلما استيقظَ أورق الشفق واحمر الندى سلام عليك يا بيدر إربد ويا رسم الوطنِ واسمَهُ البهي يامن كنت تشبه قمحنا وسهول حوران التي بيننا وجبال شيحان التي تمثلنا يوم لم تكن لك بوصلة خارجية وانت تتحدث عن قناعة بعزة هذا الشعب العظيم وحكمة قيادته وفي قلبك إيمانا راسخا بمستقبل نظامه ووفاء اهله ونهضة دولته وتماسك جبهته الداخلية في مواجهة التحديات والصعاب مهما تكالبت وعظمت.

أخيرا لنعمل جميعا بأمانة وصدق ومسؤولية لتبقى ذكرى وصفي الشهيد الانسان رجل الدولة والوطن عابقة في سفر تاريخنا المجيد ومستذكرة في وعي ووجدان اجيالا كثيرة سمعت به واحبته ولم تراه.

mahdimu.barak@gmail.com