قطاع العدالة ورؤية التحديث الاقتصادي.. لأن الأول هو الضامن لتحقيق الثانية!
أخبار البلد ــ عقد منتدى دعم قطاع العدالة والذي يعمل تحت مظلة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ودرة المنال وضمن إطار مشروع "تعزيز الثقة في قطاع العدالة من خلال الحوار المجتمعي" والذي تنفذه المنظمة بالشراكة مع السفارة الفرنسية، جلسة تخطيط استراتيجي ناقشت "قطاع العدالة ورؤية التحديث الاقتصادي" يوم الأربعاء 6/7/2022، ناقشت الرؤية المنبثقة عن مخرجات ورشة العمل الاقتصادية الوطنية التي عقدت في الديوان الملكي بموازاة مبادرة تحديث الإدارة العامة التي أطلقها مكتب رئيس الوزراء، وتحدث في الجلسة كل من الدكتورة سوسن المجالي (مستشارة رئيسة/درة المنال للتنمية والتدريب)، الدكتور رعد التل (خبير اقتصادي وعضو هيئة تدريس بكلية الاقتصاد بالجامعة الأردنية)، والمحامي رامي قويدر (مستشار قانوني في منظمة النهضة(أرض).
وفي الحديث عن الهدف من هذه الجلسة، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة (أرض) سمر محارب أنها تأتي بغرض التحليل والتفكر بمخرجات رؤية التحديث الاقتصادي، والانتباه للمتطلبات التشريعية والقانونية لتقييم أثرها على قطاع العدالة والاستقرار التشريعي المنشود بهذا القطاع الحيوي الذي يتقاطع مع مختلف القطاعات التي تعنى بالمجتمع ورفاهه من حيث سبل العيش والتقدم بمخرجات التنمية الإنسانية"، وهذا ما تم سابقاً مع مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية، فكل من هذه المخرجات لها تشريعات ومشاريع قوانين تحتاج مراجعتها والعمل عليها، مؤكدة أن أي مبادرة إصلاحية ينبغي أن توائم السياق الأمني والسياسي والفكري والمجتمعي، فكل المجالات ترتبط ببعضها ويلزمها عمل جماعي على جميع الأصعدة.
مستعرضة فكرة تأسيس منتدى دعم قطاع العدالة والغرض منه، قالت الدكتورة سوسن المجالي أن المنتدى تأسس عام 2017 استجابة لرؤية ملكية تسعى لتحديث القطاع القضائي، بهدف تثقيف الناس بحيثيات قطاع العدالة من جهة، ومعرفة الفجوات بين فهم العامة لهذه الإصلاحات وأهميتها بالنسبة لهم، ونشر المعرفة حول مرافق قطاع العدالة، وأخذ التغذية الراجعة منهم عند تعاملهم مع هذا القطاع للعمل على الإصلاحات من وجهة نظر الجمهور المتلقي ونقلها لصانع القرار. وهذا ما حصل بتقارير الرضا والانطباع الذي تعده منظمة النهضة مع درة المنال بشكل دوري وصدر مرتين للآن، وذلك من خلال منتدى يجمع بين المعنيين بقطاع العدالة والفئات المتأثرة منه ويقوم فيه حوار حول هذه الملاحظات المتنوعة مما يعزز فرص كسب التأييد وزيادة الوعي بقطاع العدالة.
وتعليقاً على رؤية التحديث الاقتصادي والمبادرات الملكية، أكدت المجالي ضرورة تحديث القطاع العام إذا أردنا أن نلمس نتائج إيجابية لهذه الرؤى والمبادرات وهذا ما دفع رئيس الوزراء لتشكيل لجنة لتحديث القطاع العام، فالتحديث الاقتصادي سيبقى مبتوراً ما لم يقترن بتحديث القطاع العام.
"وجود رؤية اقتصادية مهما كانت أفضل من عدم وجودها، كما أننا نتحدث اليوم عن رؤية اقتصادية للدولة وليست للحكومات، بمعنى أنها ستنفذ بغض النظر عن بقاء حكومة ورحيل أخرى"، بهذه الكلمات بدأ الدكتور رعد التل حديثه عن رؤية التحديث الاقتصادي، مؤكداً أن الحاجة إليها أتت وسط غياب خارطة اقتصادية حقيقية ودائمة تكون عابرة للحكومات.
أما بخصوص أبرز المشاكل التي دفعت باتجاه الرؤية الاقتصادية، أوضح التل أنها تتمثل بالبطالة التي وصلت نسبتها الى 50% بين الشباب (18-24 سنة) وهي نسبة غير مسبوقة في ظل ضعف النمو الاقتصادي وعجزه عن الموازنة بين العرض والطلب في سوق العمل، كما أن البيئة الاقتصادية الأردنية تعاني من تحديات مختلفة تحد من قدرتها التنافسية مما يجعل الأردن خياراً غير مفضل بالنسبة للمستثمرين، إضافة إلى وجود تحديات كبيرة في إدارة واستثمار المال العام والمساعدات الخارجية، فضلاً عن العبء الضريبي والتشوه الحاصل فيه، وأخيراً مشكلة الأمن الغذائي الذي تعاظمت في ظل جائحة كورونا، حيث كان الحمل الأكبر على القطاع الزراعي أثناء الجائحة.
فيما أكد التل أن للرؤية الاقتصادية مجموعة من المميزات أهمها؛ أنها تحظى برقابة وضمانة ملكية، وأنها مربوطة بمستويات التشغيل وفرص العمل التي تخلقها القطاعات الاقتصادية ذات الميزة التنافسية والتي تستطيع إحداث الفارق في النمو الاقتصادي وعلى رأسها الصناعة، فتحفيز النمو الاقتصادي ليصل إلى معدل نمو 4 % سيؤدي لتوفير نحو 800 ألف فرصة عمل خلال عشر سنوات، وبالتالي ليس من الصعب رفعه إلى نسبة 5% ليحقق مليون فرصة عمل خلال 10 سنوات، كما أن الرؤية واقعية بالطرح من حيث تقدير النمو الاقتصادي في كل قطاع أو على صعيد فرص العمل الممكن توفيرها، فضلاً عن أن القطاع الخاص كان شريكاً حقيقياً فيها وليس مجرد "ضيف شرف" كما كان في المحاولات السابقة.
أما عن أول إصلاح تشريعي مرتبط بالرؤية ومتطلباتها، فعبر الدكتور رعد عن خيبة أمله للتسرع بنسخة مشروع قانون الاستثمار الجديد الذي سيطرح على مجلس النواب في جلسته الاستثنائية القادمة، فهو بالبداية لم يأخذ بتوجهات الرؤية ولم يعالج البيروقراطية التشريعية التي تحد من هدفه وهي تشجيع المستثمر الأجنبي ليأتي للأردن ويدعم الريادة والابتكار ويوفر فرص عمل مع ضمان نجاح استثماره وتحقق أرباحه.
إذ يتفق الدكتور رعد بضرورة المراجعة التشريعية والتخفيف منها لتنجح الرؤية بعيداً عن التعقيدات المتعارف عليها حالياً في وجه المستثمرين، ففي هذا القانون مثلاً كان يتوقع وجود قانون سيكون كافي ليكون ناظم لكل تعاملات المستثمرين بمرجع قانوني واحد، لكن للأسف القانون أشار بالرجوع ل 23 نظام وأربعة تعليمات وعدة لجان تتداخل في صلاحياتها واختصاصاتها وهذا برأيه سيعمل على عرقلة الاستثمار وإضاعة الفرصة المنشودة.
وقال قويدر إن تحقيق ما ورد في رؤية التحديث الاقتصادي يحتاج استراتيجيات مستدامة لتحقيقه سواء على المستوى التشريعي أو على مستوى قطاع العدالة، مقدماً مجموعة من التوصيات بعد دراسة ما جاء في الرؤية وهي : ربط رؤى التحديث الاقتصادي بقطاع العدالة وما له من أثر وترابط بينهما، وعمل مراجعة شاملة لكافة منظومة العدالة حتى تتواءم مع كافة المحركات التي تبنتها رؤية التحديث الاقتصادي ووضع خطة زمنية وخارطة تنفيذ لهذه لمراجعة، إضافة إلى ضرورة مراجعة التشريعات ذات الارتباط المباشر وغير المباشر بالاقتصاد وفرص العمل والاستثمار وفرص التمويل، وأخيراً اعتبار تعديل التشريعات الركيزة الثالثة للرؤية بعد ركيزتي النمو المتسارع من خلال إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية، والارتقاء بنوعية الحياة لجميع المواطنين، لما لتعديل التشريعات من أهمية وأثر في ضمان التنفيذ الصحيح للرؤية الاقتصادية بكافة جوانبها ومحركاتها وأساسياتها وعناصرها.
وأكد الحاضرون على ضرورة مراجعة بعض القوانين والتشريعات المتعلقة بالاقتصاد مثل قانون الاستثمار والصناعات التنموية والمناطق الحرة وقانون العمل، وتفصيلها حتى تكون واضحة للجميع، وربط الرؤية الاقتصادية بقطاع العدالة بمفهومه الشمولي باعتباره الضامن الأساسي لتنفيذها، فالبيئة التشريعية الآمنة هي أداة القياس لأي مستثمر، فلا استثمار بدون حماية، ولا استثمار بدون تشريعات عصرية وواضحة وسلسة و لا تتغير بين الحين والآخر، وضرورة وجود خدمات قانونية مناسبة للجميع وخاصة للقطاع العمالي من خلال قانون عمل قوي يحفظ حقوقه.
وأجمعوا على ضرورة التركيز على الحماية الاجتماعية وبناء الإنسان بموازاة الاهتمام بالبنية التحتية والاقتصادية، وضرورة رفع مستويات الدخل للأفراد والاهتمام بالفئات المهمشة التي لم تكن لتصبح كذلك لولا تأثرها بالقوانين الاقتصادية، فضلاً عن ضرورة إدارة موارد الدولة بالطريقة الصحيحة، والتخطيط السليم، والتعامل مع الملفات الاقتصادية والضرائب بشكل اقتصادي وليس بشكل محاسبي.