هل يعود ترامب رئيسًا عام 2024 ؟
أخبار البلد ــ في انتخابات عام 2016 وصل دونالد ترامب الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة للبيت الأبيض بسبب انقسام أمريكا وتزايد الغضب بين الملايين وقد حقق انتصاره بالاعتماد على طريقة حساب أصوات المجمع الانتخابي حيث فاز بأصوات 304 من المندوبين مقابل 227 مندوبا لمنافسته هيلارى كلينتون وهو ما ضمن له الانتصار على الرغم من تصويت 48.2% من الناخبين أو 65.9 مليون ناخب لهيلاري كلينتون في حين لم يحقق ترامب إلا 46.1% من الأصوات أو 64 مليون ناخب.
حيث نجح ترامب آنذاك في إحداث ثورة داخلية بكل المعايير السياسية الأمريكية بإثارة حماس ملايين المواطنين ودفعهم للمشاركة السياسية بصورة غير مسبوقة ولهذا ليس من المتوقع أن تنتهي الظاهرة الترامبية حتى بعد هزيمته وخروجه من البيت الأبيض بعد 4 سنوات حيث ترك أمريكا أكثر انقساما وغضب.
الرئيس الأمريكي السابق ترامب ابدى رغبته فى العودة للبيت الأبيض وعزمه خوض انتخابات عام 2024 وأكد أن السبب الوحيد الذى قد يحول دون خوضه السباق الرئاسي هو ( مكالمة سيئة من طبيبه أو شيء من هذا القبيل فقط قد يمنعه من ذلك ) سيما وان القوانين الأمريكية لا تمنع رئيس سابق لفترة واحدة من خوض السباق الرئاسي مرة أخرى وقد حدث ذلك مع الرئيس السابق غروڤر كليفلاند فى نهايات القرن التاسع عشر.
الذي فاز في انتخابات عام 1884 وحكم حتى بداية عام 1889 وكان الرئيس الـ22 للولايات المتحدة ثم هزم فى الانتخابات التى جرت فى نهاية 1888 وغادر البيت الأبيض ثم عاد وفاز في انتخابات عام 1892 لينصب الرئيس 24 للولايات المتحدة الامريكية.
عودة ترامب من جديد للبيت الابيض تتوقف على ثلاثة توقعات توحى كلها بفوزه وعودته في حين يبقى هناك عامل غامض لم تتضح أبعاده بعد يتعلق بالقضايا المرفوعة ضده ونتائج الاحكام المتوقعة فيها وتأثيرها على حقه في الترشح للانتخابات القادمة.
الجانب الأول يتعلق برغبة ترامب الشخصية في المنصب من جديد وربما لغايات الانتقام لهزيمته في الانتخابات الأخيرة حيث أثارت زيارة ترامب الأخيرة إلى ولاية آيوا وتحدثه أمام جمع متحمس من مؤيديه لما يقرب من الساعتين هاجم خلاله كل مواقف الرئيس الحالي جو بايدن واتهمه بأنه يقود البلاد إلى الهاوية وقد عاد وأكد إنكار هزيمته فى الانتخابات السابقة هذه الزيارة أعطت مزيد من التكهنات المتعلقة باستعداد ترامب لخوض معركة الانتخابات الرئاسية القادمة من أجل العودة إلى البيت الأبيض عام 2024.
من المهم هنا ملاحظة ان ( ولاية ايوا ) ذات مكانة هامة وخاصة كونها مقر الانتخابات التمهيدية للحزبين في السباق الرئاسي الفوز بها يمنح المرشح دفعة قوية للحصول على بطاقة الحزب للترشيح للرئاسة.
ثانى العوامل المحتملة لعودة ترامب ترتبط بغياب أي منافسة جادة أو وجود تحديات كبيرة أمامه بين الجمهوريين الطامحين لخوض انتخابات عام 2024 حيث لا توجد أي قيادة جمهورية تقترب شعبيتها من شعبيته رغم دوره في اقتحام مبنى الكابيتول وحظره على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب تحريض أنصاره على اقتحام الكابيتول إضافة الى ذلك لا يملك أي من الجمهوريين ممن لهم طموحات رئاسية الشجاعة حتى الان لإعلان رغبتهم في خوض الانتخابات القادمة.
ولا زالوا ينتظرون موقف ترامب من دخول المنافسة كما ويشيرون بفخر إلى سياسات أمريكا أولا التي روج لها ترامب فى أجندة عمله السياسي بالرغم من خروجه من البيت الأبيض ويكررون أن هناك أكثر من 74 مليون ناخب جمهوري قد صوتوا له.
وفي هذا الخصوص عبر مؤخرا كل من وزير الخارجية السابق مايك بومبيو وحاكم ولاية فلوريدا رون دى سانتوس وسفيرة أمريكا السابقة لدى الأمم المتحدة نيكى هيلى ومايك بنس النائب السابق للرئيس ترامب عن نيتهم خوض الانتخابات إذا لم يترشح لها ترامب الذي كان يحكم كملك لا يعترض عليه ولا يراجعه أحد بوصفه رئيس وموظف حكومي محدد الصلاحيات بموجب دستور وتقاليد راسخة يقدسها الأمريكيون كما يقدس أصحاب الديانات السماوية كتبهم المقدسة إلا أن ترامب كان رئيس مختلف فهو لم يقرأ الدستور ويبدو أنه لم يفهم طبيعة مواده في ( بداية تأسيس الولايات المتحدة كان هناك خيارين بين رئيس جمهورية وملك واختار الآباء المؤسسون رئيسا للجمهورية ).
في الواقع العملي حتى اليوم لا ينافس أي جمهوري آخر ترامب فى حجم شعبيته الطاغية بين أوساط الناخبين الجمهوريين رغم محاولاته الحثيثة وفريقه الخاص استخدام القضاء لتغيير نتيجة انتخابات عام 2020 وبعد فشل 62 قضية رفعها للتشكيك في مصداقية الانتخابات بأنه جرى تزويرها حيث يؤمن 70% من الناخبين الجمهوريين أن الانتخابات جرى تزويرها لإلحاق الهزيمة بترامب الذي يؤكد مرارا عدم وجود نية عنده للانفصال عن الجمهوريين أو تأسيس حزب سيأسى جديد كما توقع بعض المعلقين والمراقبين ولا زال يصف احزبه الجمهوري بالقوي والموحد.
ثالث الاسباب الدافعة لعودة ترامب تتعلق بالتراجع الواسع في شعبية الرئيس بايدن ووصول نسبة الرضا عن سياساته إلى ما دون 50% وهو معدل شديدة السوء لرئيس خلال مدة عامه الأول في البيت الأبيض وقد ساهمت مواقف بايدن وإدارته لأزمة تفشى وانتشار وباء كوفيد -19 والسياسات الاقتصادية وفوضى الانسحاب من أفغانستان إضافة لسياسة التعاطي مع المهاجرين والمهاجرات على الحدود الجنوبية في انخفاض شعبيته.
إضافة الى كل ذلك لا يمتلك الحزب الديمقراطي أي مرشحين من العيار الثقيل ومع ارتفاع عمر الرئيس بايدن الذي سيتخطى الثمانين عند حلول الانتخابات القادمة وعدم جاذبية نائبته كامالا هاريس وتواريها المستمر عن الأنظار سيشهد الديمقراطيون معركة تكسير عظام على بطاقة الحزب للانتخابات القادمة سوف يستفيد منها بصورة غير مباشرة دونالد ترامب في المقابل سيبلغ ترامب من العمر 78 عاما عند حلول موعد الانتخابات القادمة وقد يصبح عمره وصحته عاملين مهمين يساهمان في حسم قراراته للترشح.
هذا المشهد بتفاصيله الدقيقة لا يعنى مطلقا غياب المعارضة من أمام ترامب فبعض القيادات التقليدية فى الحزب الجمهوري تنشط فى حملات لجمع الأموال للوقوف بوجهه حيث دعم أعضاء في الكونغرس ممن يتربص بهم ترامب محاولة محاكمته وعزله لمسؤوليته عن عملية اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول ومن هؤلاء جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق لترامب.
لم يعترف ترامب يوما بالهزيمة في أي شيء في حياته الخاصة والعامة سواء في إفلاسه التسعينيات أو الأخطاء العديدة التي ارتكبها في مجال اعماله التجارية والاستثمارية او في الانتخابات الرئاسية السابقة التي صوت فيها أكثر من 81 مليون شخص لصالح بايدن مقارنة بأكثر من 74 مليون شخص لترامب وفاز بايدن بـ 306 من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 232 صوتا لترامب ومع ذلك لم يعترف بهزيمته.
ترامب لا زال يمثل شهادة ميلاد جديدة للحزب الجمهوري في مرحلة انتقالية صعبة وحساسة وان خروجه من البيت الأبيض لم يسفر عن اندثار التيار الفكري الذي تبناه وتسيده خلال سنوات حكمه الأربع حيث نجح فى تحصين نفسه دون اي حساب وإثارة الكثير من الجدل والحماس الجماهيري فى ظل شعبوية يمينية متصاعدة حول العالم وداخل امريكا.
لهذا ووفقا لكل المعطيات السالفة الذكر علينا في جميع الأحوال ألا نستبعد عودته المحتملة مرة ثانية للبيت الأبيض وهو يلوح اليوم عاليا بشعارات إنقاذ أمريكا وان الاقتصاد الأميركي في خطر الانهيار وان الانتخابات السابقة كانت مزورة وتمت سرقتها وان الإدارة الحالية تدمر البلاد وان ارتباك الرئيس جو بايدن ( أرنب عيد الفصح ) سيقودنا إلى الجحيم.
ختاماً على الرغم من أن الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب لم يعلن رسمياً حتى الان عن ترشحه للانتخابات الرئاسية خلال عام 2024 وأن استطلاعات الرأي لا تزال تؤكد دعم الجمهور الأمريكي له فضلاً عن إمكانية كسبه المزيد من الأصوات النسائية من الطبقة العاملة لكن واقع الأمر يؤكد أنه محاصر بالخصوم والاعداء وانه سيجابه بتحالفات متعددة تعمل ضد ترشحه من بين الجمهوريين الذين خدموا معه سابقاً والذين يرون أنه أضر بسمعة الحزب الجمهوري وأذكى نار الخلافات داخل الولايات المتحدة وشوه سمعتها على المستوى العالمي.
mahdimu.barak@gmail.com