صندوق لإبراء الذمة في الأردن!

كنت قبل أيام في زيارة ممتعة لدائرة المفتي العام، حيث استمتعت بلقاء سماحة المفتي العام الشيخ عبد الكريم الخصاونة، وكان من جملة القضايا التي أتحفني بها سماحته، سؤال كثر ترداده على ألسنة الناس، يتعلق بمن أخذ مالا من دائرة حكومية ورغب في إعادته دون أن يتعرض لمساءلة أو إشكالات، وهو أمر يتعلق برغبة البعض بتبرئة ذممهم، وبعضهم يقترح أن يصرف مثل ما أخذ في أحد أبواب الخير، إلا أن إبراء الذمة هنا لا يتم إلا بإعادة المال من صاحب الشأن، فمن أخذ مالا من الحكومة عليه أن يرد لها ما أخذ، وليس له أن يصرفه في باب آخر تبرئة لذمته، وهو أمر معقد حسب الأنظمة والقوانين المعمول بها، فليس بوسع أي دائرة حكومية أخذ أو صرف أي مال إلا وفق مستند يصدر بموجب قانون أو نظام، ما يعني أنه يتعذر على من سرق دينارا من الحكومة إلا أن يعترف بالسرقة كي يتمكن من إعادته، وبالتالي يتعرض من يريد أن يبرىء ذمته لفصل طويل من «البهدلة» .. الاقتراح هنا، كما ساقه سماحة المفتي إنشاء صندوق لإبراء الذمة، على غرار ما هو معمول به في بلاد الحرمين..

وقد علمت أن إنشاء صندوق إبراء الذمة، الصادر بأمر ملكي في يونيو 2005، جاء ترجمة لتأكيد أن التوبة يجب أن يبادر بها كل من تسلم أموالا من الدولة بغير وجه حق، أو لديه شكوك في صحتها. وقد فتح الصندوق أبوابه، عبر الحسابات في البنوك، على أمل أن يسارع الجميع لإبراء الذمة، وقبلها التوبة من الفساد المالي الذي وقع فيه بشكل أو بآخر. إلى ذلك، يقبل الصندوق الراغبين في إيداع صدقاتهم فيه، حيث يقوم البنك السعودي للتسليف والادخار باستخدامها لمساعدة المواطنين من ذوي الدخول المنخفضة، وفي القروض الاجتماعية، وقروض الزواج، والأسرة ، وترميم المنازل والمشاريع الصغيرة والناشئة، والقروض المهنية و الحرفية و سيارات الأجرة والنقل المدرسي ومساعدة الأسر التي تواجه ظروفا مالية صعبة في التغلب عليها على هيئة قروض بدون فوائد..

وفي غضون أقل من شهر على بداية إنشاء الصندوق، ورد في حساب إبراء الذمة، مبلغ قدره 52.8 مليون ريال أودعها 125 فردا تراوحت مبالغ إيداعاتهم بين 20 مليون ريال وخمسمئة ريال، قبل أن يرتفع المبلغ ليصل إلى نحو 181 مليون ريال بنهاية 2010، ما يعني أن الصندوق لم يتلق في خمسة أعوام، سوى 130 مليون ريال.

من الواضح هنا أن ثمة تراجعا شبه واضح في الأموال المودعة في الحساب، والتي تتم بشكل سري للغاية دون الكشف عن هوية المودع، أو التطرق لماهية المبالغ المودعة، ولكن هذا الأمر لا يدعو للتشاؤم، بل ربما هو متعلق بمسائل أخرى، قد تعبر عنها جملة من الأسئلة، من مثل: هل الكل أبرأ ذمته، أم أن الخوف لا يزال سيد الموقف، أم أن الدعوة للتوبة باتت رهينة بالضمير الغائب، والذي لا يمكن أن يحضر في يوم ما؟ 

طبعا من المسلم به أن العقوبة هي الباب الفعلي لاستعادة المبالغ المنهوبة، ما دام الجميع يشكو من فساد واضح في الكثير من المجالات، إلا أن هذا الأمر لا يمنع إنشاء مثل هذا الصندوق لعل فيه بعض الخير، فلنجرب ولننتظر!