الشعب يريد تحرير فلسطين
هذا واحد من الهتافات التي خرجت من حناجر التونسيين لدى زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب إسماعيل هنية للجمهورية التونسية بعد أن استقر الوضع فيها بفضل الله باختيار المنصف المرزوقي رئيسا للجمهورية وحماد الجبالي رئيسا للحكومة التي ضمت توليفة من الوزراء تمثل مختلف الشرائح التونسية بعد عرس ديمقراطي لم يشهد الوطن العربي له مثيلا من حيث النزاهة والعدالة والإقبال الجماهيري. حكومة تونس عقدت العزم على حل المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبيرة والشائكة التي خلّفها نظام زين العابدين بن علي وراءه بعد أن فرّ وزوجته بما خفّ حمله وغلا ثمنه إلى المملكة العربية السعودية، تاركا خلفه بلدا منهكا، وشعبا يعاني من الظلم والاستبداد والقهر والفقر والحرمان والبطالة والكبت ومصادرة الحقوق والحريات.
لم يكن الاستقبال الرسمي والشعبي الذي حظي به إسماعيل هنية لشخصه فقط، وإنما أساساً للقضية التي يمثلها وللشعب العربي الفلسطيني الذي ابتُلي بعدو صهيوني غاصب مجرم، لا يرقُب فينا إلاً ولا ذمة، ينتهك الحرمات والمقدسات، ويتحكم في مصائر الشعوب العربية ويمتص دماءهم من خلال بعض الحكام الذين تربعوا لعقود طويلة على كرسي الحكم، مهمتهم الأساسية التآمر على القضية العربية المركزية وقتل المشاعر القومية والدينية في نفوس المواطنين العرب وإشغالهم عن قضايا الأمة بالبحث عن لقمة العيش ومتطلبات حياتهم اليومية، وتسخير خيرات بلادهم وإمكاناتها وسياساتها وإعلامها لتدجين الشعب وتوجيه بوصلته في أي اتجاه إلا في اتجاه فلسطين، وهذا في الأصل هو مبرر وجودهم على كراسي الحكم.
عرب أفريقيا، شأنهم في ذلك شأن باقي الأمة العربية، يتمتعون بحس قومي عالي الوتيرة، تحركهم دائما الهموم العربية والإسلامية، ويدفعهم انتماؤهم العروبي والإسلامي لتقديم الغالي والنفيس لنصرة أشقائهم في أي بقعة من الوطن العربي، وما الاستقبال الشعبي الحافل بالمشاعر الأخوية الفياضة والهتافات الوطنية والقومية والإسلامية للمناضل إسماعيل هنية إلا دليل على أصالتهم وشهامتهم وصدق انتمائهم لأمتهم العربية وقضاياها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي عملت بعض الأنظمة العربية على طمسها، بل والتآمر عليها لصالح العدو الصهيوني، وما حصار غزة من قِبل نظام مبارك الهالك إلا دليل على انصياع مثل هذه الأنظمة للأوامر والتعليمات والتوجيهات الصهيونية الأمريكية.
لقد كانت تونس الشرارة التي انطلقت منها الثورات العربية التي أطاحت حتى الآن بأربعة رؤوس كبيرة تشبثت بكرسي الحكم سنين عددا حتى جاءها الطوفان الشعبي الغاضب فتطايرت عروشهم، وانتهى بهم المطاف إلى مزبلة التاريخ.
الهتافات التونسية المطالبة بتحرير فلسطين يتردد صداها الآن في أكثر من بلد عربي، فها هي مصر العروبة تسير على الدرب الذي سارت عليه تونس الجديدة، وها هي الرايات الفلسطينية ترفرف في صدور المصريين وأفئدتهم، وها هي ليبيا، بعد أن تخلصت من حكم العقيد الطاغية، الذي سخّر كل جهوده واستنزف ثورات ليبيا من أجل تخريب مفهوم الوحدة العربية، تعود من جديد لتنضم إلى الصف العربي المناضل من أجل الكرامة والحرية، وها هو اليمن السعيد، يعود سعيدا إن شاء الله، حراً معززاً كريماً ومعطاءً كما كان دائما على مدى التاريخ. ندعو الله أن يوفق الأمة العربية، ويجمع شملها، ويوحد كلمتها، ويحقق لها النصر والعزة والرفعة، إنه سميع مجيب الدعاء.