أهداف زيارة بايدن للمنطقة وتحولات “الجيو بولتيك الأردني”
اخبار البلد-
أكّدت ورقة تقدير موقف جديدة أصدرها معهد السياسة والمجتمع، بالتعاون مع مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية، عشية زيارة الرئيس الأميركي بايدين إلى المنطقة، أنّ الزيارة تعكس إحدى نتائج الحرب الروسية- الأوكرانية التي أعادت تظهير أهمية ملف الطاقة في العالم، وبالتالي أهمية النفط السعودي، ما دفع الرئيس الأميركي لتجاوز الأزمة غير المعلنة بينه وبين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، منذ توليه مقاليد الأمور في البيت الأبيض قبل عامين، وهو الأمر الذي حاول بايدن تبريره في مقالته الأخيرة بالواشنطن بوسط التي يدافع فيها عن زيارته للسعودية.
وبالرغم من أنّ الزيارة ردت الاعتبار للشرق الأوسط إلاّ أنّ المهمة واضحة بالنسبة لبايدن وتتعلق باعتبارات خارجية وداخلية، ولا تتضمن مراجعات جوهرية فيما يتعلق بالمقاربة الأميركية، بخاصة ما يتعلّق في ملف القضية الفلسطينية وحل الدولتين، ولم تقدم الإدارة الأميركية أي مقترحات بخصوص ذلك، ولا تعني الزيارة كذلك تخلي إدارة بايدن عن القناعات التي تشكلت في أوساط الحزب الديمقراطي منذ أعوام، بإعطاء الأولوية والأهمية لكل من آسيا وروسيا وأميركا اللاتينية، بل ترتبط بإزالة التوتر مع السعودية والإمارات وتعزيز عملية التطبيع العربية الإسرائيلية، ولا تعني إنهاء طموح بايدن بتجديد الاتفاق النووي مع إيران.
الأهم كما جاء في ورقة تقدير الموقف، أنّ الإدارة الأميركية لم تراجع خطوات الإدارة السابقة في ملف القدس، والسفارة الأميركية فيها، بل على النقيض من ذلك تتبنى ملف التطبيع العربي- الإسرائيلي، وأعلن الرئيس بايدن في مقالته المذكورة أنّ الهدف هو تعزيز هذا المسار، وهو أمر- كما تؤكّد ورقة العمل- يعكس نجاجحً خطيراً لمشروع جوريد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي ما يزال في المنطقة ويدفع باتجاه تطبيع العلاقات العربية- الإسرائيلية، ويقف هو وراء طرح فكرة الحلف العربي- الإسرائيلي لمواجهة إيران، ما يعني تهميش القضية الفلسطينية، واستئناف مشروع التصفية المستمر منذ عقود.
هنا تحديداً يأتي تقييم المصالح الوطنية الأردنية في ضوء زيارة الرئيس بايدن، فوفقاً للورقة، هنالك مفارقة شديدة تتمثّل بأنّه بالرغم من التقارب الأردني- الأميركي الملحوظ والكبير في الأعوام الماضية، وزيادة التنسيق والتعاون العسكري والأمني والمساعدات الاقتصادية الأميركية، إلاّ أنّ القيمة الاستراتيجية لأهمية الأردن الإقليمية في تراجع مستمر بسبب التهميش الذي يطاول القضية الفلسطينية، وتبدو هنالك أجندة إسرائيلية جديدة ترى الأردن وسياساته بمثابة حجر عثرة في وجه تحالف استراتيجي إسرائيلي- عربي، وهو أمر يجعل من الفلسطينيين الحلقة الأضعف في المشروعات القائمة، ويضعف مساحة وأبعاد الدور والمكانة الجيو استراتيجية التي احتلها الأردن خلال العقود السابقة، ويحمل عواقب استراتيجية متعددة في المرحلة المقبلة.
يذكر أنّ ورقة الموقف هذه تمثل نتائج الجلسة الأولى (بتاريخ 5-7-2022) بعنوان "زيارة بايدن للشرق الأوسط: بناء أفق جديد للتعاون في المنطقة؟” لمشروع مشترك بين معهد السياسة والمجتمع ومؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية، يحمل عنوان "نقطة تحول: كيف للأردن وشركائه السير في عالم متحول”، وسيشهد عقد جلسات متعددة تناقش الملفات الرئيسية وأولويات السياسة الخارجية الأردنية في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية.
وذكر منسق المشروع، علاء عقل، أنّ الجلسة شارك فيها نخبة من السياسيين والخبراء من الأردن وأميركا وأوروبا وفلسطين، وأنّها خضعت لمبدأ Chatham House، وقد تناولت زيارة الرئيس بايدن للمنطقة ومستقبل السياسة الخارجيّة الأميركيّة في الشرق الأوسط والعلاقات الأردنيّة- الأميركيّة ودور الأردن في المنطقة، بالإضافة إلى مناقشة رؤية الدولة الأردنية للدور الأميركي ومدى تلبيته للمصالح الأردنية.
وأشار عقل إلى أنّ أبرز ما جاء في الورقة هو: أهداف زيارة بايدن على الصعيد الإقليمي، ودلالات الاجتماع الذي سيعقد في جدة يوم الجمعة المقبل، بين إدارة بايدن وزعماء الخليج والأردن ومصر، وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج ثم انعكاس التطورات الأخيرة على المصالح الاستراتيجية الأردنية.
زيارة الرئيس بايدن.. مهمة تأبين النفط
تأتي زيارة الرئيس الأميركيّ اليوم إلى المنطقة في سياق فتور ملحوظ بين الولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة منذ مجيء بايدن إلى البيت الأبيض، وعزز من ذلك الحملة الانتخابية لبايدن التي أشارت إلى مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والانتقادات لحرب اليمن، ثم الوصول إلى مرحلة عدم بيع السلاح الهجومي للسعودية، وتسريب وثائق مرتبطة بمقتل خاشقجي تلمح لمسؤولية ولي العهد السعودي.
وعمق من هذا الفتور وصول الإدارة الأميركية إلى قناعة بتضاؤل أهميّة نفط الشرق الأوسط، بخاصة مع ثورة النفط الزيتي في الولايات المتحدة وتحولها إلى دولة مصدرة للنفط.
إلاّ أنّ الحرب الروسية في أوكرانيا بعثرت الأوراق في منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى، وإذا كانت في البداية كشفت أكثر عن الأزمة المتوارية بين السعودية والإمارات والإدارة الأميركية الحالية، فإنّها من الواضح دفعت بالإدارة الأميركية لمراجعة الحسابات، بعد أن اكتشفت الولايات المتحدة أنه لا غنى عن نفط الخليج لما يشكله من كتلة كبيرة في السوق قادرة على رفع الأسعار أو تخفيضها بالإضافة إلى حاجة حلفائها في أوروبا اليوم للنفط العربي، خصوصا مع محاولتهم التخلص من واردات النفط والغار الروسي؛ لذلك يعد الهدف الأول المعلن لزيارة بايدن للسعودية، محاولة إقناع ولي العهد السعودي وزعماء دول الخليج برفع إنتاجهم من النفط، كما قد دق موقف الإمارات التي صوتت مرتين بالحياد في الأمم المتحدة فيما يخص الموقف من الحرب الروسية ناقوس الخطر، فضلاً عن الغزل والتقارب السعودي مع الصين.
السياقات الإقليمية للزيارة
يأتي الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إلى الرياض بفلسفة سياسية واقعية وتناسٍ لملفات حقوق الإنسان والانتقادات المتعلقة بالديمقراطية والحريات العامة في المنطقة بالإضافة إلى اتجاه لطي صفحة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في سبيل احتواء الأضرار التي لحقت بالمصالح الأميركيّة والغربيّة نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من ارتفاع في أسعار الوقود ومصادر الطاقة بالإضافة إلى ارتفاع عام في معدلات التضخم. حيث يسعى الرئيس الأميركيّ لإقناع دول الخليج وعلى رأسها السعوديّة برفع إنتاجها من النفط بهدف تلبية حاجة السوق والسيطرة على الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط منذ انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا.
على الجانب الآخر، يهدف الرئيس الأميركيّ وعلى الرغم من استقالة الحكومة الإسرائيليّة وعدم استقرار السلطة فيها منذ عامين، إلى استئناف عجلة التطبيع العربي- الإسرائيليّ التي ترى إسرائيل أنها ستبقى ناقصة ما لم يحدث تطبيع للعلاقات مع المملكة العربيّة السعوديّة، خصوصا مع استمرار مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قائمًا في المنطقة من خلال جاريد كوشنر الذي حصل مؤخرًا على استثمارات سعودية ضخمة تقدر بملياري دولار في إحدى شركاته.
كما تسعى إسرائيل لإقناع الولايات المتحدة بالعمل على قيادة محادثات متعلقة بتشكيل تحالف عسكريّ في المنطقة في مواجهة إيران، الأمر الذي زاد الحديث عنه في وسائل الإعلام مؤخرًا، ما قد يدل على أن اتجاه الإدارة الديمقراطية اليوم نحو عدم التراجع عن قرارات الإدارة السابقة فيما يتعلق بالقدس والقضية الفلسطينية وإنما الاتجاه نحو تجميد الموقف الأميركي حتى استقرار السلطة في إسرائيل.
الانسحاب الأميركيّ من المنطقة والاتفاق النووي
يمكن للمراقب لتطور الأحداث السياسيّة في الشرق الأوسط منذ قدوم الرئيس بايدن أن يرى بوضوح تراجع الدور الأميركي في الإقليم خلال العامين الأخيرين، مما لا يترك مجالًا للشك فيما يخص الانسحاب الأميركي من المنطقة وأن زيارة الرئيس الأميركي للشرق الأوسط لا تأتي اليوم نتيجة لاهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة وإنما نتيجة لأزمات في مناطق باتت اليوم ذات أهمية قصوى للولايات المتحدة.
وقد ظهرت آثار هذا الانسحاب على المستوى الإقليميّ بوضوح سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالساحة الفلسطينية التي اشتعلت عدة مرات منذ وصول بايدن للبيت الأبيض دون أي تحرك أميركيّ أو تصور لدى الرئيس الأميركي عن استئناف عملية السلام، بالإضافة إلى عدم قيام الولايات المتحدة بلعب أي دور أو القيام بأي تحركات فيما يتعلق بأزمات دول المنطقة من اليمن إلى العراق ولبنان وسوريّة وغيرها من قضايا المنطقة التي اعتادت الولايات المتحدة على لعب دور في إدارة وتوجيه وحل الأزمات بما يخدم مصالحها؛ ما يدل اليوم على أن الولايات المتحدة اليوم لم تعد ترى مصالحًا حقيقية لها في المنطقة.
وقد يدل على هذا اليوم تقلص الفريق المختص بالشرق الأوسط إلى حد كبير، حيث إن النسبة الأكبر من الفريق الاستشاري المحيط ببايدن يتكون من المختصين بقضايا شرق آسيا، وتحديدًا الصين بالإضافة للمختصين بالأوبئة وبالتغير المناخي.
كما أتى الانسحاب الأميركي في أفغانستان ليؤكد على تغيير جذري في السياسة الأميركيّة فيما يتعلق بأولويات الولايات المتحدة في المسرح الدولي، والتي عمقتها الغزو الروسي لأوكرانيا ليتضح جليًّا اليوم أن الشرق الأوسط اليوم لم يعد من أولويّات المتحدة على الإطلاق بل تراجع إلى مرتبة متأخرة خلف شرق آسيا- المحيط الهادي وأوروبا والأميركتين الذين تتجه اليوم الولايات المتحدة لإعطائهم الأولويّة ضمن محاولات الولايات المتحدة احتواء الخطرين الصيني والروسي بالإضافة إلى محاولة احتواء المد الشعبوي والخطاب المعادي للولايات المتحدة بالإضافة لموجات اللجوء والهجرة القادمة من أميركا اللاتينيّة.
على الرغم من ذلك، قد يكون الاتفاق النووي مع إيران هو الاستثناء الوحيد المتعلق بالسياسة الأميركيّة تجاه الشرق الأوسط، حيث يبدو الإصرار واضحًا من قبل الولايات المتحدة للوصول إلى اتفاق نووي مع إيران بالسرعة القصوى والمحاولة مرة تلو الأخرى لاستئناف المفاوضات بعد تعثرها بهدف الوصول إلى حل جذري لقضية الملف النووي الإيراني وغيره من القضايا الخلافية المتعلقة بالتحركات الإيرانية في المنطقة.
وقد رأى المشاركون في الجلسة أن أهمية الاتفاق النووي تكمن في إعطاء المجال للولايات المتحدة لتقليص تواجدها في الشرق الأوسط بشكل أكبر حيث يبقى الملف الإيراني أهم مصادر القلق والتهديد لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
الأردن ومشروع كوشنير وسؤال الدور الإقليمي
بالرغم من أنّ العلاقات الأردنية- الأميركية تعيش اليوم شهر عسل، مع رحيل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وما كانت تقوم به من ضغوط شديدة على الأردن، وما تتبناه من مخطط واضح لتصفية الملف الفلسطيني وإضعاف السلطة الفلسطينية، وبالرغم – كذلك- من ارتفاع المساعدات الأميركية إلى الأردن في الأعوام الأخيرة، وازدياد التعاون العسكري بين الطرفين في ضوء الأزمات الإقليمية والتهديد الأمني للمصالح الأميركية في المنطقة، ما يجعل الأردن ركناً رئيساً في التعاون الأميركي في المنطقة، إلاّ أنّ هنالك هواجس وشكوكا كبيرة لدى السياسيين الأردنيين من تراجع الدور الإقليمي الأردني في الفترة الأخيرة، وهو أمر مرتبط بتغير ملحوظ في الاستراتيجية الإسرائيلية من ناحية، ومحاولات تهميش القضية الفلسطينية من ناحية ثانية، ما يرتبط بصورة جلية بمشروع التطبيع العربي- الإسرائيلي،ـ الذي يقوم على وضع ما يسمى "التهديد الإيراني” رقم 1 على قائمة المخاطر الإقليمية، واعتبار إسرائيل حليفاً استراتيجياً في مواجهة هذا الخطر، ما يعني إنهاء مركزية القضية الفلسطينية، ما ينعكس على المصالح الاستراتيجية الأردنية والأمن الوطني بصورة كبيرة سلبياً.
من هنا، فإنّ القراءة الدقيقة المتأنية لزيارة بايدن للمنطقة تعكس انعطافة في موقف الإدارة الأميركية، بصورة غير معلنة، تتمثل بمقايضة النفط السعودي بعودة العلاقات لمجاريها، وبالنسبة لإسرائيل بالقفز خطوة أكبر في مسار التطبيع الخليجي- الإسرائيلي، مما يعني انتزاع الصفة المميزة للدور الإقليمي الأردني الذي تأسس خلال العقود السابقة على أهمية موقفه الاستراتيجي كدولة رئيسية من دول الطوق وكغرفة عمليات في العلاقات العربية- الأميركية والتفاوض مع إسرائيل.
إنّ زيارة بايدن تردّ الاعتبار أو تعطي نفساً جديداً لمشروع كوشنير في المنطقة، فالرجل الذي لم يغادر منذ رحيل إدارة الرئيس ترامب، ما يزال يدفع بشدة نحو تطبيع العلاقات العربية- الإسرائيلية ويقوم بمهمات سرية في عقد ترتيبات إقليمية على هذا الأساس، وهو أمر يعيد تشكيل مشروع إدارة ترامب الذي عانى منه الأردن، ولعلّ ما هو أخطر من ذلك أن تأتي نتائج الانتخابات النصفية لصالح الجمهوريين، وأنصار ترامب، ما يعني إمعاناً في ترسيم معالم نظام إقليمي جديد يقوم على أفكار كوشنير السابقة، وهي أفكار لا يملك الأردن القبول بها ولا الانخراط فيها، لاعتبارات استراتيجية عديدة، منها أمنه الوطني والقضية الفلسطينية والمعادلة الداخلية.
الدور الأوروبي والصيني والقوى الإقليمية
بالرغم من بروز رؤى أوروبية متعددة تجاه المنطقة، وقلق أوروبي من نتائج السياسات الأميركية، بخاصة مع الانسحاب من أفغانستان والوضع في سورية والعراق والاتفاق النووي مع إيران، وبالرغم كذلك من بروز أدوار أوربية أكبر في منطقة شمال أفريقيا، إلاّ أنّه لا توجد مؤشرات على المدى القريب إلى إمكانية بروز دور أوروبي يحمل رؤية مستقلة ومختلفة تمثل مساراً مغايراً أو مختلفاً عن المسار الأميركي، وبالتالي فإنّ التعويل – مثلاً- على دور أوروبي محوري في المنطقة في المرحلة المقبلة قد يكون غير واقعي.
على صعيد العلاقات الأردنية- الأوروبية، فقد شهدت تطوراً ملحوظاً خلال الأعوام الماضية، بخاصة في مرحلة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وزادت المساعدات الألمانية والبريطانية للأردن خلال الفترة الماضية، وأصبحت النظرة الأوروبية للأردن تقوم على تعزيز الاستقرار والتعاون والدعم.
الجبهة الداخلية الأردنية.. الديمقراطية وحقوق الإنسان
في ضوء التحديات الخارجية والتحولات في البيئة الدولية والإقليمية فإنّ هنالك أهمية كبيرة اليوم لوجود جبهة داخلية قوية أردنياً تقوم على تعزيز مساحة المشاركة السياسية وتجفيف منابع الأزمات الداخلية، وإدماج القوى السياسية وجيل الشباب في العملية السياسية وبناء تفاهمات وطنية في مواجهة التحدي الاقتصادي الداخلي وما يحدث في الأراضي المحتلة.