أهم المطالب الفلسطينية خلال زيارة بايدن

اخبار البلد-

 


في إطار الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط من المقرر أن يصل إلى تل ابيب في 13 تموز الحالي ضمن زيارة تستغرق 40 ساعة يزور خلالها السلطة الفلسطينية التي تمارس حكما ذاتيا محدودا في أراضي الـ 67 حيث يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية كما سيقوم بزيارة مستشفى فلسطيني في شرق القدس ومن غير المتوقع أن تصدر أي إعلانات سياسية رسمية مهمة عن المحادثات التي ستجري بين الجانبين 

في اليوم التالي سينتقل بايدن إلى الرياض للمشاركة في قمة ( عربية أمريكية ) إلى جانب بعض قادة دول الخليج ومصر والأردن والعراق تستضيفها السعودية كما تزدحم اجندة الزيارة بملفات اخرى من العيار الثقيل أهمها العمل على بناء تحالف عسكري ( شرق أوسطي جديد ) على غرار حلف شمال الاطلسي الناتو من أجل مواجهة إيران بقصد طمأنت المخاوف الإسرائيلية والذي لن يكون بالمطلق من أجل مصلحة الشعوب العربية او إحلال السلام مما يعني بشكل واضح ان التوصل لحل أوسع واسرع للقضية الفلسطينية لا يزال بعيد المنال وان بايدن لن يفعل أي شيء ليغير من الواقع القائم في المنطقة بعدما توقفت آخر مفاوضات للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في نهاية عام 2014

كثير من الفلسطينيون أبدو عدم اهتمامهم بزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الأراضي الفلسطينية وعبروا عن شكوكهم وتشاؤمهم منها واعتبروها شكلية وهامشية في ظل انشغال امريكا بحرب أوكرانيا ومواجهة روسيا والصين وأنها سوف تنتهي بالمرارة وخيبة الأمل وأنهم لا يعولون على نتائجها ولا يتوقعون أن تضع حدا لمعاناتهم أو تجد حلا لقضيتهم وهي محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ خاصة وان مناقشة واقع القضية الفلسطينية ليس في صلب اعمالها او ضمن اهتماماتها 

قيما استذكر بعض منهم سلسلة وعود واشنطن الكاذبة وهي تسعى جاهدة اليوم الى تعزيز علاقاتها الدفاعية بين إسرائيل وبعض الدول العربية الحليفة وقد قال مسؤول فلسطيني كبير في هذا الشأن ليس لدينا ( أوهام بإحداث اختراق سياسي خلال هذه الزيارة وسوف نستمع إلى مزيد من التعهدات الحالمة والوعود الجوفاء ) وأضاف هذه الزيارة لا تلبي طموحات الفلسطينيين وتحقيق مطالبهم العادلة في العيش بحرية وسلام وهي متعلقة فقط بتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية وان جميع وعود بايدن السابقة كانت مجرد تضليل وخداع لا يمكن قبول استمراره

في ذات السياق وجد فلسطينيون اخرون بان الزيارة تشكل محطة مهمة قد تسهم في تهيئة الأجواء لخلق أفق سياسي يحقق السلام العادل والشامل لعملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كما انها تمثل فرصة تاريخية ( حسب وجهة نظرهم ) يجب التقاطها والتعامل معها بحكمة وعقلانية لكشف السياسات والممارسات الإسرائيلية وتعرية حقيقة ومصداقية توجهات الإدارة الامريكية واحراجها من خلال مطالبة بايدن بالإيفاء بكل وعوده التي قطعها للفلسطينيين خلال حملته الانتخابية وتصريحاته المختلفة والتي لا زالت دون تنفيذ بعد مضي عام ونصف العام من وجوده في سدة الحكم

السلطة الفلسطينيّة تريد من بايدن مجموعة مطالب قديمة وجديدة من بينها إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية التي ينظر إليها الفلسطينيون على أنها اعتراف ضمني بوضع القدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين المستقبلية ورفع اسم منظمة التحرير عن قوائم الإرهاب الأمريكية وفتح مكتب البعثة الدبلوماسية في واشنطن الذي اغلقه ترامب عام 2018 والالتزام بخيار حل الدولتين وبقرارات الشرعية الدولية ودفع إسرائيل إلى وقف الخطوات الأحادية الجانب والسعي إلى إجراءات تهدئة وبناء الثقة ووقف للصراع 

بالإضافة الى المطالبة بضرورة تجميد الاستيطان ووقف هدم المنازل وطرد المواطنين من أحياء القدس وغيرها ومنع الاعتداءات المتكررة على المقدسات الإسلامية والمسيحية وزيادة المساعدات الاقتصادية والمالية الأميركية واجبار إسرائيل بالمحافظة على الوضع الراهن التاريخي في القدس الشرقية والمسجد الأقصى وصولا الى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ كافة قرارات الشرعية الدولية بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الحدود المحتلة عام 1967 وعاصمتها والقدس الشرقية وعودة اللاجئين

التحضيرات الإسرائيلية للزيارة تسارعت على قدم وساق لطرح مطالب محددة أمام الرئيس بايدن سواء ما يتعلق منها بالمخاوف من البرنامج النووي الإيراني مرورا بالإسراع في التطبيع مع عدد آخر من الدول العربية وزيادة حجم المساعدات الأمريكية لكيان الاحتلال لا سيما في المجال العسكري والعملياتي وتأمين تمويل إضافي بقيمة مليار دولار لتجديد بطاريات القبة الحديدية

في المقابل لم يحسم القادة الإسرائيليون حتى الآن طبيعة الحوار والطرح الذي سيجرونه مع بايدن حول القضية الفلسطينية في ظل وجود عدة آراء متباينة داخل الحكومة وصدور دعوات إسرائيلية متطرفة ترفض أي حديث سياسي مع الفلسطينيين وتطالب بالإعلان أمام بايدن أنه في الوقت الحالي ( لا يوجد شريك فلسطيني ) لأي ترتيب سياسي قادم جزئيا أو كليا 

وانه ليس لديهم أي استعداد في هذه المرحلة لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وانهم لا يمانعون في عودة الدعم المالي والاقتصادي لها بهدف الحفاظ على وظيفتها في ادارة شؤون الفلسطينيين في المجالات المعيشية والحياتية بدون أي تبعات سياسية تترتب عليهم وهذا بالضبط ما يعنيه ( السلام الاقتصادي ) المطلوب والذي بدأت تتوافق حوله معظم التيارات الإسرائيلية في الائتلاف والمعارضة وكذلك في داخل بعض أجنحة السلطة الفلسطينية نفسها

التفكير والعمل بهذه الطريقة وهذا المنطق سوف يعزز احتمالية استمرار مراوحة الوضع الراهن دون أي تغيير رغم ممارسة السلطة الفلسطينية منذ الاعلان عن الزيارة وعبر أطراف عربية ودولية عدة ضغوط شديدة على الإدارة الأمريكية كي تكون زيارة بايدن ذات ( مغزى سياسي واضح اتجاه الفلسطينيين ) سيما وان هنالك تجارب عديدة مع إسرائيل وهي لا تطبق قرارات الشرعية الدولية ولا تلتزم بالاتفاقيات الثنائية المعقودة مع السلطة الفلسطينية

من المؤسف جدا في هذا الأمر الاعتراف بان إدارة بايدن الديمقراطية لن تقبل بالمطالب الفلسطينية بعدما اكدت سياستها الثابتة بانها لا يمكن أن تتخلى عن دعم إسرائيل والدفاع عن مصالحها الاستراتيجيّة وتفوقها العسكريّ النوعيّ في المنطقة على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني والعربي وتحديداً السوريين واللبنانيين حتى في أشد لحظات الخلاف بين واشنطن وتل أبيب 

رغم علم اميركا اليقيني بأن الاحتلال الاسرائيلي قائم على الإرهاب المنظم والتاريخ يمثل أكبر شاهد على الوحشية الإسرائيلية المدعومة من أميركا التي لا زالت تطالب الفلسطينيون بوقف العمل مع المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل دون احترام منها او من مسؤوليها للقانون الدولي ومنطق الشرعية الدولية وحقوق الشعوب في الامن والحرية والحياة الكريمة 

كل ذلك يجري يوميا ضمن محاولات واشنطن لكسب المجتمع الإسرائيلي وضمان تأييد اللوبي الصهيوني في الانتخابات المقبلة وبالتالي فان قدوم بايدن إلى المنطقة أو عدم قدومه سيان كونه لن يحدث أي فارق في واقع الشعب الفلسطيني السياسي والحياتي والسؤال البسيط هل يستطيع بايدن وقف الإجراءات الإسرائيلي بحق سكان مسافر يطا بالخليل ( 19 قرية ) أصحاب الأرض الأصليين الذين ورثوها عن آبائهم وأجدادهم والمهددين بالطرد القسري 

مسؤولو السلطة الفلسطينية يدركون جيدا بأن هذه المطالب لن يتم تلبيتها إلا أنهم يأملون رغم ذلك بان يكون جزء من خطابهم الصارم لإرضاء الجمهور العام وصد بعض من هجمات حماس وغيرها من المعارضين على ارتهان سلوكها وخنوع توجهاتها المرفوضة

الإدارة الأمريكية الحالية بزعامة بايدن تقف على طرفي نقيض حيث لا يمكنها أن تساعد في توفير أيّ مناخ مناسب لعودة المفاوضات من اجل احياء كذبة ما يسمى بـ (عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية ) فيما يدوس كيان الاحتلال المجرم مع كل صباح القرارات الدولية تحت قدمية بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته دمائهم واستمرار خرقه الفاضح لكل القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدوليّة المتعلقة بالتشريعات الإنسانية إضافة إلى تنفيذه لمخطط الضم والتوسع والسيطرة على حساب الأرض والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الأعزل مستندا في كل ذلك على الدعم الأمريكي المطْلق في إصراره الواضح على قتل آخر رمق للسلام ان وجد

كان يتوجب على القيادة الفلسطينية رفض الزيارة أو منع المشاركة فيها كونها تضر أكثر مما تنفع سيما انها تأتي بعد توتر شديد بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية حيث قتل 18 إسرائيليا منذ اذار الماضي في هجمات نفذها فلسطينيون مقابل أكثر من 60 فلسطينيا بينهم نساء وأطفال منذ بداية العام الجاري بينما تزداد الممارسات الإسرائيلية الاستفزازية والعدوانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية من خلال البناء الاستيطاني وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وتهجير السكان والاعدام الميداني على الشبهة

يذكر ان بيل كلينتون كان أول رئيس أمريكي يزور السلطة الفلسطينية عام 1998 فيما زارها بعده جورج بوش الابن في عام 2008 للاحتفال بالذكرى الستين لقيام كيان الاحتلال وباراك أوباما في عامي 2013 وعام 2016 للمشاركة في الجنازة الرسمية لشمعون بيريس كما زارها ودونالد ترامب في عام 2017 في محاولة لاتمام مشروع صفقة القرن والاعتراف بالقدس عاصم لاسرائيل

اللافت هنا اثناء متابعة سير الاحداث عدم تلقي الرئيس عباس اي دعوة لزيارة البيت الأبيض في عهد الرئيس بايدن على الرغم من زيارته في عهد الرؤساء بوش وأوباما وترامب وكذلك ان الإدارة الحالية لم تطلق مبادرة سلام خاصة بها حتى الآن بعكس الإدارات السابقة في حين سعت إدارة بايدن إلى تحقيق تقدم متواضع في العلاقات الأمريكية والإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية في مجالات الاقتصاد والامن وفقا للقوانين الأمريكية التي دخلت حيز التنفيذ خلال السنوات القليلة الماضية خاصة قانون تايلور فورس

من اجل ضمان ألا تثير زيارة بايدن المرتقبة عند الفلسطينيين والإسرائيليين جدلاً سعت الإدارة الأمريكية إلى نزع فتيل أي مسألة شائكة محتملة قبل وصوله فعلى سبيل المثال مارست الإدارة من خلال مكتب ( منسق الأمن الأميركي ) ضغوط كبيرةً لتسريع إنهاء التحقيق في اغتيال الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة ومن المرجح أن تكون الضغوط الأمريكية قد لعبت ايضا دوراً مهماً في إرجاء إسرائيل لجلسة الاستماع من أجل المضي قدماً في إقامة مستوطنات جديدة في مناطق أي – 1 المثيرة للجدل والخلافات والتنازع

امام هذا الواقع ومعطياته من المرجح أن يكرر بايدن المواقف الدبلوماسية الأمريكية التقليدية خلال اجتماعه مع عباس مثل الالتزام بحل الدولتين ورفض الإجراءات الاسرائيلية الأحادية والترويج لاستئناف المساعدات الأمريكية للفلسطينيين والتي تشمل المعونات الإنسانية ومساعدة مستشفيات القدس الشرقية والمساعدة الاقتصادية لفلسطينيي القطاع الخاص وتفعيل مبادرات الأفراد بموجب قانون الشراكة من أجل السلام في الشرق الأوسط لعام 2020 وبذلك الحال لن تكون هناك أي نتائج محددة او وشيكة للسياسة الخارجية الامريكية وكان الزيارة تدور في مضمونها حول الرمزية والتأثير على الرأي العام أكثر من السعي لتحقيق الأهداف السياسية والدبلوماسية لنبقى بذلك ندور في خلقة مفرغة كمن يحرث في البحر 

توقعات فشل الزيارة وبقاء سياسة التلعثم الامريكي ( حسب ما صرح وهدد عباس واعوانه ) تعني ذهاب القيادة الفلسطينية نحو تطبيق قرارات المجلس المركزي لعام 2015 بشأن العلاقة مع إسرائيل وامريكا والتي لم تنفذ منذ صدورها حيث تتضمن إنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بكافة الاتفاقيات مع إسرائيل وفي مقدمتها وقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة وتعليق الاعتراف بدولة إسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية ووقف الاستيطان هل تجرؤ وتقدر السلطة الفلسطينية على القيام بتلك المخاطرة المطلوبة شعبيا بأجماع كامل

أخيرا ان الأهم من الزيارة لدى عموم الفلسطينيين والتي لا تحمل جديد لأي حلولا سياسية تقدم او تؤخر وقبل البحث عن ترتيب الصفقات ينبغي التوجه نحو إنهاء حالة الانقسام تلك النكبة المستمرة منذ 15 عام وضرورة استعادة الوحدة الوطنية من أجل مجابهة المخاطر التي تحدق بقضية الشعب الفلسطيني المركزية 
mahdimubarak@gmail.com