اعتزال بينيت فشل سياسي ام مناورة التفافية
أخبار البلد ــ قبل ان يسلم رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق وزعيم حزب يمينا نفتالي بينيت رئاسة الحكومة لشريكه البديل في الائتلاف رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس حزب ييش عتيد يئير لبيد وفقا للاتفاق الموقع بينهما ومع أركان الائتلاف الحاكم وبعد تصاعد المطالبات بحل الكنيست تمهيدا لاقتراع خامس ضمن ( خمس معارك انتخابية خلال اقل من اربع سنوات ) فمن المتوقع خلال الأيام القليلة المقبلة ان يتعمق الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي وان تتفاقم الأزمات حول مسالة عدم استقرار الحكم بقيادة حكومة هجينة.
في ظل هذه الظروف الغامضة والمربكة قرر بينيت اعتزال الحياة السياسية لبعض الوقت حيث قال في خطاب له أمام الكنيست والذي كان الأخير بصفته رئيس للوزراء إنه قرر عدم الترشح في الانتخابات المقبلة ثم سلم قيادة حزب يمينا لوزيرة الداخلية الحالية أيليت شاكيد كما صرح انه سوف يظل جنديا مخلصا لهذا البلد ( إسرائيل) الذي خدمه طوال حياته جنديا وضابطا ووزيرا ورئيس وزراء وكثيرا ما جلبت له ركاكة لغته الإنكليزية وضعفه في استخدامها استهزاء مراسلي القنوات الإسرائيلية ومحلليها.
يبدو ان نفتالي بعد طول تفكير في مجريات الاحداث قرر اعطاء نفسه استراحة محارب من الساحة السياسية والحزبية للنظر إليها من الخارج ومراقبة تبعات ومخرجات انتخابات الكنيست الـ 25 القادمة والتي لا زال يرى انها ستعمق الأزمة الداخلية ولن تتمكن في أفضل السيناريوهات من تشكيل حكومة قادرة على الصمود لأنها ستكون حكومة انتقالية فقط لعملية انتخابية جديدة من المتوقع أن تجرى في 25 تشرين الأول أو الأول من تشرين الثاني من هذه السنة وربما يصل استمرار تردي الأحوال والصراعات المتفاقمة الى اشتعال نيران الحرب الأهلية داخل إسرائيل.
العديد من المحللون والمتابعون أجمعوا على أن بينيت اختار الاعتزال حاليا ليعود مجددا إلى المشهد السياسي مستقبلا بقوة اكبر وليصبح شريك في ائتلاف حكومي متين ومستقر عوضا عن ائتلافه الضعيف والهش اي ( الاعتزال كان خطوة استراتيجية ومناورة سياسية بغرض العودة الى نكان اهم وافضل ) حيث سار في ذلك على نهج كل من إسحق رابين وإيهود باراك وبنيامين نتنياهو الذين اعتزلوا الحياة السياسية لسنوات ثم عادوا بعد ذلك إلى كرسي رئاسة الوزراء بواقع مختلف.
قرار نفتالي الاعتزال المبكر ليس له أي صلة بالزهد في المنصب او سمو خلاق الحميدة او التواضع الجم او حتى الرغبة في افساح المجال امام الأجيال الشابة لتولي القيادة وانما جاء بعد شعوره بحدة الانقسامات وقسوة ارتداداتها في الحلبة الحزبية الداخلية وبالأخص داخل الحركات والأحزاب اليمينية المعارضة لنتنياهو.
كما لاحظ ان حزبه يمينا يتجه نحو التفكك والانشقاق مع احتمال حصوله على عدد مقاعد اقل في الانتخابات المقررة وهو ما قد يضطره الى تقديم يد العون الى خصمه نتنياهو زعيم حزب الليكود المتهم بالفساد او المشاركة في حكومته لا سيما وان بينيت أكد مرات عدة بان عودة بيبي لرئاسة الحكومة تشكل هزيمة لخياره الأيديولوجي والسياسي.
عدم ترشح زعيم حزب يمينا السابق للانتخابات القادمة هو بمثابة هروب من النافذة الخلفية لعدم تحمل المسؤولية في مستقبل يراه شاحبا ومظلما تسوده الخلافات والانقسام ولا يريد ان يتحمل وزر أي هزائم قادمة فيه أو رؤية حزبه غير قادر على تخطي نسبة الحسم او ربما الأسوأ من ذلك انهيار الحزب وتفككه واندثاره كليا.
خطوة بينيت هذه غير المفاجأة خلطت الأوراق مجددا بين المعسكرات والأحزاب اليهودية في صراعها للوصول إلى السلطة وتركت نتائج انتخابات الكنيست من دون حسم رغم التوقعات شبه المؤكدة بعودة رئيس المعارضة الذئب الجريح إلى رئاسة الحكومة على الرغم من وقوف العديد من الشخصيات الإسرائيلية سدا منيعا في وجه عودته من اؤلائك الذين يرون ان مكانه الطبيعي يجب ان يكون في السجن أو بحد أدنى اعتزاله المشهد السياسي والحزبي.
بينيت المعتزل تولى السلطة في حزيران من عام 2021 لينهي 12 عاما من حكم رئيس الوزراء السابق نتنياهو لكن بعد مرور عام على تحالفه المتناقض هاهو يعلن عزمه على حل المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة بعد تزايد حالة التشتت السياسي من خلال تقاسم 13 حزب مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعدا.
من المؤكد ان اعتزال بينيت سوف تكون له تداعيات سلبية على المشهد السياسي والاجتماعي في إسرائيل كما انه سوف يعزز الاستقطاب الحزبي ويشكل طوق نجاة للأحزاب المعارضة لنتنياهو ويمهد الطريق لعودته كصاحب الحظ الأوفر حتى الآن في الحصول على الأغلبية النيابية وتشكيل الحكومة المقبلة التي ستكون أكثر عدائية وانتقامية من سابقاتها.
ناهيك عن تهديدها المتوقع للحريات وأسس الديموقراطية خاصة تجاه العرب والفلسطينيين وحتى اليهود غير الداعمين لها مع استمرار تغييب أي أفق لحل سياسي أو تسوية مع الفلسطينيين وتركيز الاهتمام على الملف الإيراني الأكثر أرقاً ورعبا للقيادة السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية في منظوره البعيد وبعده الاستراتيجي خصوصاً بعدما قررت طهران المضي قدما في طريق رفع وتيرة التخصيب إلى الحد الذي تحتاجه ويعزز مكانتها واقتدارها.
استطلاع الرأي لقناة 12 الإسرائيلية منح نتنياهو ولأول مرة منذ 3 سنوات إمكانية تشكيل حكومة يمين ضيقة بحصول معسكره على 63 مقعد من 120 وحزب يمينا على 5 مقاعد مع هذا لا يستبعد سيناريو تشكيل ائتلاف يميني متطرف في حال انضم يمينا إلى حكومة برئاسة نتنياهو حسبما صرحت القيادية بالحزب وزيرة الداخلية أيليت شاكيد اليمينية الفاشية التي تعتبر سياسية علمانية من خارج جمهور اليمين الاستيطاني الديني في أقصر حكومة بتاريخ اسرائيل.
المعركة الانتخابية المقبلة في إسرائيل ستكون بلا شك أصعب وأكثر تعقيد من الانتخابات الرابعة وأن سقوط حكومة بينيت وفشلها بعد سنة تقع مسؤوليته على جميع مكوناتها من أحزاب يهودية وعربية خاصة وان الاستقالات التي شهدتها مؤخرا وصلت حد الابتزاز وقد حاول بينيت مواجهتها لكنه فشل واختار الانسحاب على عجل لحفظ ما تبقى من ماء الوجه.
طوال العام اليتيم الذي قضاه بينيت في سدة الحكم بقيت حكومته تسير على خطى ونهج وسياسة نتنياهو ذاتها بل واشد تطرف وقسوة تجاه الأقصى وسياسات التمييز والعنصرية وهدم البيوت وتفاقم العنف والجريمة وتوسع الاستيطان وغيرها من القضايا التي تعكس سياسة اليمين واليمين المتطرف ولا يوجد ما يبشر بإمكانية تغيير الوضع خلال الفترة المقبلة مع أي حكومة قادمة.
القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس التي شكلت بيضة القبان في تكوين الائتلاف حتى لو كررت موقفها بعد الانتخابات السابقة باستعدادها لدعم المعسكر القادر على تشكيل حكومة فإن نجاح المعسكر الخصم لنتنياهو غير مضمون تماماً كما انه مرفوض كليا قبول منصور عباس في اي حكومة برئاسة نتنياهو بعد أن أعلن الأخير وقياديون في حزبه ومعسكره رفضهم المطلق إفساح المجال لمنصور عباس بالجلوس إلى جانبهم في أية حكومة مقبلة يشكلها نتنياهو.
على الرغم من تبجيل وتمجيد البعض في اسرائيل للدور الذي قام به رئيس الحكومة المنتهية ولايته بينيت فيما يتعلق بنجاحه على مدى سنة بإخراج إسرائيل من أزمتها السياسية وقدرته على تجميع الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الا انه في الواقع لم يخسر كرسي الرئاسة في غضون تلك سنة ومعها مستقبله السياسي فحسب بل خسر جميع المزايا التي يتلقاها رؤساء الحكومات السابقون مثل الحراسة والمكتب الخاص والإعفاء من ضريبة الدخل وغيرها.
اللافت بشكل واضح للعيان ان رئيس الحكومة السابق بينيت التي حظي بالرعاية العليا الأميركية الكبيرة كما لم يحظى بها أي رئيس حكومة سابق باستثناء ايهود باراك ولنفس السبب ما زال يعيش محاصرا بأعراض مرض عقدة نقص ( متلازمة نتنياهو ) وهو يحاول أن يظهر نفسه بأنّه الأكثر قدرة على قيادة الدولة وإدارة ملفاتها الخطرة والحساسة وتزعم أحزاب اليمين المتطرفة رغم سحر وقوة وتأثير بيبي الملقب بملك إسرائيل والتي لا يمكنه مجاراتها.
ومن عقدته اتجاه نتنياهو إلى عقدة النقص في الفضاء العام التي تعتريه بشكل دائم لكون حزبه هو الأ قل حضوراً وتمثيلاً في الكنيست بين أغلب أحزاب اليمين وهو ما دفعه إلى القيام بعدة خطوات استفزازية ومتهورة وجبانة اتجاه الفلسطينيين في الضفة والقدس والاقصى بهدف جذب الشارع اليميني إليه لكنها في النهاية كانت ضده وساهمت في سقوطه وتحطيم اركان حكومته وائتلافه بعدما حرق كل مراحل تطوره واحترق.
أخيرا السؤال المطروح للجمهور هل تكتيكات ومناورات نفتالي بينيت الالتفافية الذي لمع بسرعة واختفى أسرع ستمكنه من العودة بشكل اقوى لرئاسة الحكومة المنتظرة تقلب معه كل الموازين والمعادلات وتعاكس التوقعات والاستطلاعات والجواب يبقى غامض في جوف الأيام القادمة التي ستكون حبلى بالعديد من التنبؤات والمفاجئات فلننتظر.
mahdimubarak@gmail.com