انه زمن الشهره

قديما وحتى زمن قريب كان من يريد الشهره او الحصول على مكانه بين افراد قبيلته او بلدته كان عليه ان يقيم الولائم الكبيره الغنيه باللحم البلدي والسمنه البلديه وقد يبالغ البعض منهم في اقامة وليمه لاهل القريه او المدينه باكملها او قد يلجا البعض الى اسلوب اخر وهو توزيع الهدايا او النقود في مناسبة او غير مناسبة ويذيع صيته وكرمه المفرط ويصبح نجم المدينه او القريه او الحي على الاقل. وهو امر مكلف جدا ولا يستطيع الشخص العادي ذات الدخل المحدود القيام به كونه يحتاج الى الاف الدنانير كل موسم او كل مناسبه حتى يحافظ على زخم الكرم الذي ظهر فيه ويحاول من خلاله تحقيق الشهره المنشوده والتي طالما بات يحلم فيها .


واليوم تغيرت الظروف وتغيرت متطلبات الشهره واصبح بالامكان تحقيقها باقل من تلك التكاليف وبكثير , فمثلا ان اردت ان اشهر نفسي وان يخلد اسمي كرمزا للكفاح والنضال وان تتحدث الصحافه عني وتنشر صوري في كل الصحف وقد احصل على نشرها على بعض المحطات الفضائيه المهتمه بهذا الشان يمكن تحقيق كل هذا بجهد بسيط جدا وهو ان اشتري سيف او خنجر طويل براق حاد او مسدس واخرج في اعتصام والوح به بيدي والقي خطابا رنانا اشتم فيه هذا وذاك وانتقد فيه كل صغيره وكبيره والقي تهما يمينا وشمالا واهدد كل من يقف بوجهي باستخدام هذا الخنجر او السيف او المسدس لا بل قد انزل عن المنصه واحاول مهاجمة من يعارضني القول .خارجا ورافضا ومتعديا على كل القوانين والانظمه التي تمنع حمل السلاح وتهديد الاخرين وترويعهم وعلى مراى من الاجهزه الامنيه متحديا اياهم او بالاصح مطالبا اياهم ان ياتوا ويعتقلوني وهو ما اطمح واهدف اليه من كل هذا الذي قمت به وخططت له مسبقا .


ومن باب القيام بالواجب ياتي رجل الامن ويلقي القبض علي ويعتقلني بتهمة حمل السلاح والتهديد باستخدامه وهي مخالفه صريحه للقانون لا لبس فيها ولا غموض .


وهنا تبدأ اولى مراحل الشهره , وينتهي دوري , حيث ان الاخرين سيقومون بتكملة المراحل المتبقيه من خلال الاعتصام والمطالبه بالافراج عني والاتصال بالمحطات الفضائيه والمواقع الاخباريه والصحافه المحليه والاجنبيه وقد تصل الى ابلاغ بعض السفارات .


وفي اليوم الثاني او في نفس اليوم تنشر صوري على كل هذه المحطات تحت عنوان اعتقال الناشط السياسي فلان بن فلان او اعتصام من اجل الافراج عن الناشط السياسي المخضرم فلان الفلاني . واصبح بطل قومي ورمز من الرموز واسم من الاسماء المشهورة التي لا تنسى . وقد يصل الطموح بي الى منافسة المناضل الجنوب افريقي نيلسون مانديلا الذي قضى اكثر من ثلاثين سنه في السجن او المناضل الامريكي مارتن لوثر كنج مع فارق التشبيه في موضوع النضال والكفاح.


اذا الامر بسيط جدا واسهل مما يتصوره الكثيرون , وقد استفاد من هذه الفرصه التاريخيه عددا من الاشخاص بعضهم لم يصل الى سن العشرين عاما ولا يزال في سن المراهقه .


انا هنا اكتب هذا ليس من باب التهكم على الاخرين ولكن اقول ان مصلحة البلد هي اهم بكثير من المصالح الشخصيه الاخرى سواء كانت طلبا للشهره او الحصول على منصب او كرسي او تحقيق اغراض اخرى .


ان سقف الحريات الذي نتمتع به هنا في اردننا الحبيب عال جدا ويفتقده الكثيرون في الدول المجاوره وغير المجاوره , ويجب علينا ان لا نحاول القفز فوق المنطق والمعقول وبالتالي نفسد معنى الحريات ونخرجها من معناها الجميل لتصبح فوضى وتطاول بلا حدود . والنتيجه ستكون مؤرقة ومؤذية وللجميع .


بالامس وخلال نقاش مع الاصدقاء على موقع التواصل الاجتماعي تويتر اقترح احد الاصدقاء عمل رحله لبلدان مجاوره حتى يتسنى للبعض مقارنة اردننا بغيره من الدول ومن نواحي عديده اهمها الحريات والامان الذي نتمتع فيه هنا , وقال مازحا اعتقد انهم عندما يعودوا من زيارتهم لتلك البلدان ورؤية الفارق الكبير بيننا وبينهم سيطلبون التجنيد في قوات الدرك , من اجل صيانة الحريات والمحافظه عليها وعدم تجاوزها .


نعم اننا جميعا نؤيد كل المطالبات بالاصلاح ونطلب ان تكون حرية الكلمه وحرية الراي مصانه , وندعم هذا ولكن بطرق حضاريه وباساليب غير مستفزه للغير دون تطاول على اية جهة ودون القاء التهم جزافا واستنكار للايجابيات . وبعيدا عن شخصنة الامور والمزاجيه .


حفظ الله ارددنا الحبيب وابقاه امنا مستقرا بقيادة ابا الحسين المفدى .