هناك من يتملق المعارضة الاسلامية ايضا، فالتملق بقاموسه الدميم ليس حكرا على مريدي الحكومات على اطلاقها بل ايضا هو داء اصاب به من يكتب ان المعارضة الاسلامية دائما على حق، وهذا النمط من انصاف المثقفين (الدرجة العلمية هنا غير مهمة) يطيب له ان يبطل حسه النقدي طواعية لانه بذلك يحقق مكسبين: الاول يحصد شعبية زائفة لا اساس لها من الاحترام ، الثاني يتجنب اختبار التفكير الحر الذي لاسقف له باعتباره مهمة عسيرة على عديمي الخيال.
ثمة نمط من ادعياء الليبرالية يوقفون انفسهم للدفاع ان اشد الطروحات محافظة بحجة ان هذه الطروحات ذات نفس معارض اذ يكفي ان تكون معارضا للقائم وان كان بين يدبك مشروعا ماضويا حتى تجد هذه الثلة من الكتبة الى جانبك فالتاييد ليس للمشروع بل لحالة المعارضة بذاتها بوصفها شأنا مقدسا تماما كما يقدس الحكومات شهود الزور الجاهزون لوضع ايديهم على المصاحف كلما طلبت الحكومة شهادتهم.
يغيب الحس النقدي للسلطة والمعارضة لصالح التجييش على طرفي المعادلة وينقسم الكتاب بين معسكرات يفقدون بمرور الزمن عذرية استقلالهم ويوصمون بانهم خزان احتياطي لهذا الفريق او ذاك وبالرغم من عدم القدرة موضوعيا على الوقوف بشكل محايد ازاء الاشتباك السياسي القائم بين الاراء فان الحصافة والاخلاق تقتضيان ابلاغ القارئ عن الميول السياسية للكاتب وليس تغليف الايدولوجيا بطبقة مخاتلة من الحيادية بقصد الترويج..
سرت في الاونة الاخيرة نظرية ساذجة مفادها ان ثمة تحالفا بين ثلاث قوى ضد الحركة الاسلامية وهي : التصور الامني والعشائر والتيار القومي اليساري وهي نظرية وجدت من يروج لها في اطارات ثلاثة: التيار التوطيني المتملق للحالة الاسلامية بوصفها التيار الوحيد القادر على توفير غطاء ايدولوجي لتغييب الهوية الاردنية، و الليبراليون الاقتصاديون الذين يرفضون الديمقراطية السياسية ويعظمونها اقتصاديا وهؤلاء مستعدون لاستبدال الاستبداد العلمانوي باستبداد اسلاموي بشرط الحفاظ على الخصخصة واقتصاد السوق وتشريع النهب العام، وانصاف المثقفين الذين غادروا الحركة الاسلامية تنظيما ولم يغادروها ايدولوجيا لذلك نراهم يكفرون عن كفرهم التنظيمي باقتراف كفر سياسي يشيطن كل ما هو غير اسلامي.
لنا اصدقاء في الحركة الاسلامية ونعرف جيدا كم هم محبون لوطنهم و ودينهم ومستقبل ابناء بلدهم وهم الغالبية العظمى من الحركة الاسلامية لكن الخيارات السياسية للحركة الاسلامية ليست خيارات مقدسة وبالتالي تحتاج الى من يسدي اليها النصح لا الى من يقدسها وضم الانحياز لها الى اركان الايمان.
للاسف الشديد يغيب الحس النقدي لصالح التجييش وفي معركة التجييش يخسر من يصنع القرار لصالح من ينتقد القرار وانحيازاتي المسبقة الى الحالة اليسارية القومية لا تعفيني من قراءة الهنات – وما اكثرها – لهذا التيار.
لنعد الى افتعال التحالف المثلث الذي تشكل في اذهان البعض بين امني ويساري وعشائري ضد الحركة الاسلامية ولنتذكر ان جزءا اساسيا من العشائر يشاطر الحركة الاسلامية الاعتراض على استشراء الفساد والمطالبة باصلاحات سياسية جذرية وهنا لا اريد ان اقول عن اليسار والقوميين الا ما ترونه من نضال دؤوب باتجاه مكافحة الفساد والاصلاح عموما ، اذن اين عقدة المنشار في هذا التصور الملتبس عن التحالف الملتبس؟
انه الفايروس الذي يكتشف في ذلك اللعاب الذي سال في الافواه باعتبار ان فكرة الوطن البديل كالحلوى قاربت على الذوبان فتجمع اليبرالي والاسلامي والمثقف الرث للقطاف وهو امر دونه خرط القتاد.