حزب الله يشكل عائقا أمام تسوية لبنان للخلاف الحدودي مع إسرائيل

اخبار البلد - يعكس التصعيد المفاجئ لحزب الله في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل رغبة الأخير في تقويض ما توصلت له الحكومة اللبنانية من "تفاهمات مبدئية” مع تل أبيب تمهد للجلوس إلى طاولة المفاوضات وحسم الملف الحدودي الشائك إذ أن التسوية تصب في مصلحة الطرفين على حد السواء.

ولم يستغرب مراقبون لبنانيون من تراجع حزب الله عن المرونة التي أبداها تجاه تسوية الملف قبل الانتخابات التشريعية اللبنانية التي عقدت في الخامس عشر من مايو الماضي.

وقال المراقبون إن الحزب يستثمر ملف الخلاف البحري مع إسرائيل بما يخدم أجنداته الداخلية والخارجية أيضا، إذ أنه يغطي به تارة على أزماته الداخلية ويوظفه تارة أخرى خدمة للأجندات الإيرانية في المنطقة.

ويشير تصعيد الحزب إلى أنه يتحكم بالسياسة الخارجية اللبنانية ويحتكر سلطة القرار الداخلي وهو ما ساهم بشكل كبير في توتير علاقات لبنان الخارجية خاصة مع محيطه العربي.

وأطلق حزب الله السبت 3 طائرات مسيرة تجاه ‏المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل عند حقل "كاريش” جنوب البلاد، للقيام بـ”مهام استطلاعية”. وقال في بيان إن "الرسالة وصلت”. ودأب حزب الله على اللجوء إلى افتعال أزمات خارجية للتغطية على أزماته سواء داخل الحزب أو في المشهد اللبناني ككل، لكن مراقبين يقولون إن استعمال الحزب لورقة التصعيد مع إسرائيل لم يعد ذا جدوى بعد أن وقف اللبنانيون على حقيقة الحزب وأجندته ووقوفه بشكل مباشر وراء الأزمة الحادة التي يعيشها لبنان كونه الحزب صاحب النفوذ القوي، وهو من يدعم تشكيل الحكومة أو يعيقه، وهو من يقف ضد الإصلاحات الاقتصادية العاجلة التي يطالب بها المانحون.

وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد يائير لابيد الأحد أن حزب الله اللبناني يشكّل عقبة أمام اتفاق بين لبنان وإسرائيل على ترسيم حدودهما البحرية.

وقال لابيد إن "حزب الله يواصل السير في طريق الإرهاب ويقوّض قدرة لبنان على التوصّل إلى اتفاق حول الحدود البحرية”.

وأضاف خلال الاجتماع الأول لحكومته بعد أيام على حل البرلمان تمهيدا لانتخابات تشريعية جديدة في الدولة العبرية أن "إسرائيل ستواصل حماية نفسها ومواطنيها ومصالحها”.

وأثار اكتشاف مكامن ضخمة للغاز في شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة شهيّة الدول المجاورة وأجج نزاعات حدودية.

ويأتي تصعيد حزب الله في وقت حملت الأيام القليلة الماضية إشارات مشجعة في ما يخص ملف ترسيم الحدود البحرية، ما يفتح الباب أمام الذهاب إلى تهدئة والعودة إلى طاولة المفاوضات.

وأعلنت الخارجية الأميركية أن الوسيط الأميركي في المفاوضات بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين عقد مفاوضات الأسبوع الماضي مع المعنيين في إسرائيل وأن "المباحثات كانت مثمرة وتقدمت نحو هدف تذليل الفوارق بين الطرفين”.

ونقل هوكشتاين خلال لقائه المسؤولين الإسرائيليين عرضا لبنانيا لحل الخلاف مع إسرائيل بشأن موارد الغاز البحري وصفته مصادر مطلعة بأنه حل وسط، فيما ينتظر القادة اللبنانيون الرد على عرضهم.

 

حزب الله يستخدم كل السبل الممكنة لعرقلة التسوية
حزب الله يستخدم كل السبل الممكنة لعرقلة التسوية

 

ولم يتضمن العرض اللبناني أي مطالبة بالخط 29 الذي يشمل حقل كاريش المتنازع عليه، حيث طلب بدلا من ذلك الحصول على الخط 23 وحقل قانا في المنطقة المتنازع عليها.

وتقول إسرائيل إن كاريش يقع داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة، بينما يقول لبنان إن الحقل يقع في مياه متنازع عليها وينبغي عدم تطويره قبل أن يختتم البلدان محادثاتهما غير المباشرة لترسيم حدودهما البحرية.

وفشلت تلك المحادثات العام الماضي بعد أن وسع لبنان المساحة التي يطالب بها بنحو 1400 كيلومتر مربع في المنطقة المتنازع عليها من الحدود المعروفة باسم الخط 23 جنوبا إلى الخط 29، بما في ذلك جزء من حقل كاريش.

وللتغلب على ذلك الوضع اقترح هوكشتاين آنذاك مبادلة ميدانية من شأنها إنشاء حدود على شكل حرف "أس” بدلا من الخط المستقيم، لكن لبنان لم يوافق رسميا على الاقتراح.

وتقول مصادر سياسية إن إسرائيل ترغب في التوصل إلى اتفاق مع لبنان بشأن الترسيم كي ينقّب الجانبان "بسلام” في البحر، بعيدا من أي مناخات متشنّجة. إلا أن المصادر كشفت أن تل أبيب لن تسلّم سريعا بما تريده بيروت، وهي ستسعى في الأيام القليلة المقبلة لرفع سقفها علّ لبنان يتراجع عن بعض الشروط التي وضعها.

وتشير المصادر إلى أن إسرائيل لا تحبّذ موقف لبنان بالتفاوض انطلاقا من الخط 23 مع الحصول على حقل قانا كاملا، مقابل حصول تل أبيب على حقل كاريش. وهي أبلغت الوسيط الأميركي أنها تفضّل أن يبقى الخط الذي رسمه هوكشتاين على حاله، أي متعرّجا، بما يبقي لتل أبيب حصّة أكبر من تلك التي ستحصل عليها في حال تم اعتماده "مستقيما” كما يريد لبنان.

ويشير محللون إلى أن لبنان في أمس الحاجة إلى استغلال ثرواته النفطية البحرية لتجاوز أزمته الاقتصادية المستفحلة التي وضعت البلاد في طريق الانهيار الشامل.

ومنذ أكثر من عامين يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قيمة العملة المحلية الليرة وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، إضافة إلى هبوط حاد في قدرة المواطنين الشرائية.

ويأمل سياسيون لبنانيون أن تساعد الموارد الهيدروكربونية المحتملة قبالة الساحل اللبناني في انتشال البلاد المثقلة بالديون من أعمق أزمة اقتصادية تواجهها.

ومن شأن الاتفاق جلب أرباح للبلدين من مخزونات الغاز الموجودة في المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي سيساعد لبنان في التخلص من أزمته الاقتصادية. ووفق الاتفاق البحري المحتمل ستحصل شركات طاقة دولية على حقوق البحث واستخراج الغاز الطبيعي، ومن ثمّ يتفق الطرفان على وسيط دولي سيحدد مستوى الأرباح التي ستحصل عليها كل دولة.

وبدأ لبنان وإسرائيل، وهما دولتان متجاورتان لا تزالان رسميا في حالة حرب، مفاوضات غير مسبوقة في أكتوبر 2020 برعاية واشنطن، لترسيم الحدود البحرية وإزالة العقبات أمام التنقيب عن النفط والغاز.

وأُوقفت المحادثات في مايو 2021 بسبب خلافات تتعلق بمساحة المنطقة المتنازع عليها، خصوصا حقل غاز كاريش.

Thumbnail