عندما تخطو ألمانيا على حبل مشدود فوق أدخنة الحرب
لم تقدِّم ألمانيا في البدء سوى تجهيزات دفاعية محدودة للقوات الأوكرانية، تشمل خوذات ومناظير ووسائل حماية، ثم اضطُرّت تحت الضغط إلى إمدادها بصواريخ وقاذفات وأسلحة خفيفة وذخائر لا أكثر، وهي تناور حاليّاً مع الإلحاح عليها بتزويد كييف بالسلاح الثقيل.
لا ترغب ألمانيا بأن تتحدّى روسيا أو أن تبدو طرفاً في الحرب، فتجاوبت مع العقوبات على روسيا ضمن نسق أوروبي وغربي عامّ. شاركت برلين في ستّ حزم من العقوبات الأوروبية على موسكو حتى مطلع يونيو/حزيران، اقتضت كلّ حزمة منها مشاورات مكثَّفة في أروقة الاتحاد وتجاذبات ألمانية داخلية أيضاً بشأن عواقبها المرتدّة على الجمهورية الاتحادية ودول أوروبا.
تتحاشى برلين المخاطرة بإمدادات الطاقة من روسيا رغم تجميدها مشروع خط الغاز الشمالي الثاني بُعيْد اجتياح أوكرانيا. تواجه الحكومة الألمانية صعوبات في تأمين بدائل مستقرّة لإمدادات الطاقة الروسية رغم تحرّكاتها الخارجية المكثفة في هذا الشأن، كما يتضح في مفاوضات عالقة مع الدوحة بشأن عقود الغاز المُسال.
وإذ تُعَدّ روسيا تهديداً لأوروبا وتحدِّياً استراتيجيّاً لها، فإنها كانت بالنسبة إلى ألمانيا شريكاً، وتبقى شريكاً محتمَلاً في المستقبل، على نحو يفرض على برلين إبقاء خطوط الرجعة مفتوحة.
ليس مستغرَباً أن سعت برلين، بمعية باريس، إلى إطلاق حوار استراتيجي أوروبي مع روسيا قبل شهور من اندلاع الأزمة الأوكرانية، لكنّ المسعى تعثّر بعد أن عرقلته واشنطن من وراء ستار عبر استنفار عواصم أوروبية شرقية مقرَّبة منها لمنع إقراره في قمّة بروكسل الأوروبية التي انعقدت في يونيو 2021.
ذلك أنّ إدارة بايدن أظهرت منذ البدء عزمها على حشد الأوروبيين في الخندق الأمريكي في مواجهة التمدّد الروسي والصعود الصيني، فاستدعت مقولات تقليدية من زمن الحرب الباردة عن اصطفاف أمم تؤمن بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. ثمّ هوى اجتياح أوكرانيا برهان ألمانيا وشركائها الأوروبيين على استئناس موسكو وتطويعها وإدماجها في شراكات متبادلة. دفعت الحرب برلين إلى مواجهة استحقاقات حَرِجة تفرض عليها المزاوجة بين الإقدام والإحجام في التجاوب مع ناظم الإيقاع الأمريكي بشأن الأزمة الأوكرانية مع مراعاة أولوياتها ومصالحها وهواجسها.