منخفض هيكليّ


اليوم التالي للهيكلة
منخفض هيكليّ
في الوقت الذي كان فيه المواطن الأردني الصبور ينتظر وصول منخفض جويّ، مرفقا بالغيث والخير من قبرص أو غيرها بإرادة المولى عزّ وجل، فإذ بمنخفض الهيكلة يحطّ على دماغه، وقد أحنى هيكله العظمي وشوّه هيكله العضلي أيضا. فما إن سمع الموظفون- في الأرض- بأنّ www.csb.gov.jo قد أطلّ عليهم بعد طول لأي وجهد وانتظار، حتى تدافعت الجموع موزعة بين مقاهي النت والكوفي والبيوت، ومن لم يسعفه الحظ في الوصول إلى ذلك لسبب أو لآخر، فقد لجأ إلى المسجات وألـsms وكافة صنوف التواصل الإلكتروني مع الأحباب والأصحاب ممن لديهم net لتزويدهم بالرقم الوطني وتاريخ الميلاد. ولم يطل الأمر كثيرا حتى جاءت البشائر تترى( يعني متتابعة)، وكلّ منهم قد هيأ لسانه وأوتاره الصوتية للقيام بزغرودة ما بعدها زغرودة عند سماع مقدار الزيادة الهيكلية التي انشغل القاصي والداني من الموظفين- في الأرض- بشأنها. وما هي إلا (نُقَيْراتٍ) على Enter وما جاورها من أزرّة حتى وقعت الواقعة على دماغ شريحة كبيرة منهم حيث كانت المفاجأة بأن هناك نقصانا في رواتبهم بدلا مما كان مؤملا بزيادة ما؛ مجزية أو غير مجزية. أما أن (يُقظمُ) الراتب عوضا عن زيادته؛ فتلك إذن هيكلية ضيزى.
وبعد أن بات الموظفون ليلتهم يضربون أصفارا بأصفار، خرجوا في الصباح الباكر صوب أعمالهم، وهنا ارتسمت على محياهم وملامحهم بعضا من الفرحة وشيئا يسيرا من الأمل عندما قرؤوا تصريح معالي وزير تطوير القطاع العام/ خليف الخوالدة بأنّ هناك احتمالية وجود خطأ في الموقع الإلكتروني لديوان الخدمة لاحتساب هيكلة الرواتب. وهذا يذكرنا بالخطأ الذي ارتكب في سالف الأيام عندما أعلنت نتائج الثانوية العامة في عهد معالي وزير التربية والتعليم إبراهيم بدران، حيث كان الخلل حينها في ألـ cd الممغنط( يعني المدمج) وفي الحالتين كانت مثل هذه الأخطاء التقنية سببا في الإرباك والارتباك لدى كافة المواطنين. ولكن المزعج في هذا الخطأ الآن أمور عدّة؛ منها أن الوطن والمواطن ليس بحاجة إلى هزّ بدنه؛ فالهزّ ذو أثر سيء على الهيكل العظمي ابتداء من الفقرات العنقية وانتهاء بالعصعص، وخاصة بوجود اهتزازات وارتجاجات هنا وهناك؛ مطلبية خدمية، وفردية وجماعية، سياسية واقتصادية واجتماعية. إضافة إلى ملفات تهتزّ في مكافحة الفساد منذ حول تقريبا. أي أن المواطن ليس بحاجة إلى خضات وهزات تفسد عليه حياته بعد أن أفسدها الفاسدون- في الأرض-. والبلد أيضا لا ينقصه مثل هذه الحركات غير المسؤولة التي تهيئ الأجواء إلى مزيد من التذمر والشعور بالانتقاص.
وبعد أن تصنّعت النفوسُ الهدوءَ قليلا بعد تصريح معاليه، اكتشف المترقبون المتلهفون أنّ المنخفض الهيكلي كان ضحلا، ولا يلبي طموحاتهم؛ حيث انخفض منسوب التوقعات في الزيادة إلى حدود دنيا، وبقيت المعادلة المعهودة كما هي؛ فالحرّاث سيبقى حرّاثا( الحرّاث هنا بالمعنى الدلالي وليس اللغوي) في حين سيظلّ الحرّاث حرّاثا أيضا. وفي ظلّ هذه الهيكلة، سوف تتغير بعض السلوكات العائلية؛ مثلا، عندما يذهب موظف ميريّ( أي قطاع عام) لخطبة عروس، فإنه سيعرف على نفسه في طورين مختلفين هما: ما كان عليه قبل الهيكلة وما أصبح عليه بعدها. وعندما يتقدّم في العمر ويصبح طاعنا في السنّ، فسيروي لأحفاده ذكرياته على مرحلتين؛ قبل الهيكلة وبعدها. زد على ذلك أن بعض المؤرخين للأحداث سيعتمدون الهيكلة تأريخا معتمدا؛ فسيقال عندئذ عن حدث ما أنه قد وقع قبل الهيكلة أو بعدها. لذا لا تُفاجأ أن تقرأ يوما ما خبرا مفاده بأن القضاء الأردني قد ألقى القبض على س أو ص في السنة السابعة للهيكلة؛ أي بعد عجاف سبع للهيكلة.
وهنا، هل تحتاج الهيكلة إلى هيكلة كما يشاع على ألسنة الناس الآن؟ وهل أزالت الهيكلة التّشوهات التي كانت موجودة حقّا؟ وهل فعلا سيتساوى راتب معلم في دوقرا أو بلعما مع قرينه في مؤسسة حكومية أخرى في ظلّ توحيد المرجعية للرواتب؟ وهل سنكتشف يوما قريبا بأنّ الزيادة الطفيفة ما هي إلا اقتطاع من مستحقات الموظف في بند ما نقلت إلى بند آخر( أي؛ من دهنه سقّيله).
وأخيرا، هل نحن بحاجة إلى عقد دورات ICDL مرة أخرى حتى لا نقع بأخطاء تقنية تشعل فتيل الانفلات والتذمر المشروع في الشارع الأردني الذي ضجّ من الزحام والفوضى والتخبّط في الرؤى والرّؤية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
y.yyyy35@yahoo.com