الحواجز الخمسة المعيقة للتغيير الفكري
اخبار البلد-
يواصل علماء الاجتماع الملتزمون بتقصي الحقيقة إجراء البحوث في الشأن الاجتماعي. ومن ذلك إجراء البحوث في موضوع التغيير الفكري أو السلوكي، وقد أدت بحوثهم فيه إلى اكتشاف خمسة حواجز تعيق تغيير المعتقد او وجهة النظر أو السلوك، وحتى التمسك الشديد بها إذا حاول آخر/ أخرى اقناعنا بغيرها ربما لأن سائر الناس يعتقدون أنهم بتغييرها يخسرون، أكثر مما يربحون. كما أنهم يعتقدون أن الأمور عندهم واضحة او أسود وأبيض، أي أن هناك وجهين لكل موضوع صحيحا او خطأ، بينما الوضع معقد أحياناً ولا يخضع لهذا التقسيم.
وعليه فلا نجاح محاولة تغيير عقلية ما أو سلوك ما يجب البحث عن جذر الاختلاف مع صاحبه أي محاولة الكشف عن الحواجز المعيقة للتغيير الفكري عنده.
يمتد نهر الأردن نحو مائتي كيلومتر من الجولان إلى البحر الميت. وينخفض نحو خمسمائة متر عن سطح البحر هناك، وكل من يشاهده هذا الانحدار والانخفاض يسأل: كيف حدث هذا؟ أي حادث أرضي صنعه؟ وهل حدث مرة واحدة ام دام طويلاً ليتكون؟ لقد احتاج إلى آلاف السنين ليحدث بفعل سقوط الماء العظيم من أعلى إلى أسفل. وبمثله تنشأ المعتقدات والأديان والمذاهب والأيديولوجيات والعصبيات والأفكار التي آلت إلينا. إنها لم تنشأه فجأة. لقد احتاجت إلى وقت طويل لتنشأ وتبقى وترسخ وتصبح طبيعة ثانية لكل منا.
عندما يحاول أحد ما اقناعنا بغير ما نعتقد فإن استهلاك الدفاع للطاقة يزيد ونرفض ما يعرض علينا. غير أن معرفة الحواجز المعيقة للتغيير قد تمهد الطريق للتغيير والاتفاق.
لقد كشف عالم الاجتماع الكبير جونا بيرجر في كتابه 2020 The catalyst، عن خمسة حواجز تعيق التغيير الفكري يجب التغلب عليها لإحداثه وهي:
المقاومة (Reactance) فعندما تقوم بمحاولة جافة لتغيير معتقدات، أو قناعات، أو مواقف، أو سلوك شخص آخر آو أخرى، فإنك تكون كمن يدفع أصحابها إلى الوراء، أو كمن يملي عليهم، لذا فإنهم يقاومونك بشدة ويرفضون قبول ما تعرض عليهم. لعلّ أفضل طريقة لإقناع هؤلاء الناس تشجيعهم على السير في طريق تؤدي الى ما ترغب فيه. او تقديم قائمة للاختيار من بينها، او ابراز الفجوة بينها وبين سلوكهم أو بناء الثقة بينك وبينهم.
السكون أو اللافعل (Endowment) تتمسك جملة الناس بالوضع الراهن (status quo). ولجعل التغيير سهلاً عندهم يُبرز دعاة التغيير لهم كلفة اللافعل، وأنه مكلف أي غير ما يظنون. على دعاة التغيير سؤال أنفسهم: ما الذي يجعل هذا الوضع جذاباً؟ هل هناك كلفة خفية له لا يدركها الناس؟ كيف نضع هذه الكلفة أمامهم؟ كيف نؤطر حالتهم أو نعيد صياغتها لتبدو خسارة كبيرة لهم؟ أم نحرق السفن ليضطروا إليه؟ المسافة (Distance) يهمل الناس ما هو بعيد عنهم. ومن ذلك وجهات النظر التي تبدو لهم بعيدة فتقع في منطقة الرفض. على دعاة التغيير تقليص المسافة أو جبرها ليحدث التغيير المنشود أي بالتغلب على تحيزاتهم، والمطالبة بالقليل في البداية للوصول إلى الكثير، أو معرفة المشترك معهم، والتركيز على الوسط المعتدل منهم لإحداث التغيير.
اللايقين (Uncertainty) بذور الشك تُبطئ التغيير وتصد رياحه وعلى دعاة التغيير ابعادها من المشهد بالدعوة إلى التجريب والاطلاع، وابقاء حرية الاختيار متاحة.
الدليل المؤيد (Corroborating evidence) يحتاج التغيير في أحيان كثيرة إلى الدليل المؤيد لدعوى دعاة التغيير. وعليهم أن يسألوا أنفسهم: هل يتعاملون مع تغيير خفيف أم مع جلمود صخر من المعتقدات أو القناعات…؟ وان يسألوا أنفسهم: ما مدى الكلفة أو الخطورة والوقت اللازم للتغيير المثير للجدل الذي يطالبون به الناس ليتغيروا؟ وهل لديهم أدلة أخرى مثل الاستشهاد بأكثر من مصدر من المصادر، لكن المستقلة والموثوقة؟ وختاماً، فإن التغيير يحدث بتأثير الخارج، أي أنه قلما يحدث ذاتياً أو من الداخل. وكما يقول أحد المفكرين فإن أكثر الناس شقاء هم الذين يخشون التغيير، وكأنهم مستعدون للتخلي عن حقوقهم ولا التخلي عن معتقداتهم أو قناعاتهم أو مواقفهم أو سلوكهم (الإدمان مثلاً).