هل تشهد منطقتنا حربا كبيرة؟
أخبار البلد-
ما تزال منطقة شرق المتوسط جالسة على برميل بارود منذ عقود. ولم تفعل الحروب المختلفة التي شهدها الإقليم سوى تعميق الخصومات ولم تحسم أياً من القضايا الرئيسية التي يدور حولها الخلاف. ومهما قيل عن غير ذلك، فإن عنصر التأزيم الأساسي الذي ضرب المنطقة منذ خروج الاستعمارات الأوروبية كان – وما يزال- الكيان الصهيوني. فإذا لم يكُن الكيان طرفاً مباشراً في الحرب، فإن كل الصراعات التي دارت وتدور في المنطقة تخدمه وحده دون سواه، سواء بإضعاف الأطراف الإقليمية الأخرى، أو صرف انتباهها عنه.
كانت الحرب العراقية الإيرانية حدثاً استنفد إمكانيات وانتباه عدوين مهمين للكيان. وأجهزت الحرب الأميركية على العراق واحتلاله على إمكانيات البلد نهائياً، وأبرزت الخلاف السني- الشيعي كعنوان مستجد للصراع الإقليمي على حساب الصراع مع الكيان. وكانت أبرز نتائج هذا الخلاف، إضافة إلى الإلهاء، هي تطبيع دول عربية إضافية مع الكيان، بضغط أميركي -بل واعتباره حليفاً للدول السنية ضد التهديد الشيعي.
عندما يبدأ الكيان الصهيوني حرباً مباشرة، فإنه يفعل إما لتصوره خطراً وجودياً عليه يريد أن يجهضه استباقياً، أو لتنفيس أزمات داخلية لائتلافاته الحاكمة بإثارة حرب صغيرة محدودة الأهداف. لكن الحرب التي يتردد الكيان كثيراً في خوضها مؤخراً، ولو أنه يهدد بها منذ وقت طويل، هي الحرب مع إيران. وقد قرأ البعض خطاب الكيان الحربي ضد إيران على أنه لضبط الساحة المحلية، كما وظفه نتنياهو بشكل خاص. وتُبرر هذه الحرب بأنها وجودية، لأن امتلاك إيران قنبلة نووية سيحرم الكيان من ميزته العسكرية الاستراتيجية. كما أن إيران هي الجهة الوحيدة تقريباً في الإقليم التي تبني قدراتها العسكرية –وخاصة الصاروخية- بمجهود ذاتي، وتجاهر أيضاً بخطاب صريح معادٍ للكيان لا يقل عن التهديد بإزالته من الوجود، وتتحدى الراعي والحامي الكبير نفسه، الولايات المتحدة.
هل يمكن تصور أن يفكر الكيان جدياً في تحييد مصدر التهديد الخارجي الوحيد تقريباً على هذا الأساس، خاصة الآن بعد إخراج الدول العربية الرئيسية من الصراع معه – بل وجلبها إلى جانبه؟ ولمَ لا؟ الآن، بعد إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وتوظيف قادتها في "أوسلو”، وتدمير العراق وسورية، لم يتبق سوى إيران وحلفاؤها (أو وكلاؤها) ليهددوا الكيان خطابياً ويمكن أن يهددوه عسكرياً. ولذلك، لم يتوقف الكيان عن خوض "حرب ظل” مع إيران وحلفائها بالغارات الجوية، والأعمال التخريبية، والاغتيالات والحرب السيبرانية، سواء داخل إيران أو حيث تتواجد ميليشيات موالية لها.
الآن، دخل عنصر توتير جديد إلى المنطقة هو تصاعد الخلاف بين لبنان والكيان على استغلال حقول الغاز في مياه شرق المتوسط. وقد جلب الكيان مؤخراً منصة عائمة لاستخراج الغاز من أراض "متنازع عليها” مع لبنان. وهذا وضع حزب الله اللبناني في وضع حرج، باعتباره يتصدر الخطاب ضد الكيان. وقد وضع الحزب قرار التدخل العسكري على كاهل الحكومة، لكنه قال إنه إما أن يستخرج الطرفان غاز المتوسط، أو لا يفعلان كلاهما. وسيكون استغلال الكيان للحقول اللبنانية من دون اتفاق إحراجاً كبيراً للحزب وصورته، ومن خلفه هالة إيران ونفوذها أيضاً. وستحدد مآلات هذا الموضوع الكثير من مستقبل الإقليم.
في الفترة الأخيرة، أثار الصحفي والمحلل السياسي نيري زيبلر السؤال مرة أخرى عن احتمال خروج "حرب الظل” التي يشنها الكيان غالباً على إيران عن السيطرة. ويتصور زيبلر أن هذه الحرب المباشرة، إذا اندلعت، ستكون أكبر من الحرب الأوكرانية وستجذب العالم إليها. وعندما يقول رجل السياسة الأميركي المخضرم، هنري كسينغر، أن ثمة أحداثاً كبيرة قادمة في الشرق الأوسط، فإن بالوسع تصور مثل هذه الحرب كجزء من هذه الأحداث – ولو أن هذه الحرب ستحتاج إلى موافقة – ومشاركة- الولايات المتحدة إلى جانب الكيان ليبدأها. لكن الطلقة الأولى قد تأتي من إيران – أو حزب الله- وتحرم الكيان ومرجعياته من تحديد الشروط.
قد يكون في ذهن الولايات المتحدة، في ظل محاولة قلب "النظام العالمي” الذي تتزعمه، أن تعود إلى الشرق الأوسط لحرمان روسيا والصين من مواطئ أقدامهما هنا. وقد تكون المصادقة على هذه الحرب جزءًا من مخطط لفوضى خلاقة. لكنها ستظل غير مضمونة النتائج ولا يمكن ضمان اصطفافاتها وأطرافها. هل سيحارب العرب المطبّعون إلى جانب الكيان إذا جُروا إلى الحرب؟ هل يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة إلى حد انتهاء وجود الكيان في المنطقة؟ هل ستُكسر شوكة إيران، فيذهب بذلك مبرر مهم لتدخل أميركا كحام. والتحالف مع الكيان لنفس السبب؟ كلها أسئلة لن تجيب عنها سوى الأحداث، إن وقعت.
كانت الحرب العراقية الإيرانية حدثاً استنفد إمكانيات وانتباه عدوين مهمين للكيان. وأجهزت الحرب الأميركية على العراق واحتلاله على إمكانيات البلد نهائياً، وأبرزت الخلاف السني- الشيعي كعنوان مستجد للصراع الإقليمي على حساب الصراع مع الكيان. وكانت أبرز نتائج هذا الخلاف، إضافة إلى الإلهاء، هي تطبيع دول عربية إضافية مع الكيان، بضغط أميركي -بل واعتباره حليفاً للدول السنية ضد التهديد الشيعي.
عندما يبدأ الكيان الصهيوني حرباً مباشرة، فإنه يفعل إما لتصوره خطراً وجودياً عليه يريد أن يجهضه استباقياً، أو لتنفيس أزمات داخلية لائتلافاته الحاكمة بإثارة حرب صغيرة محدودة الأهداف. لكن الحرب التي يتردد الكيان كثيراً في خوضها مؤخراً، ولو أنه يهدد بها منذ وقت طويل، هي الحرب مع إيران. وقد قرأ البعض خطاب الكيان الحربي ضد إيران على أنه لضبط الساحة المحلية، كما وظفه نتنياهو بشكل خاص. وتُبرر هذه الحرب بأنها وجودية، لأن امتلاك إيران قنبلة نووية سيحرم الكيان من ميزته العسكرية الاستراتيجية. كما أن إيران هي الجهة الوحيدة تقريباً في الإقليم التي تبني قدراتها العسكرية –وخاصة الصاروخية- بمجهود ذاتي، وتجاهر أيضاً بخطاب صريح معادٍ للكيان لا يقل عن التهديد بإزالته من الوجود، وتتحدى الراعي والحامي الكبير نفسه، الولايات المتحدة.
هل يمكن تصور أن يفكر الكيان جدياً في تحييد مصدر التهديد الخارجي الوحيد تقريباً على هذا الأساس، خاصة الآن بعد إخراج الدول العربية الرئيسية من الصراع معه – بل وجلبها إلى جانبه؟ ولمَ لا؟ الآن، بعد إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وتوظيف قادتها في "أوسلو”، وتدمير العراق وسورية، لم يتبق سوى إيران وحلفاؤها (أو وكلاؤها) ليهددوا الكيان خطابياً ويمكن أن يهددوه عسكرياً. ولذلك، لم يتوقف الكيان عن خوض "حرب ظل” مع إيران وحلفائها بالغارات الجوية، والأعمال التخريبية، والاغتيالات والحرب السيبرانية، سواء داخل إيران أو حيث تتواجد ميليشيات موالية لها.
الآن، دخل عنصر توتير جديد إلى المنطقة هو تصاعد الخلاف بين لبنان والكيان على استغلال حقول الغاز في مياه شرق المتوسط. وقد جلب الكيان مؤخراً منصة عائمة لاستخراج الغاز من أراض "متنازع عليها” مع لبنان. وهذا وضع حزب الله اللبناني في وضع حرج، باعتباره يتصدر الخطاب ضد الكيان. وقد وضع الحزب قرار التدخل العسكري على كاهل الحكومة، لكنه قال إنه إما أن يستخرج الطرفان غاز المتوسط، أو لا يفعلان كلاهما. وسيكون استغلال الكيان للحقول اللبنانية من دون اتفاق إحراجاً كبيراً للحزب وصورته، ومن خلفه هالة إيران ونفوذها أيضاً. وستحدد مآلات هذا الموضوع الكثير من مستقبل الإقليم.
في الفترة الأخيرة، أثار الصحفي والمحلل السياسي نيري زيبلر السؤال مرة أخرى عن احتمال خروج "حرب الظل” التي يشنها الكيان غالباً على إيران عن السيطرة. ويتصور زيبلر أن هذه الحرب المباشرة، إذا اندلعت، ستكون أكبر من الحرب الأوكرانية وستجذب العالم إليها. وعندما يقول رجل السياسة الأميركي المخضرم، هنري كسينغر، أن ثمة أحداثاً كبيرة قادمة في الشرق الأوسط، فإن بالوسع تصور مثل هذه الحرب كجزء من هذه الأحداث – ولو أن هذه الحرب ستحتاج إلى موافقة – ومشاركة- الولايات المتحدة إلى جانب الكيان ليبدأها. لكن الطلقة الأولى قد تأتي من إيران – أو حزب الله- وتحرم الكيان ومرجعياته من تحديد الشروط.
قد يكون في ذهن الولايات المتحدة، في ظل محاولة قلب "النظام العالمي” الذي تتزعمه، أن تعود إلى الشرق الأوسط لحرمان روسيا والصين من مواطئ أقدامهما هنا. وقد تكون المصادقة على هذه الحرب جزءًا من مخطط لفوضى خلاقة. لكنها ستظل غير مضمونة النتائج ولا يمكن ضمان اصطفافاتها وأطرافها. هل سيحارب العرب المطبّعون إلى جانب الكيان إذا جُروا إلى الحرب؟ هل يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة إلى حد انتهاء وجود الكيان في المنطقة؟ هل ستُكسر شوكة إيران، فيذهب بذلك مبرر مهم لتدخل أميركا كحام. والتحالف مع الكيان لنفس السبب؟ كلها أسئلة لن تجيب عنها سوى الأحداث، إن وقعت.