حرب ضد المخدرات.. جولة ميدانية للاطلاع على جهود حرس الحدود في التصدي لآفة المخدرات
أخبار البلد ــ يواجه الأردن منذ عشر سنوات وأكثر تحديات كبيرة على حدوده الشمالية، تهدد أمنه واستقراره وتستنزف موارده، فالأزمة المستمرة في سوريا وانعكاسات الحروب الإقليمية فيها والتجاذبات الجديدة التي خُلقت بسببها في منطقتنا بين القوى المتصارعة، فتحت الأبواب لتعظيم مخاطر لطالما كان الأردن يعاني منها، مثل خطر الإرهاب وتهريب المخدرات، الأمر الذي يستدعي تظافر كافة الجهود العسكرية والحكومية والمدنية من إعلام ومؤسسات مجتمع مدني وخبراء بهذا الشأن، والتصدي لهذا التهديد الفعلي.
واليوم؛ باتت المعركة التي تخوضها القوات المسلحة الأردنية وإدارة مكافحة المخدرات تُشن على جبهتين، الأولى خارجية، من خلال التصدي الحازم لعمليات تهريب المخدرات عبر الأردن إلى دول أخرى، انطلاقاً من الحدود السورية؛ والثانية داخلية، حيث التصدي لتزايد انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وترويجها بالتوازي مع المشكلات الاجتماعية والنفسية في ظل تردي الظروف الاقتصادية والمعيشية بين الناس نتيجة للأزمات الأخيرة التي تعرضت لها المملكة كغيرها من دول المنطقة.
وهذا بالذات ما دفع المكتب التنفيذي للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والذي يضم في عضويته التحالف الوطني لتعزيز مكافحة المخدرات في الأردن، التابع لمنتدى قطاع العدالة، والمنبثق عن منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ودرة المنال للتنمية والتدريب، لترتيب زيارة خاصة للحدود الشمالية الشرقية يوم الاثنين، 6 حزيران/ يونيو 2022، للتعرف عن كثب حول آلية عمل قوات حرس الحدود في حربها ضد المخدرات ومهربيها، وذلك ضمن أنشطة "المكتب التنفيذي" و"التحالف الوطني" لمكافحة المخدرات، وفي إطار فعاليات الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة المخدرات الذي يصادف يوم 29 حزيران/ يونيو القادم.
البداية كانت مع قائد لواء الشهيد الملك عبد الله الأول الآلي/ 90، الذي أشار إلى أن المنطقة العسكرية الشرقية هي الخط الأول للدفاع عن المملكة، مؤكداً أن أحداث سوريا شكلت عبئاً إضافياً على القوات المسلحة بسبب الانفلات الأمني فيها وغياب التنسيق والتعاون بيننا.
وخلال الفترة الماضية؛ تلمس الجيش الأردني استخدام أسلوب القوة من المهربين، والذين يمكن أن تصل أعدادهم للعشرات لتنفيذ عملياتهم، وأصبح لديهم تكتيكات جديدة كعصابات الجريمة المنظمة واستخدام طائرات بدون طيار ومركبات وأسلحة فتاكة.
ويوضح قائد اللواء أنه يُطلق على من يمتهن عبور الحدود للتهريب اسم "حمالة" أي من ينقلون المواد المهربة من الجانب السوري إلى الجانب الأردني مقابل أجر على كل حمولة، وغالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص من فئة الشباب.
بدوره؛ بين ركن أول استخبارات، أنه تم رصد العديد من الجماعات التي تمارس تصنيع ونقل المخدرات وتخزينها بالقرب من الحدود الأردنية، لتسهيل عملية تهريبها إلى المملكة.
مضيفاً؛ بأن جماعات تهريب المخدرات، تستخدم طرقاً متنوعة لتنفيذ عملياتهم، تشمل استخدام الآليات الثقيلة وصولاً لاستخدام طائرات مسيرة محملة بالمواد المخدرة، إضافة إلى استخدامهم لطرق أخرى تعتمد على رصد واستطلاع مواقع انتشار القوات المسلحة ومحاولة التمويه عن طريق تنفيذ عمليات وهمية.
وبحسبه؛ تم رصد الكثير من شبكات التهريب، والتي تنتشر وتعمل ضمن المنطقة الجنوبية السورية، حيث تم إحباط الكثير من محاولة تهريب منذ بداية العام، بواقع 20 مليون حبة (كبتاجون) و20 ألف كف حشيش و78 ألف حبة (ترامادول)، إضافة إلى تمكن الجيش من قتل واعتقال عشرات المهربين.
وبخصوص آلية تنفيذ قواعد رد الفعل مع هذه الجماعات والشبكات، أشار قائد كتيبة حرس الحدود/4 الملكية، إلى أنه من أهم مسؤوليات الكتيبة تتمثل بمنع كافة أشكال التسلل والتهريب من وإلى أراضي المملكة، ومراقبة الحدود وتمرير كافة المعلومات عنها. منبهاً إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه الكتيبة يتعلق بعوامل الطقس وتغيرها سواء بالشتاء لظهور الضباب وفي الصيف انتشار الغبار.
أما قائد سرية حرس الحدود الأولى التابعة لكتيبة حرس الحدود/4 الملكية، فتحدث عن آلية التعامل مع المتسللين من خلال مبدأ "الكمين"، التي تبدأ برصد المعلومات الأولية عن محاولات التسلل عبر الحدود، ومن ثم التعامل مع كل من يقترب من الأسلاك الشائكة، مبيناً أن المراقبة أثناء النهار تكون باستخدام المناظير النهارية، وفي الليل باستخدام نظارات ليلية.
بينما قال رئيس التحالف، اللواء المتقاعد طايل المجالي، مدير إدارة مكافحة المخدرات الأسبق: "إن القوات المسلحة الأردنية درع الوطن، ساهمت بحماية الأسر الأردنية من آفة المخدرات، وكذلك كان لهم فضل كبير بحماية المنطقة من هذه المشكلة الخطيرة".
وبتقديره؛ فإن في سوريا نحو 450 مصنعاً للمخدرات، وتحديداً في المناطق القريبة من حدودنا، ويقوم عليها جماعات منظمة تمتلك درجة تسليح عالية جداً ولديها أموال كبيرة، وهدفها الأول إغراق المنطقة العربية بالمخدرات.
فيما ثمنت عضوة التحالف، المديرة التنفيذية لمؤسسة درة المنال للتنمية والتدريب، منال الوزني، الانفتاح على المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والإعلامية، معتبرة أن الزيارة كانت "رحلة فريدة من نوعها لمعرفة الصعوبات التي تواجهها الحكومة الأردنية في مكافحة المخدرات"، موضحة في ذات السياق أنها "لم تتوقع أن تكون مساحة الحدود الشمالية واسعة لهذه الدرجة وتتحمل كل هذه المخاطر".
أما عضو التحالف المنسق العام الحكومي لحقوق الإنسان، نذير العواملة، فقدر الجهود التي تقوم فيها الحكومة الأردنية والقوات المسلحة للتصدي للمخاطر التي تحيق بحدودنا الشمالية، حاثاً مؤسسات المجتمع المدني الاستمرار بعملها والتنسيق للاستجابة للأزمات التي تواجه المملكة.
وتساءل عضو التحالف، رياض الصبح، حول إذا ما كانت عمليات التهريب غرضها سياسي أم تجاري؟ مشيراً إلى أهمية عودة التنسيق الأمني بين الجانبين الأردني والسوري للتصدي لمروجي ومهربي المخدرات.
بينما ذهبت عضوة التحالف، والمتخصصة بعلم الجريمة، د. خولة الحسن، إلى أهمية تكاتف الجهود بين الجميع للحد من انتشار وتعاطي المخدرات، فضلاً عن أهمية تعزيز جانب الردع بشكل علمي ومدروس؛ لكي لا يعود المدمن للتعاطي مرة أخرى.
ختاماً، إن التحديات الاقتصادية وعدم توفر البنية التحتية مجتمعياً الجاهزة للتعامل مع كل هذه التحديات، يتطلب وضع خطة أو استراتيجية تشتمل على جميع المحاور التي تحد من مخاطر انتشار المخدرات، وتعمل على تعزيز التنسيق وتؤمن أدوات الاستجابة عند الحاجة. ولذلك بدأ التحالف الوطني لمكافحة المخدرات منذ أشهر عديدة، بوضع خطة تجمع المعنيين بهذا الشأن للتحاور، والعمل على رفع الوعي المؤسسي حول تطورات الموضوع من كل الجوانب، وتضع تصورات جمعية للحلول الممكنة، لكن المطلوب أكبر بكثير للاستجابة لهذه الأزمات الداخلية والإقليمية معاً، والإسهام في عدم تضييع الفرص، وتوفير الجهوزية المطلوبة لتداعيات هذه الأزمات مجتمعياً.