زوال «إسرائيل».. عقيدة أم رؤية؟

أخبار البلد-

 

خلال شهر تقريباً تحدث عن زوال «إسرائيل» كل من رئيس الوزراء الأسبق أيهود باراك، ورئيس الوزراء الحالي نفتالي بينت، والمؤرخ الإسرائيلي المعروف الدكتور عوفر الوني، ورئيس الموساد الأسبق «تامير باردو»، وقد تناول كل منهما فرضية أو نظرية زوال «إسرائيل من زاوية محددة، فايهود باراك أخذها من زاوية دينية–تاريخية حيث قال في مقاله المنشور في صحيفة يديعوت احرونوت في السابع من الشهر الماضي (... على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن)، أما نفتالي بينت الذي لم يبتعد كثيراً عما قاله أيهود باراك فقد ارجع مخاوفه بالإضافة لعقدة «العقد الثامن» لما يسمى بدولة إسرائيل، أرجعها إلى الإرهاصات السياسية والصراع داخل دولة الاحتلال من أجل السلطة وقال (... إنّ إسرائيل وصلت قبل عام إلى واحدة من أصعب لحظات الانحطاط التي عرفتها على الإطلاق.. فوضى ودوامة انتخابات لا تنتهي، وشلل حكومي) وهو تشخيص يستهدف نتنياهو بشكل خاص وتفوح منه رائحة ثأرية حزبية وسلطوية، أما تامير باردو فركز على فقدان إسرائيل للهوية «الموحدة» والتناقض الداخلي بين المكونات التي تحولت لحالة صراعية خطيرة وهو تشخيص يقترب مما ذهب إليه المؤرخ عوفر ألوني الذي يعيش في ألمانيا حيث ناقش في مقاله المهم في صحيفة هارتس والمنشور يوم الجمعة الماضي الأبعاد العقائدية لتأسيس دولة الاحتلال والتناقضات الداخلية التى بدأت تظهر في داخلها وتحديداً الصراع الديني والقومي وخلص إلى نتيجة مهمة واختصرها بما يلي (... إسرائيل دولة مضطربة ومشوشة مثل الرؤية في حلم مروع، ودولة مضحكة مثل النكتة، وفاقدة للمصداقية، وأثبت التاريخ أنها ولدت بالخطأ).

تشخيص عوفر ألوني هو الأكثر إثارة للجدل والأقرب لقناعاتنا نحن العرب، فدولة الاحتلال لا تملك أي مسوغ تاريخي أو قانوني لكي تبرر وجودها على حساب أرض لشعب آخر، فهي ولادة خاطئة، وأستطيع وصفها بأنها ولادة «بالحرام» بكل ما تعنيه هذه الكلمة، الحرام التاريخي، والحرام السياسي، والحرام الأخلاقي، فدولة الاحتلال تمارس كل أشكال الفصل العنصري والاضطهاد الديني والقومي ليس بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة المحاصر، بل داخل دولة الاحتلال نفسها ضد المواطنين العرب، أصحاب الأرض في دولة تدعي أنها دولة ديمقراطية علمانية، في حين أن واقعها يؤكد أنها باتت دولة «دينية يهودية»، وهو ما يعني أن العربي داخل هذه الدولة سواء أكان مسلماً أو مسيحياً وإن حمل هويتها المدنية فهو مواطن من الدرجة الثالثة، لأن المواطن من الدرجة الثانية هم «الاثيوبي» أو «الفلاشا» الذين يعيشون وهم أنهم يهود.

إن هذا الشعور الطاغي بزوال «إسرائيل» هو رجع الصدى للاشعور الذي يستحضر فكرة اللصوصية التاريخية «المعتمرة بداخل عقل ووجدان كل من يدعي بأن أرض فلسطين هي أرضه التاريخية، فهذه عقدة نقص باتت وبعد احتدام الصراع على أدق التفاصيل وتحديداً الرموز والمتمثلة بالحرم القدسي الشريف والعلم الفلسطيني أو الكوفية أو حتى الدبكة وغيرها، باتت تُفقد المحتل «المُختل» توازنه وشعوره بالأمان، وبالتالي فإن استحضار فكرة زوال «إسرائيل» هي حالة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعقدة الثالوث الوجودي لهذه الدولة المصطنعة والمتمثل بغياب الحق الديني، والحق التاريخي، والحق القانوني، والتي تشكل مجتمعة الحضور الدائم والمؤرق للسؤال الوجودي المؤلم والمركب «متى وكيف ستزول إسرائيل"؟