العالم يتحرك نحو روسيا.. وبوتين ينتقي من يريد!
أخبار البلد - باتت روسيا قبلة للباحثين عن حل مشكلاتهم الغذائية، وهناك من تحرك باتجاهها سريعا لكونه الحلقة الأضعف مثل الأفارقة، وهناك من هو متردد، خاصة بالنسبة إلى الدول الأوروبية التي باتت أميل إلى القبول بشرط روسيا استعادة التعاون مقابل التغاضي عن العقوبات، فالمواد الغذائية والأسمدة والغاز مواد أخرى كثيرة أهم من المكابرة، وهو ما بدا واضحا في كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حث السبت على عدم "إهانة روسيا”.
يأتي هذا في الوقت الذي يبدو فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير متأثر بالعقوبات ولا بالمزايدات، وهو الذي سيكون في وضع من ينتقي مع من يتعاون قياسا على المواقف.
ويقول مراقبون إنه لا شك أن الأضعف هو من يتحرك أسرع نحو روسيا، لكن الجميع يواجه نفس المشكلة. وإذا كان الأفارقة يتحدثون اليوم عن الغذاء والحبوب، فمسألة وقت لكي يبدأ آخرون بالقدوم للحديث عن نفط وغاز وأسمدة وغازات نبيلة ومعادن نادرة ومنصات إطلاق للأقمار الصناعية.
وأعلن رئيس الاتحاد الأفريقي الرئيس السنغالي ماكي سال الجمعة أنه خرج "مطمئنا” إثر لقائه الرئيس الروسي بعد أن أعرب له عن مخاوفه حيال أثر الأزمة الغذائية على أفريقيا.
وقال سال في ختام هذا اللقاء في سوتشي بجنوب روسيا "نخرج من هنا مطمئنين جدا ومسرورين جدا بمحادثاتنا”، مضيفا أنه وجد الرئيس الروسي "ملتزما ومدركا أن أزمة العقوبات تتسبب بمشاكل خطيرة للاقتصادات الضعيفة مثل الاقتصادات الأفريقية”.
Thumbnail
وأضاف سال أن بوتين تطرق إلى "العديد من الوسائل لتسهيل التصدير، إما عبر ميناء أوديسا” الذي يجب أن تنزع الألغام منه أو عبر "ميناء ماريوبول” الذي استأنف العمل في الآونة الأخيرة مع سيطرة موسكو على المدينة، أو حتى "عبر الدانوب” أو "بيلاروسيا”.
وتخشى الأمم المتحدة "مجاعة” لاسيما في دول أفريقية كانت تستورد أكثر من نصف القمح الذي تحتاج إليه من أوكرانيا أو من روسيا في حين لا يمكن لأيّ سفينة الخروج من مرافئ أوكرانيا بسبب النزاع.
وأكد سال أن الدول الأفريقية تعاني تداعيات الهجوم الروسي على أوكرانيا علما أن "غالبية الدول الأفريقية تجنبت إدانة روسيا” خلال عمليتي التصويت في الأمم المتحدة وأنه مع "آسيا والشرق الأوسط وكذلك أميركا اللاتينية، وفضّل قسم كبير من البشرية” البقاء بمنأى عن النزاع.
ويعتقد المراقبون أن زيارة رئيس الاتحاد الأفريقي إلى روسيا كسرت فكرة العقوبات مطلقا مثلما أرادتها الولايات المتحدة وأوكرانيا، وأن الاختراقات باتت بشكل علني، وليس فقط مجرد تسريبات عن تهريب سفينة أو اثنتين تنقلان القمح أو الذرة، مشيرين إلى أن روسيا حوّلت العقوبات إلى صالحها خاصة بعد تصريحات أوروبية كثيرة تدعو إلى الفصل بين العقوبات وتوريد المواد الغذائية والغاز، أي تدعو إلى خرق كبير في العقوبات يمكّن روسيا من الحصول على عائدات كبيرة.
الآخرون سيأتون إلى موسكو للحديث عن نفط وغاز وأسمدة وغازات نبيلة ومعادن نادرة ومنصات إطلاق للأقمار الصناعية
وآخر التصريحات المثيرة للجدل جاء على لسان الرئيس الفرنسي الذي قال إن من الأهمية بمكان ألا تتعرض روسيا للإهانة حتى يتسنى إيجاد حل دبلوماسي، مضيفا أنه يعتقد أن باريس ستلعب دور الوساطة لإنهاء الصراع.
وسعى ماكرون للحفاظ على الحوار مع بوتين منذ التدخل الروسي في أوكرانيا في فبراير الماضي. وانتقد بعض الشركاء في شرق أوروبا ومنطقة البلطيق موقفه مرارا وتكرارا حيث يرون أنه يقوّض الجهود الرامية إلى الضغط على بوتين للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وقال ماكرون في حديث لعدد من الصحف الإقليمية نُشر السبت "يجب ألا نهين روسيا حتى نتمكن في اليوم الذي يتوقف فيه القتال من إيجاد مخرج عبر الوسائل الدبلوماسية… أنا مقتنع بأن دور فرنسا هو أن تكون قوة وسيطة”.
ويتحدث ماكرون مع بوتين بانتظام منذ التدخل الروسي في إطار الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وبدء مفاوضات يعتد بها بين كييف وموسكو.
وانتقد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا السبت دعوات الرئيس الفرنسي إلى "عدم إذلال روسيا”، معتبرا أن هذا الموقف يؤدي إلى "إذلال فرنسا”.
وكتب كوليبا على تويتر أن "الدعوات إلى تجنب إذلال روسيا تؤدي فقط إلى إذلال فرنسا أو أيّ بلد آخر، لأن روسيا هي التي تذل نفسها. من الأفضل أن نركز جميعا على كيفية إعادة روسيا إلى مكانها. من شأن ذلك أن يجلب السلام وينقذ الأرواح”.
ومن المفارقة أن رؤساء الوزراء البريطاني والكندي والبرتغالي ووزير الخارجية الأميركي والرئيس البولندي ورؤساء دول البلطيق جميعهم زاروا أوكرانيا باستثناء إيمانويل ماكرون الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي، ويقول رغم الضغوط إنه لن يذهب إلا "عندما يحين الوقت”.
وسئل الرئيس الفرنسي الثلاثاء أيضاً عن هذا الموضوع، فردّ "جوابي نفسه دائماً. في الوقت المناسب، وفي الظروف المناسبة، سأقوم بهذه الرحلة”.
ولم يظهر إلى حد الآن أن روسيا قد تأثرت بالعقوبات التي فرضها عليها الغرب، خاصة على قطاعي النفط والغاز، حيث لا شيء قد تغير.
ويعتقد المراقبون أن الرئيس الروسي لا يهمه لمن يبيع الغاز أو النفط طالما أن السعر عال جدا خاصة بعدما حافظ حلفاؤه في أوبك+ على زيادات محدودة، وهو مرتاح للأسعار الحالية، مشيرين إلى أن الصين يمكن أن تشتري كل إنتاج روسيا من النفط فيما ستلقي العقوبات بظلالها على المستهلكين في أوروبا.
وانقضت الآن ثلاثة أشهر منذ أن أعلن الغرب عن العقوبات على روسيا، والأمور لا تسير وفق الخطة، بل على العكس، فإن الأمور تسير بشكل سيء للغاية بالنسبة إلى الأوروبيين.
وأدت الحرب إلى ارتفاع أسعار الحبوب التي تجاوزت ما كانت عليه إبان الربيع العربي عام 2011 وأعمال الشغب بسبب نقص الغذاء عام 2008.
وقد أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن ما بين 8 و13 مليون شخص إضافيين قد يعانون سوء التغذية في العالم إذا استمر هذا الأمر.
لكن لم تعد تخرج سفن من أوكرانيا التي كانت أيضا رابع مصدر للذرة وفي طريقها لتصبح ثالث مصدر عالمي للقمح في العالم وتؤمن وحدها 50 في المئة من التجارة العالمية في البذور وزيت عباد الشمس قبل النزاع.
وتؤكد موسكو أن عرقلة مرور الحبوب ليس بسببها ولا نتيجة لوجود أسطولها الحربي قبالة أوكرانيا وإنما نتيجة قيام كييف بتفخيخ موانئ أوكرانية.
كما أن صادرات الحبوب الروسية عالقة أيضا إلى حد كبير بسبب العقوبات اللوجستية والمالية التي يفرضها الغرب. ولتجنب استمرار الأزمة، طالب الكرملين برفع العقوبات وبنزع الألغام من موانئ أوكرانية وهو موقف اعتبرته كييف "ابتزازا”.