بيل غيتس ووارين بافيت وغيرهما.. لماذا يكره هؤلاء المشاهير البيتكوين؟
أخبار البلد ــ على مدار سنوات، كان صعود البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية مثارا لحديث الجميع، باعتباره أهم اتجاهات عالم المال والأعمال. وعلى الرغم من الكثير من الأزمات التي مرَّت بها هذه العملات، فإنها تشهد في الفترة الأخيرة واحدة من أكبر مراحل انهيارها منذ سنوات. فبحسب "بلومبيرغ"، أدَّت عمليات البيع المكثفة إلى محو 200 مليار دولار من سوق العملات الرقمية خلال يوم واحد فقط.
هذه الخسائر الضخمة أعادت إلى الأذهان مرة أخرى مجموعة من أهم رجال الأعمال والاقتصاديين حول العالم، الذين استمروا لسنوات طويلة في التشكيك في مصداقية العملات الرقمية عموما والبيتكوين خصوصا، حتى وهي في أعلى مستوياتها. وأصبح البعض يتساءل: هل كان هؤلاء على حق ولو جزئيا؟ أم أن العملات الرقمية باتت واقعا يفرض نفسه على الجميع، والهبوط الحالي هو أمر مؤقت يتبعه صعود قريب؟
بيل غيتس.. موقف متذبذب
مؤسِّس "مايكروسوفت"، أغنى رجل على وجه الأرض لعدة عقود، الملياردير وفاعل الخير الأميركي الشهير بيل غيتس الذي تُقدَّر ثروته بنحو 125 مليار دولار الآن، موقفه من العملات الرقمية عموما والبيتكوين خصوصا يمكن وصفه بـ "الموقف المتذبذب"، أو كما وصف هو بنفسه موقفه من العملات الرقمية بأنه موقف مُحايد، ليس داعما وليس رافضا، ولكنه بالتأكيد ليس مُعجبا بها.
بالعودة إلى عام 2014، كانت نظرة غيتس للعملات الرقمية تميل إلى الدعم والتفاؤل، حيث أبدى إعجابه بمزاياها خصوصا فيما يخص طرق التحويلات السريعة، حيث قال إن البيتكوين أفضل من العملات العادية في سرعة وكفاءة التحويلات، خصوصا بالنسبة للتحويلات المالية الكبيرة.
ولكن هذه النظرة تغيرت بوضوح بقدوم عام 2018، في حوار أجراه مع شبكة "CNBC" المتخصصة في الاقتصاد، قال غيتس إنه امتلك بالفعل بعض العملات من البيتكوين التي أُهديت له في عيد ميلاده، ولكنه باعها لاحقا. ذكر غيتس في تلك الفترة أنه أصبح غير مهتم بشكل خاص بالتداول في العملات الرقمية، بعدما تبيَّن له أن الفكرة الأساسية لهذه العملة هي أنك تبيعها إلى شخص آخر بسعر أكبر، فيأخذها الشخص الآخر ثم يبيعها لشخص ثالث بسعر أكبر، وهكذا، دون أن تعني هي في حد ذاتها أي شيء.
أشار غيتس في اللقاء نفسه إلى أن تداول العملات الرقمية يُعَدُّ مثالا صافيا لنظرية "الأحمق الأعظم" (Greater Fool Theory)، وهي نظرية تعني تدافع الناس لشراء أصل ما وهمي لا قيمة له، بالاعتماد على قدوم المزيد من المستثمرين لاحقا للشراء بسعر أكبر، أي الاعتماد على ظهور أحمق أكبر دائما على استعداد لدفع أموال أكبر، تأثرا بنشاط سوق ما وليس بناء على القيمة الجوهرية التي يُقدِّمها الاستثمار في الأصل.
ومع ذلك، لم ينفِ أبدا غيتس في تصريحاته كافة أنه ظل مهتما بتقنية البلوكتشين التي تقف خلف العملات الرقمية، وأنها "تقنية جيدة بالفعل" فيما يخص مشاركة قواعد البيانات وتأمين التحويلات. ومع تحفُّظاته، فإن مؤسسته الضخمة للأعمال الخيرية "مؤسسة بيل وميلندا غيتس للأعمال الخيرية" تقبل التبرعات وإجراء التحويلات المالية من خلال عدد من العملات الرقمية.
لكن أكثر مواقف غيتس هجومية على العملات الرقمية كان في لقاء مع شبكة "بلومبيرغ" في فبراير/شباط 2021، أبدى فيه حذره فيما وصفه بـ "الجنون" الذي يحدث في عملة البيتكوين، حيث يمكن أن تتغير قيمتها بناء على تغريدة يطلقها رائد الأعمال الأميركي المثير للجدل، إيلون ماسك، عبر حسابه على تويتر. وقال غيتس تعقيبا على ذلك: "ماسك يملك الكثير من المال، لذلك لا يشغلني إن كانت قيمة عملاته الرقمية تعلو أو تهبط. لذلك أعتقد أن الأشخاص الذين يشاركون في هذا الجنون يجب أن يكون لديهم الكثير من المال الفائض عن حاجتهم. إذا كنت تملك مالا أقل من إيلون ماسك، فينبغي لك أن تكون حذرا". (3، 4، 5)
وارين بافيت.. عداء صريح
وارين بافيت"إذا كنت تملك كل عملات البيتكوين الموجودة في العالم، وعرضتها عليّ لأشتريها منك مقابل 25 دولارا، فلن أشتريها منك".
وارين بافيت ليس اسما عاديا في عالم الاستثمار في الأسهم، بل ربما يُعَدُّ أهم اسم في هذا المجال على مدار عقود. رجل الأعمال الأميركي صاحب الـ 92 عاما، رئيس مجلس إدارة شركة "بيركشاير هاثاواي" التي تستثمر في أسهم معظم الشركات والعلامات التجارية الضخمة، الذي يمتلك ثروة تُقدَّر بنحو 110 مليار دولار جمعها كاملة من خلال الاستثمار في أسواق الأسهم.
نحن إذن نتحدث عن مستثمر مخضرم بارع في عالم الاستثمار واقتناص الفرص، صدر له وعنه مئات الكتب واللقاءات حول المال والأعمال. كانت المفاجأة للجميع أن شخصا بهذه العقلية الاستثمارية الضخمة يُعَدُّ من أكثر المشاهير عداوة للعملات الرقمية، منذ ظهورها حتى الآن.
في أحد لقاءاته المفتوحة مع المستثمرين في مؤسسته العملاقة، وجَّه له أحد الحضور سؤالا حول العملات الرقمية، فكانت إجابته: "إذا كان الحاضرون في هذه الغرفة يملكون الأراضي كافة في الولايات المتحدة، أو الشقق كافة في البلاد، وعرضوا عليّ شراء 1% من هذه الممتلكات مقابل 25 مليار دولار، فسأكتب لهم شيكا فورا بالمبلغ. ولكني لن أفعل الأمر نفسه بالنسبة للعملات الرقمية، في الواقع لن أشتري كل البيتكوين الموجود في العالم مقابل 25 دولارا فقط".
ثم شرح بافيت وجهة نظره بالتفرقة بين الأصول والبيتكوين، حيث قال إن الأصول مثل الأراضي والعقارات والمزارع والأسهم تُعَدُّ أصولا إنتاجية تُقدِّم قيمة حقيقية، بينما العملات الرقمية هي شيء يعتمد على اندفاع شخص ما للشراء منك، ثم البيع لشخص آخر، دون أن تملك أية قيمة جوهرية. يتفق بافيت في رؤيته هذه مع بيل غيتس، لكنه أكثر تشدُّدا في معاداة البيتكوين كما يبدو.
وقد كان من أكثر تصريحاته عدائية ضد العملات الرقمية هو ما أطلقه في حوار صحفي لشبكة "CNBC" عام 2018، حيث أكَّد أن العملات الرقمية ستنتهي نهاية سيئة، وأنه حتى إذا استمر صعودها خلال السنوات الخمسة أو العشرة المقبلة فإنه يظل متأكدا من شيء واحد، وهو أنها لا تُنتج أي شيء. وعلَّل بافيت انجذاب الناس للاستثمار فيها بأن طبيعة الناس الانجذاب لأي شيء "سحري". (6، 7)
جيمي ديمون.. الكثير من الكراهية
نحن نتحدث عن واحد من أشد الكارهين للعملات الرقمية، ربما بشكل مُبالغ فيه لدرجة أنه يرفض أن يُطلِق عليها مصطلح "عُملة". جيمي ديمون رجل أعمال أميركي تُقدَّر ثروته بنحو 1.8 مليار دولار، وهو مصرفي مخضرم يعمل رئيس مجلس إدارة مؤسسة "جي بي مورغان" الذي يُعَدُّ من أكبر 4 مصارف أميركية، وصُنِّف عدة مرات من بين أكثر 100 شخصية تأثيرا في أعوام مختلفة.
تولَّى ديمون منصبه رئيسا تنفيذيا لبنك الاستثمار الدولي "جي بي مورغان" عام 2005، ويُعَدُّ حتى الآن رمزا في القطاع المصرفي والاستثماري. في عام 2015، ظهر أول نقاش له حول البيتكوين، حيث صرَّح في هذا العام بوضوح: "لن تقبل أي حكومة بدعم عملة افتراضية تنتقل عبر الحدود وليس لديها أدنى تحكُّم بها، يستحيل أن يحدث ذلك". بالتأكيد اتضح له أنه كان مخطئا.
في عام 2017، عاد ديمون مرة أخرى بتصريح مثير للجدل أطلقه في منتصف أحد المؤتمرات، وصف فيه العملات الرقمية بأنها احتيال (Fraud)، قائلا إن النهاية الحتمية للبتكوين ستكون سيئة، بل بالغ ديمون في عدائه للعملات الرقمية عندما هدَّد الموظفين في مؤسسته المصرفية العملاقة بأنهم ينبغي تسريحهم من وظائفهم إذا ثبت أنهم يتداولون في العملات الرقمية، لأنهم سيكونون "أغبياء" بحد وصفه.
لاحقا، ومع النجاحات التي حقَّقتها العملات الرقمية في السنوات التالية، خفَّف ديمون من حِدَّة هجومه، وصرَّح بأن تقنية البلوكتشين التي تقوم عليها العملات الرقمية واعدة. المثير للسخرية أن بنك "جي بي مورغان" قام في عام 2019 بإطلاق عملة رقمية خاصة به أطلق عليها اسم "JPM". ومع ذلك، استمر ديمون في إطلاق تصريحاته المعادية للعملات الرقمية، وأنها ستظل في نظره دائما "عديمة القيمة" على الرغم من كفاءة تقنية البلوكتشين. (8)
الوليد بن طلال.. إنرون تحت الإنشاء
على الرغم من أنه ليس لديه تصريحات متعددة تؤيد أو ترفض العملات الرقمية كسابقيه، فإن الأمير السعودي الوليد بن طلال بن عبد العزيز، مؤسس ومالك شركة "المملكة القابضة" التي تستثمر في عدد كبير من الشركات والعلامات التجارية، سبق أن أبدى موقفا مُتحفِّظا تجاه العملات الرقمية قبل سنوات.
في حواره مع شبكة "CNBC"، قال الأمير الوليد عن البيتكوين والعملات الرقمية: "الأمر لا يبدو مفهوما. هذا الشيء ليس مُنظما، وليس خاضعا للتحكم، وليس خاضعا للمراقبة. أنا ببساطة لا أُصدِّق هذا الشيء الذي يُطلق عليه بيتكوين، وأعتقد أنه فقاعة ستنفجر يوما ما. أعتقد أنها إنرون (Enron) جديدة تحت الإنشاء".
كان الأمير يقصد في تصريحه هذا الإشارة إلى شركة "إنرون" الأميركية العملاقة للطاقة التي تعرَّضت إلى الإفلاس عام 2001 في أكبر فضيحة مالية على مدى سنوات طويلة، حيث كانت قيمتها ترتفع في البورصة باستمرار عبر تضخيم أرباحها اصطناعيا وإخفاء خسائرها، من خلال استخدام شركات خيالية وتزوير حسابات بهدف تعزيز قيمتها في البورصة، مما أدى إلى انهيارها بالكامل لاحقا. (9)
نوريل روبيني "البيتكوين هي أم وأب كل أنواع التزوير والفقاعات".
ربما يكون اسم نوريل روبيني غير معروف إعلاميا بشكل كافٍ، ولكنه حتما معروف بشدة في أروقة الاقتصاديين. روبيني هو اقتصادي أميركي من أصول إيرانية، يعمل أستاذا في مادة الاقتصاد في جامعة نيويورك، ويُعَدُّ واحدا من أكثر الأصوات المُعادية للعملات الرقمية، الذي لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأن تصريحاته باعتباره واحدا من أوائل الاقتصاديين الذين تنبأوا بالأزمة المالية العالمية قبل وقوعها عام 2008.
وعلى عكس غيره من الاقتصاديين الذين أبدوا قلقا تجاه العملات الرقمية، ولكنهم أثنوا على تقنية البلوكتشين، فإن هجوم نوريل شمل الأمرين، العملات الرقمية وتقنية البلوكتشين التي أنتجتها، حيث وصفها أكثر من مرة بأنها أكثر تقنية يحتفي بها الجميع رغم أنها أقل التقنيات إفادة على الإطلاق.
يصف نوريل دائما العملات الرقمية بأنها مجرد تلاعب بالأسعار، ومداعبة لآمال الثراء السريع غير المبني على أي قيمة جوهرية لهذه العملات، وأنها فقط تعتمد اعتمادا كاملا على أنماط "الصعود والهبوط" (Pump and dump) وتستغلها لحصد المزيد من المتداولين. (10)
في النهاية، بالتأكيد يظل الكارهون للعملات الرقمية اليوم قلة إذا قورنوا بالمؤيدين، لكنهم ذوو أسماء كبيرة في عالم المال والأعمال، ولا يمكن تجاهل حججهم للتشكيك في مصداقيتها. ستظل بعض الأمور المرتبطة بالبيتكوين ارتباطا وثيقا، مثل عدم مركزيتها وغياب الإشراف عليها وطريقة صناعة القيمة فيها، ستظل أمورا تُثير حفيظة البعض، وربما هذه الأسباب وغيرها كانت هي الدافع وراء اتخاذ بعض الحكومات إجراءات لتنظيم العملات الرقمية والإشراف على تداولها.