الدوافع الحقيقية للخصومة مع (الإخوان)

خرج قيادي إخواني على تلفزيون البي بي سي واتهم معارضي " الإخوان" بأنهم مدفوعون من قبل المخابرات, وختم بأن"هم" يعرفون الضابط الذي يقود الحملة ضدهم! 

في هذا الكلام تجرّؤ, من دون ضمير, على تيارات عديدة معارضة "للإخوان", وطعن في شرف مثقفين وكتّاب وقيادات سياسية وشعبية تناوئ السياسة الإخوانية. ومن المؤسف أن كتّابا وقيادات حكومية وحزبية تساير "الإخوان" في الحديث عن " تجييش" يجري ضد الجماعة . وقد يكون هنالك تجييش, لكن, بالمقابل, فإن " للإخوان" خصوما سياسيين لا يحتاجون للتحريض من قبل ضابط مخابرات. ولدى هؤلاء الخصوم دوافع مفهومة و مشروعة للتصدي " للإخوان" . ويمكن للأخيرين أن يدافعوا عن أنفسهم, ويمكنهم التوقف لتوضيح مواقفهم محلّ النقد وتلافي الخصومة أو استمرار السجال بشأنها. لكن ليس من حقهم أبدا تجريم ناقديهم أو المساس بشرفهم أو الطعن بدوافعهم. فهذا الأسلوب في ممارسة السياسة يتطابق تماما مع أسلوب الأنظمة الاستبدادية الشمولية التي تصف كل معارضة بأنها " مدفوعة" أو " خيانية" أو ناجمة "دوافع مشبوهة". وفي النهاية, سيكون عليك أن تصمت عن سياسات " الإخوان", لئلا تُتَّهم بالتعامل مع المخابرات أو بالبلطجة أو بالطائفية أو بالكفر الخ...

أولا, لا يوجد, في الديمقراطيات, قداسة لأي حزب سياسي. وحق القيام بحملة مناوئة من قبل الخصوم السياسيين لأي حزب أو تيار, هو من الحقوق الديمقراطية الأولية. وإلا فنحن مقبلون على دكتاتورية صمّاء.

ثانيا, حجم الحزب ¯ كبيرا أو صغيرا ¯ لا يمنع التصدي لسياساته ونقدها وتشريحها ودعوة المواطنين إلى الإزورار عنه وعنها. فهذه هي بالذات قواعد اللعبة الديمقراطية. وحتى حين يحقق حزب ما, الأغلبية النيابية ويشكّل الحكومة, يظل للأقلية الحق المطلق في نقد تلك الأغلبية والعمل على إسقاط حكومتها. وإلا فنحن لسنا بإزاء تجربة ديمقراطية وإنما بإزاء مسعى لاستخدام وسائل ديمقراطية لإقامة دكتاتورية الحزب الواحد. 

ثالثا, إذا كان " الإخوان" جادين في الانخراط في نموذج ديمقراطي, فينبغي أن يدركوا أنهم يواجهون خمسة أنواع من الاعتراضات السياسية المشروعة تماما, وهي:

¯ التيار العلماني الذي يؤمن بفصل الدين عن السياسة, ويرى في " الإخوان" حزبا يستخدم الدين لأغراض سياسية. وفي النموذج الديمقراطي, للعلمانيين الحق نفسه الذي للإسلاميين في التعبير عن الرأي وممارسة العمل الفكري والسياسي من موقع مناوئ, 

¯ التيارات القومية واليسارية والوطنية الرافضة للموقف "الإخواني" بشأن سورية. وهنا, نلاحظ أن تأييد " الإخوان" السوريين لاستخدام العنف لتحقيق أغراض سياسية واستدعاءهم التدخل الخارجي في بلدهم, يستثير مخاوف قوى أردنية لا تؤيد النظام السوري بالضرورة, ولكنها ترتاب بتكرار الموقف نفسه من قبل "إخوان" الأردن. 

¯ التيار الوطني الأردني الذي يتشكك في موقف " الإخوان" من الكيان الأردني وهويته, خصوصا وأن " الإخوان" يرفضون فك الارتباط مع الضفة الغربية وقوننة التجنيس الخ وفي رأيي ان هذا التيار هو أقوى خصوم " الإخوان" من حيث الانتشار والشعبية والقوة. وتندرج في هذا التيار قوى مختلفة, حزبية وعشائرية, ديمقراطية وعنفية.

¯ التيار اليساري الذي يتشكك في مواقف " الإخوان" من العدالة الاجتماعية والقطاع العام, خصوصا وأن الأفكار الإخوانية في هذا المجال هي أقرب للنظرة الرأسمالية, وتقديس الملكية الخاصة وشرعنة الإثراء الخ وبالمقابل, الإتكاء على النزعة الخيرية لمعالجة المشكلة الاجتماعية.

¯ التيار الحداثي الذي يتشكك في نزوع الإخوان إلى فرض دكتاتورية ثقافية تقيّد نمط الحياة والملابس النسائية والحرية الشخصية الخ ..

وعلى خلاف بلدان عربية أخرى ليس لدى المسيحيين مخاوف من " الإخوان", وذلك بسبب البعد العشائري للمسيحية الأردنية, ذلك الذي كفل ويكفل لها حصانة متينة ضد أي نزوع طائفي. 

لا يستطيع " الإخوان" التفاهم مع العلمانيين, و لكنهم يستطيعون تلافي الخصومة الحادة مع التيار الوطني من خلال الاعتراف الصريح بفك الارتباط وقوننته واعلان ولائهم للدولة الوطنية الأردنية وهويتها ومصالحها العليا, وتحوّلهم عمليا ¯ بغض النظر عن التسميات ¯ إلى حزب إسلامي أردني. كذلك, يمكنهم تحديث خطابهم الاجتماعي من خلال استعارة البرنامج اليساري, وتهدئة خواطر الحداثيين باعلان الالتزام بالحريات الشخصية. وفيما يتصل بالخلاف حول سورية, سيثبت " الإخوان" وطنيتهم إذا جمّدوا أي نشاط مضاد للنظام السوري, حرصا على وحدة المعارضة الأردنية, وأدانوا, صراحة, التدخل الخارجي و استخدام العنف من قبل كل الأطراف في سورية.