لبنان: مأزق الانتخابات.. انتخابات المأزق

أخبار البلد-

 

بعد الإعلان رسمياً عن نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في لبنان الأحد الماضي، خاصة بعد فشل قوى اليمين/الانعزالي في إحراز أغلبية «عددية» تسمح لها فرض «شروطها» على خصومها, الذين لم تتورع عن نزع هويتهم والتشكيك بوطنيتهم، الأمر الذي تجلّى في تراجع أحد أبرز هذا المعسكر وهو أمير الحرب الأهلية/سمير جعجع الذي خرج على اللبنانيين وقبل إعلان النتائج النهائية يتحدث عن شروط واشتراطات يتوجب على معسكر «الخاسرين", وهم في نظره حزب الله. وأولاً ما «يجب» على رئيس مجلس النواب الجديد التزامه قبل منحه الثقة, وصولاً إلى مواصفات رئيس الجمهورية المقبل (تنتهي ولاية الرئيس عون في31/10 المقبل) ناهيك عن اللغة والمصطلحات الاستعلائية التي استخدمها في إطلالته المتسرعة، خاصّة بعد تأكيده أنّه يحوز أكبر كتلة في البرلمان/والممثل الأول لمسيحيي لبنان، متشفياً (في تسرّع فظّ) بالهزيمة التي توهّم أنّه ألحقها بالتيار الوطني الحرّ/صاحب الكتلة المسيحية الأكبر في البرلمان المنتهية ولايته.

معركة تحديد الأحجام/الأوزان انتهت, وانكشف المشهد اللبناني المحتقن والمفتوح على احتمالات «كارثية» عديدة، إذ لم يحصل أي معسكر من المُتنافسين/الأخصام حدود العداوة على أغلبية تسمح له بفرض شروطه أو إبعاد خصومه عن المشاركة في صنع القرار. سواء في رئاسة مجلس النواب/المخصص للطائفة الشيعية، خاصة في ظلّ غياب أي نائب شيعي منتمٍ لمعسكر/14 آذار اليميني. ما يعني «التجديد» لرئيس المجلس الحالي/نبيه برّي، أضِف إلى ذلك أنّ فرص جعجع الذي يحلم بخلافة الجنرال عون ضئيلة إن لم تكن معدومة، ليس فقط لتاريخه الدموي/الإجرامي بل خصوصاً لأنّ كتلاً عديدة في مجلس النواب, على اختلاف طوائفها ومذاهبها لن تسمح بوصوله إلى قصر بعبدا/الرئاسي, في ظل منافسة حادة داخل الطائفة المارونية/المخصص لها مقعد الرئاسة وفق معادلة المحاصصة الطائفية والمذهبية التي قام عليها لبنان. والتي هي لُبُّ مشكلاته وانعدام استقراره السياسي, والخلافات المستعرة بين طوائفه و«شعوبه».

نأتي إلى شخصية مَن سيتم تكليفه برئاسة الحكومة الجديدة/مخصصة للطائفة السنيّة, وهنا يكمن صاعق تفجير آخر بل أكثر خطورة, ينبئ ببقاء حكومة نجيب ميقاتي الحالية/كحكومة تصريف أعمال, لأنّ شخصية برلمانية سنية ذات حضور وإرث سياسي تحظى بتكليف وازن, تكاد تكون غير موجودة أقلّه بين النواب السنّة في البرلمان الجديد. وإن كان المعسكر الانعزالي/بقيادة جعجع سيحاول ترشيح شخصية سُنية غير مقبولة على الثنائي/الشيعي والتيار الوطني الحر وكتل وشخصيات نيابية أخرى, وهو اللواء/أشرف ريفي أحد أكثر الشخصيات السنية استفزازاً وعدوانية، ما سيدفع «الثنائي» إلى عدم المشاركة في حكومة يشكلها/ريفي, بافتراض حصوله على تسمية عدد أكبر من النواب مقارنة بآخرين، لأنّ عدم مشاركة وزراء شيعة في أي حكومة ينزع عنها صفة «الميثاقية» التي يستوجبها الدستور.

سيناريو كهذا يُدخِل لبنان في فراغ كبير قد يمتدّ إلى تاريخ مغادرة عون القصر الرئاسي, ما يرفع من وتيرة المواجهة ويدفع أطراف الأزمة إلى حفر الخنادق/السياسية, والتمترس عند قناعاتهم/شروطهم. التي ستجد من دول إقليمية وخصوصاً غربية تحريضاً ودعماً وربما توريطاً, بمدّ المتخاصمين بالسلاح إذا ما فشلت جهودهم لإيصال «جماعاتهم» إلى مواقع السلطة, في بلد أنهكته الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقدية, وانهيار الخدمات وارتفاع نِسب البطالة والفقر والمديونية وغياب الكهرباء ومياه الشرب, ناهيك عن تدهور سعر صرف الليرة التي وصلت عشية إعلان نتائج الانتخابات إلى مستوى غير مسبوق، حيث الدولار الواحد يساوي «30 ألف ليرة", ما اعتبره كثيرون تصفية حسابات ومُخطط صمّمه حاكم المصرف المركزي رياض سلامة, المُتهم بالفساد وتبييض الأموال والاختلاس.

ستتواصل خطابات زعماء الأحزاب أتباعهم على المنابر والمنصّات, وسيزعم معظمهم خوض معارك من أجل السيادة والاستقلال وتحرير لبنان من التبعية لإيران, وغيرها من المصطلحات التي يراد من ورائها إخفاء تبعية هؤلاء إلى دول إقليمية وارتباطاتهم بالسفارات وعبر المحيطات، وهو ما كشفه مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق شِيكنر, عمّا «صرفته» بلاده من ملايين الدولارات, وما قدمته من دعم مالي وإعلامي وسياسي لمنظمات المجتمع المدني و«ثوار» 17 تشرين الثاني 2019 (الذين أحرزوا رغم تشتتهم وتفرقهم نحو 15 مقعداً في برلمان مؤلف من 128 نائباً). لكن ما بات مؤكداً هو أنّ لبنان دخل بل «أُدخِل» في مأزق كبير, من المبكر التكهن بالمدة والمدى الذي سيستغرقه للخروج منه.. هذا إن خرج، إضافة لما للتطورات الإقليمية والدولية أن تعكسه على أوضاعه الداخلية الهشة، سواء فشلت مساعي إحياء الاتفاق النووي الإيراني أم أصابت نجاحاً، زِد على ذلك طبول الحرب التي تقرعها دولة العدو الصهيوني عبر المناورات العسكرية غير المسبوقة في تاريخها, الجارية الآن والتي أطلقت عليها اسم/مركبات النار، وما يتم تسريبه عن مشاركة أميركية في هذه المناورات, أقلّه التزام واشنطن تزويد المقاتلات الصهيونية/ التي ستضرب إيران بالوقود في الجو.