من زنازين الداخلية إلى مقعد وزيرها
يقول ربنا عز وجل “ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض، ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون”.
بالورود استقبل موظفو وزارة الداخلية التونسية وزيرها الجديد (ابن حركة النهضة) المهندس علي العريض الذي عرف زنازين الوزارة من الشمال إلى الجنوب، ومكث فيها ما يقرب من عقدين كان من بينها أكثر من 10 سنوات في زنازين انفرادية خشية احتكاكه بالمعتقلين الآخرين، وعرف صنوفا من التعذيب تفوق الوصف.
حدث ذلك مع رئيس الوزراء حمادي الجبالي الذي مكث ذات المدة تقريبا، وغالبا في زنازين انفرادية، الأمر الذي ينطبق على معظم وزراء النهضة الذين كانوا من نزلاء سجون الطاغية بن علي بعد أن قرر معاقبتهم على فوز حركتهم في انتخابات العام 1989.
منذ العام 89، وأنا أتابع شخصيا قصص معتقلي حركة النهضة ومنفييهم، ولي صداقات شخصية مع بعضهم، وكتبت عنهم عشرات المرات، الأمر الذي طالما استفز سفراء بن علي في الأمصار، هم الذي كانوا يمثلون أجهزة أمنية أكثر من عملهم كبعثات دبلوماسية.
في السنوات الأخيرة، طالت منظومة القمع التونسية بقيادة الجنرال بن علي عددا لا بأس به من نشطاء العمل السياسي، وكان المنصف المرزوقي، الرئيس الحالي واحدا منهم، لكن سجناء النهضة كانوا أصحاب النصيب الأوفر، إذ لم يتوقف الأمر عند اعتقال الآلاف منهم، بل طالت منظومة القمع أسرهم أيضا، كما طالت من فرَّ منهم إلى المنافي أيضا.
الصديق لطفي بن زيتون الذي تقلد منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء، ومعه ثلاثة آخرون برتبة وزير، لم يسحب اسمه من المطلوبين على قائمة “الإنتربول” بطلب من السلطات التونسية سوى قبل أسابيع بعد أن أوقف في مطار اسطنبول بينما كان في زيارة لتركيا مع قياديين من النهضة، وقد عانى من الملاحقة الدائمة بعد فراره من سجون بن علي التي تعرض فيها لأشد أنواع التعذيب، حيث أقام في لندن عقدين من الزمان يتابع شؤون بلده بهمة ونشاط استثنائيين.
كان حقد بن علي على الإسلاميين يفوق الوصف، بخاصة على حركة النهضة، فيما كان لزعيمها الشيخ راشد الغنوشي نصيب وافر من ذلك الحقد، حيث طارده من بلد إلى بلد، وكان يهدد بسحب سفيره من أي بلد يستقبل الشيخ، وكم من مرة مكث الشيخ في مطارات عديدة ثم أعيد من حيث أتى (كان لاجئا سياسيا في بريطانيا)، بسبب الاتصالات التي كانت تجريها وزارات بن علي وسفاراته من أجل مطاردة الشيخ.
مجرد ظهور الشيخ في فضائية كان يسبب صداعا بالنسبة لبن علي، وكانت الاتصالات المحمومة تبدأ على الفور، وقد مكث الشيخ سنوات طويلة وهو ممنوع من الظهور على الجزيرة بسبب تهديد النظام التونسي لقطر بسحب السفير إذا ظهر الشيخ على شاشة المحطة.
اليوم يتصدر مناضلو النهضة ورموزها الذين ذاقوا مرارة السجون والمنافي المشهد السياسي، وهي من دون شك مهمة بالغة الصعوبة في ظل استهداف تجربتهم؛ ليس من الغرب فحسب، بل من قبل بعض عرب (الوفرة) الذين قرروا وضع كل ما لديهم من جهد من أجل إفشال الثورات العربية، مع التركيز على استهداف الحضور الإسلامي فيها، وبالطبع خشية انتقال العدوى إليهم.
من الصعب الجزم بما ستؤول إليه التجربة التي يخوضها أصدقاؤنا، لكن ما نحن متأكدون منه هو أنهم سيبذلون كل جهد ممكن من أجل تقديم شيء ذي بال لبلدانهم، وهم لن يمارسوا الثارات، ولن يعاقبوا أحدا على ما كان. ففي تصريح له بعد تسلم الوزارة قال (العريض) إنه “لا يسعى للانتقام أو الثأر لنفسه، وإنما يريد العمل على إصلاح هياكل الوزارة بما يجعلها قادرة على حماية البلاد، وتأمين الأمن، لأنه لا سبيل للعودة للعمل والإنتاج بدون وجود أمن مستقر”.
سيفعل ذلك رغم أنه يعرف أسماء ووجوه الذين كانوا يتفننون في تعذيبه، لكنها المرحلة الآن هي مرحلة البناء والتسامح من أجل أوطان ليس فيها سادة وعبيد، بل إخوة وشركاء لا يتفاضلون إلا بما يقدم كل منهم للوطن وأهله.
سلام على البوعزيزي وسلام على تونس الخضراء التي أطلقت شرارة الثورات، وها ه
بالورود استقبل موظفو وزارة الداخلية التونسية وزيرها الجديد (ابن حركة النهضة) المهندس علي العريض الذي عرف زنازين الوزارة من الشمال إلى الجنوب، ومكث فيها ما يقرب من عقدين كان من بينها أكثر من 10 سنوات في زنازين انفرادية خشية احتكاكه بالمعتقلين الآخرين، وعرف صنوفا من التعذيب تفوق الوصف.
حدث ذلك مع رئيس الوزراء حمادي الجبالي الذي مكث ذات المدة تقريبا، وغالبا في زنازين انفرادية، الأمر الذي ينطبق على معظم وزراء النهضة الذين كانوا من نزلاء سجون الطاغية بن علي بعد أن قرر معاقبتهم على فوز حركتهم في انتخابات العام 1989.
منذ العام 89، وأنا أتابع شخصيا قصص معتقلي حركة النهضة ومنفييهم، ولي صداقات شخصية مع بعضهم، وكتبت عنهم عشرات المرات، الأمر الذي طالما استفز سفراء بن علي في الأمصار، هم الذي كانوا يمثلون أجهزة أمنية أكثر من عملهم كبعثات دبلوماسية.
في السنوات الأخيرة، طالت منظومة القمع التونسية بقيادة الجنرال بن علي عددا لا بأس به من نشطاء العمل السياسي، وكان المنصف المرزوقي، الرئيس الحالي واحدا منهم، لكن سجناء النهضة كانوا أصحاب النصيب الأوفر، إذ لم يتوقف الأمر عند اعتقال الآلاف منهم، بل طالت منظومة القمع أسرهم أيضا، كما طالت من فرَّ منهم إلى المنافي أيضا.
الصديق لطفي بن زيتون الذي تقلد منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء، ومعه ثلاثة آخرون برتبة وزير، لم يسحب اسمه من المطلوبين على قائمة “الإنتربول” بطلب من السلطات التونسية سوى قبل أسابيع بعد أن أوقف في مطار اسطنبول بينما كان في زيارة لتركيا مع قياديين من النهضة، وقد عانى من الملاحقة الدائمة بعد فراره من سجون بن علي التي تعرض فيها لأشد أنواع التعذيب، حيث أقام في لندن عقدين من الزمان يتابع شؤون بلده بهمة ونشاط استثنائيين.
كان حقد بن علي على الإسلاميين يفوق الوصف، بخاصة على حركة النهضة، فيما كان لزعيمها الشيخ راشد الغنوشي نصيب وافر من ذلك الحقد، حيث طارده من بلد إلى بلد، وكان يهدد بسحب سفيره من أي بلد يستقبل الشيخ، وكم من مرة مكث الشيخ في مطارات عديدة ثم أعيد من حيث أتى (كان لاجئا سياسيا في بريطانيا)، بسبب الاتصالات التي كانت تجريها وزارات بن علي وسفاراته من أجل مطاردة الشيخ.
مجرد ظهور الشيخ في فضائية كان يسبب صداعا بالنسبة لبن علي، وكانت الاتصالات المحمومة تبدأ على الفور، وقد مكث الشيخ سنوات طويلة وهو ممنوع من الظهور على الجزيرة بسبب تهديد النظام التونسي لقطر بسحب السفير إذا ظهر الشيخ على شاشة المحطة.
اليوم يتصدر مناضلو النهضة ورموزها الذين ذاقوا مرارة السجون والمنافي المشهد السياسي، وهي من دون شك مهمة بالغة الصعوبة في ظل استهداف تجربتهم؛ ليس من الغرب فحسب، بل من قبل بعض عرب (الوفرة) الذين قرروا وضع كل ما لديهم من جهد من أجل إفشال الثورات العربية، مع التركيز على استهداف الحضور الإسلامي فيها، وبالطبع خشية انتقال العدوى إليهم.
من الصعب الجزم بما ستؤول إليه التجربة التي يخوضها أصدقاؤنا، لكن ما نحن متأكدون منه هو أنهم سيبذلون كل جهد ممكن من أجل تقديم شيء ذي بال لبلدانهم، وهم لن يمارسوا الثارات، ولن يعاقبوا أحدا على ما كان. ففي تصريح له بعد تسلم الوزارة قال (العريض) إنه “لا يسعى للانتقام أو الثأر لنفسه، وإنما يريد العمل على إصلاح هياكل الوزارة بما يجعلها قادرة على حماية البلاد، وتأمين الأمن، لأنه لا سبيل للعودة للعمل والإنتاج بدون وجود أمن مستقر”.
سيفعل ذلك رغم أنه يعرف أسماء ووجوه الذين كانوا يتفننون في تعذيبه، لكنها المرحلة الآن هي مرحلة البناء والتسامح من أجل أوطان ليس فيها سادة وعبيد، بل إخوة وشركاء لا يتفاضلون إلا بما يقدم كل منهم للوطن وأهله.
سلام على البوعزيزي وسلام على تونس الخضراء التي أطلقت شرارة الثورات، وها ه