البرلمان المصري يقطع أمل الإسلاميين في التسلل إلى السياسة
أخبار البلد - حسمت الحكومة المصرية أمرها بإجراء انتخابات المجالس المحلية بنظام القائمة المطلقة والقائمة النسبية، وهي الطريقة التي تقطع بها آخر آمال التيارات الإسلامية من الإخوان والسلفيين للتحكم في انتخابات تمس المصالح المباشرة للمصريين من خلال مجالس محلية تؤدي السيطرة عليها إلى إزعاج للحكومة.
وسرع مجلس النواب خطواته أخيرا لمناقشة مشروع قانون تقدم به بعض النواب من المتناغمين مع الحكومة، يحدد الإطار الحاكم لقانون انتخابات المجالس المحلية، ومن أهم بنوده إقرار العمل بالقائمة المطلقة والنسبية، ما يمهد لخلافات مرتقبة بين البرلمان وتيارات حزبية فقدت حضورها الشعبي.
وتستهدف الحكومة من تطبيق نظام القائمة أن تكون أسماء المرشحين متوافقة في الرؤية والهدف والتوجه وتابعة لكيان حزبي، وهو حائط صد ضد أي تسلل لجماعة الإخوان والمتطرفين الذين يحاولون استغلال الثغرات للنفاذ من خلالها إلى الناخبين.
والقائمة أشبه بنظام الكتلة الحزبية حيث يتم تقسيم الإقليم أو المنطقة أو المحافظة إلى عدد من الدوائر الانتخابية وتضع القوى السياسية قوائمها الانتخابية، وتتنافس في كل دائرة أكثر من قائمة، والتي تحصل على 50 في المئة زائدا 1 من الأصوات الصحيحة تفوز بثلثي مقاعد الدائرة وتخسر أمامها القوائم الأخرى.
إكرام بدرالدين: غلق منافذ تسلل الإخوان إلى المجالس المحلية ضرورة أمنية
وترى أصوات معارضة لهذا النظام الانتخابي أنه الأنسب لقطع كل الطرق أمام الإسلاميين للعودة إلى المشهد في انتخابات تحكمها العصبية القبلية والنفوذ العائلي ودوائر العلاقات داخل كل مجتمع محلي.
والمشكلة أن نظام القوائم قد لا يفرز كوادر سياسية قادرة على إحداث الفارق في المجتمع المحلي، لأنه يتم اختيار المرشحين بكل قائمة بطريقة أشبه بالتعيين لا بناء على معايير واضحة وتكون هناك شبهات مجاملة بين قوائم الأحزاب.
وقال إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن غلق منافذ تسلل الإخوان والمتعاطفين معهم بشكل خفي إلى المجالس المحلية والشعبية ضرورة أمنية، لأن عكس ذلك سوف يجعل منها بؤرة للثأر من كل قائد تنفيذي محلي، وطبيعي أن يكون القانون مدخلا لإفراز كوادر تُقر وتحاسب لغرض وطني.
ووفق المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون هناك حصص دستورية لا يمكن الالتزام بها إلا بنظام القائمة المطلقة وأن يكون ضمن حصص كل مجلس منتخب 25 في المئة للشباب، و25 في المئة للمرأة، والخمسون في المئة المتبقية للعمال والفلاحين، والمسلمين والأقباط، وذوي القدرات الخاصة، كما أن القوائم المطلقة والنسبية تسهل على الناخبين الاختيار بين قوائم لها برامج وليس شخصيات.
وأتاح مشروع القانون الفرصة للمستقلين للتجمع معا في قائمة واحدة، ولا يعني ذلك أنه من السهل تسلل عناصر جماعة الإخوان والمتعاطفين معها، لأن هذا تتحمله القائمة أمام الحكومة وأجهزة الأمن والناخب العادي أيضا، فإعداد قائمة انتخابية يكون بالتوافق بين كل أعضائها على الهدف والبرنامج وشكل الدعاية.
وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب” أن نظام القائمة المغلقة والنسبية أفضل الخيارات المتاحة أمام الحكومة لإجراء الانتخابات المحلية المؤجلة منذ عشرين عاما، حيث يضمن لها إحكام قبضتها على المقاعد من خلال القواعد الموجودة في الأقاليم لحزب "مستقبل وطن” الظهير السياسي للحكومة، وحصول قوى حزبية ومدنية ومستقلين على حصص تتوزع وفق جماهيريتهم في الشارع.
وأوضحت المصادر أن الحكومة غير راغبة في تأجيل الانتخابات المحلية أكثر من ذلك بعدما نجحت في هندسة المشهد السياسي بطريقتها، واستثمرت ضعف القوى الحزبية حتى تغلغل حزب "مستقبل وطن” وصنع جماهيرية خدمية، وصارت له قواعد تغطي عموم الجمهورية.
وزالت مخاوف الحكومة من دخول الأحزاب الانتخابات المحلية بأي عدد من القوائم لأن غالبية الأحزاب بلا أرضية أو شعبية حقيقية، بالتالي يتم التعويل على المستقلين بشكل أكبر، وهي لا تخشى هؤلاء، لكن الفيتو أو الخط الأحمر يوضع أمام الإسلاميين.
وظلت الحكومة تتلكأ منذ إقرار دستور 2014 في عقد انتخابات المحليات حتى لا تتحول مجالسها المعنية بالقرى والمدن إلى برلمانات صغيرة معارضة يصعب السيطرة عليها، وتخوفت من إقرار قانون ينظم هذه الانتخابات ينطوي على ثغرات تسمح بتسلل البعض من المنتمين إلى تيارات الإسلام السياسي المناوئة للسلطة، وتفقد الحكومة السيطرة عليها وتتحول إلى بؤرة لتأجيج الغضب في الشارع ضدها.
وتُدرك الحكومة أن وجود محليات تتحدى رغبات الشارع وتفرض عليه قرارات وسياسات بالأمر الواقع ضرب من الخيال، لأن المجالس المحلية هي البرلمان الحقيقي الأكثر احتكاكا بالمواطن العادي، عكس مجلس النواب المنسجم مع السلطة.
الحكومة المصرية تستهدف من تطبيق نظام القائمة أن تكون أسماء المرشحين متوافقة في الرؤية والهدف والتوجه وتابعة لكيان حزبي، وهو حائط صد ضد أي تسلل لجماعة الإخوان والمتطرفين
ولذلك فهي تؤمن بأهمية أن تفرز الانتخابات المحلية وجوها تحقق التنوع والتوازن المطلوب، لأن احتكار المشهد أكثر من ذلك قد تترتب عليه الكثير من المنغصات.
ورأى بدرالدين أن السير نحو إجراء انتخابات المحليات يعكس مصداقية الحوار السياسي الذي أعلن عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل أيام، ومن غير المستبعد أن تحتكر الحكومة المشهد، لأنها تدرك أهمية وجود رقابة على المحليات، وتسريع وتيرة التنمية مرتبط بأن تكون الرقابة على أداء المجالس المحلية قوية وفاعلة، ووجود ممثلين لأحزاب وقوى مدنية ضمن عضويتها أمر ضروري.
وتدرك الأحزاب نفسها ذلك، وترى أن إقرار قانون الانتخابات المحلية وإجراء الاستحقاق الانتخابي المؤجل منذ سنوات هو مقياس واقعي واختبار لمصداقية الحكومة في رعاية حوار سياسي شامل يجمع القوى والتيارات المدنية، نتج عنه تأسيس لجنة تنسيقية للمحليات من بعض الأحزاب تختص بشؤون الانتخابات.
وتضم اللجنة أحزاب: المصري الديمقراطي الاجتماعي، المحافظين، الكرامة، العدل، التحالف الشعبي، الحزب الاشتراكي المصري، الحزب الناصري، الحزب الشيوعي وحزب العيش والحرية، للاستعداد للانتخابات المحلية ورسم خطة التعامل معها كباب سحري يمكن من خلاله ترميم علاقة الشارع بالأحزاب.
ومنح الدستور المصري أعضاء المجالس المحلية صلاحيات تقترب من نظيرتها في مجلس النواب، فهم قادرون على سحب الثقة من رئيس الحي، ومحاسبة المحافظ نفسه من خلال مجالس المحافظات، حيث تضم المجالس المحلية جهازا تنفيذيا وآخر شعبيا يراقب الأجهزة التنفيذية ويحاسبها ويحصل منها على خدمات للمواطنين.