تبعات ارتباك السياسات الاقتصادية

أخبار البلد-

 

خفضت المؤسسات الدولية، ومن أهمها صندوق النقد الدولي، من توقعاتها بالنسبة للنمو الاقتصادي العالمي في 2022، وبنفس الوقت توقعت تلك المؤسسات المزيد من ارتفاع الأسعار، وخصوصا للاقتصادات الناشئة والنامية، وذلك بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا، وحذرت من أن التضخم سيستمر. حيث يتوقع أن تصل نسبة النمو العالمي 3.6 بالمئة هذا العام بانخفاض 0.8 نقطة مئوية عن توقعات كانون الثاني/يناير، أما معدل التضخم فيتوقع أن تبلغ نسبته 5.7 بالمئة للدول المتقدمة و8.7 بالمئة للاقتصادات الناشئة والنامية، وهي معدلات مرتفعة بكافة المقاييس.

وشمل تخفيض تقديرات النمو أكبر اقتصادين في العالم ليصل النمو إلى 3.7 بالمئة في الولايات المتحدة وإلى 4.4 بالمئة في الصين. ومن المتوقع أن ينعكس تخفيض توقعات النمو على الطلب العالمي على التبادل التجاري، ومعدلات البطالة والتشغيل، بالمقابل، سيؤدي التضخم إلى تآكل القوة الشرائية للمستهلكين، وسيعمل ارتفاع أسعار الفائدة التي لجأت اليه البنوك المركزية الى الحد من معدلات النمو الاقتصادي.

وتعزى مشاكل التضخم في الاسعار في جانب منها إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية والاستهلاكية في الكثير من الدول الصناعية المتقدمة والنامية، ومن الجانب الأخر إلى اضطراب سلاسل الإمداد التي فاقمتها تداعيات جائحة كورونا. ولا شك أن الحرب الروسية الأوكرانية قد فاقمت من الوضع لأن البلدين مصدر لإمدادات سلع غذائية رئيسية ومصادر الطاقة. فقد غدا من الصعب حاليا الوصول للكثير من منتجات أوكرانيا بسبب الحرب، كما أنه لا يمكن الحصول على الكثير مما تنتجه روسيا بسبب العقوبات المفروضة عليها.

وتشير التوقعات الى احتمالية انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 8.5 بالمئة، كما يتوقع أن ينكمش اقتصاد أوكرانيا بنسبة مرتفعة جدا قد تصل الى 35 بالمئة بسبب تداعيات الحرب.

وخفضت المؤسسات الدولية توقعاتها للنمو الاقتصادي لمنطقة اليورو إلى 2.8 في المئة. ومن بين أكثر الاقتصادات تضررا ألمانيا، حيث خفضت نموها الاقتصادي إلى 2.1 في المئة. وفيما يتعلق باليابان، توقع الصندوق نموا بنسبة 2.4 في المئة بانخفاض قدره 0.9 نقطة مقارنة بتوقعه السابق، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط الخام بشكل حاد.

بالمقابل، رفع صندوق النقد الدولي توقعات نمو الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 0.6 بالمئة لتصل إلى 5.8 بالمئة في عام 2022، مقادا ليس فقط بزيادة انتاج النفط حسب اتفاق اوبك زائد واحد ولكن بسبب توقع تحسن نمو الانتاج في القطاعات غير النفطية أيضاً. كل ذلك بافتراض ثبات باقي المتغيرات وخاصة عدم تعرض الاقتصاد العالمي لضربة أخرى في حال ظهور متحورات لكورونا وفرض إجراءات إغلاق من ناحية، وعدم توسع الحرب في أوكرانيا لتشمل دولا ومناطق أخرى من ناحية ثانية.

في الاردن، بنيت موازنة 2022 على توقع نمو اقتصادي 2.7 بالمئة ومعدلات تضخم 2.5 بالمئة، فهل ستبقى هذه التوقعات كما هي في ظل التطورات العالمية على صعيد الارتفاعات في معدلات التضخم المتزايدة وتراجع توقع معدلات النمو في غالبية مناطق العالم، باستثناء دول المنطقة؟

العالم يمر بحالة من الارتباك تضغط بمختلف الاتجاهات على العرض والطلب. وأدوات السياسات الاقتصادية متناقضة بطبيعة عملها، ومتخذو القرارات في حيرة من أمرهم ما بين محاربة التضخم بادوات نقدية لها أثار عكسية على النمو الاقتصادي، أو بأدوات مالية لها تداعيات سلبية على موازنات الدول ستقلل من الايرادات لتزيد العجز وبالتالي المديونية وزيادة الضغوط على الاحتياطيات الاجنبية وتقليل حصة النفقات الرأسمالية اللازمة لاحداث نمو وخلق فرص عمل.

لهذه الاسباب مجتمعة ينتقل الاقتصاد العالمي من حالة الى حالة أخرى في دورة الاعمال. فلمحاربة التضخم يتأخر النمو الاقتصادي، ولاحداث انتعاش ونمو اقتصادي يدخل الاقتصاد بحالة حمى تنتهي بزيادة الطلب وارتفاع معدلات التضخم، وهكذا يبقى الاقتصاد في حالة دوران.