السيسي يدعو إلى حوار سياسي شامل، فهل يشمل الإخوان
أخبار البلد - شد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأنظار إليه بعد حديثه الجمعة عن "حوار سياسي شامل” وسط تساؤلات إن كان هذا الحوار سيشمل جماعة الإخوان المسلمين أم لا، وهل الأمر مرتبط بالتقارب المصري – القطري والوعود القطرية باستثمارات كبرى، أم أن سقف هذا الحوار لن يتجاوز ما هو مسموح به حاليا.
وهذه هي المرة الأولى منذ سنوات التي يشير فيها السيسي إلى الحاجة لحوار سياسي شامل في البلاد، حيث انصب التركيز على الإصلاحات الاقتصادية وغاب الحديث عن ملف الإصلاحات السياسية في الفترة الماضية، ولم يكن ضمن أولويات النظام الحاكم في ظل مواجهات أمنية ممتدة.
وتحدث السيسي، في لقاء نادر مع مجموعة من الصحافيين المصريين، عن "الحاجة إلى حوار سياسي يتناسب مع فكرة بناء الدولة الجديدة أو الجمهورية الجديدة”، لافتا إلى أنه "كان يعتزم إطلاق ذلك الأمر بتفاصيل أكثر خلال إفطار الأسرة المصرية”، ولم يفسّر أسباب التأجيل أو توقيت الشرح والتفاصيل.
◙ الحوار المثمر يحتاج أن تكون القوى المشاركة فيه من خارج الأحزاب التقليدية، وأن ينفتح على المجموعات الشبابية ويتحمل سقف النقد الذي تلجأ إليه في مواجهة السلطة
ولم تتجاوز الإشارة إلى الحوار السياسي كلمات قليلة وردت في سياق حديث طويل عن التحديات التي تواجه الدولة على مستويات متباينة، لكنها بدت كافية لفتح الباب لنقاش واسع حول ما يريده الرئيس المصري في هذا التوقيت.
وتتفاوت التقديرات السياسية حول هذا التطور النوعي الذي جاء مقتضبا إلى حد الإبهام بشأن طبيعة الأهداف التي يريد الرئيس تحقيقها، ودلالة التوقيت الحرج الذي تتعاظم فيه الأزمات الاقتصادية، والجهات والقوى التي يمكن أن يشملها الحوار المنتظر.
وفتحت الأسئلة العديدة التي طرحتها الإشارة العابرة للسيسي في نهاية حواره مع الإعلاميين شهية بعض القوى للكلام عن شكل الحوار الذي ألمح إليه السيسي ومراده منه، وما إذا كان يقصد إدخال إصلاحات حقيقية على المشهد العام أم لا.
وقلل مراقبون مصريون من فكرة انفتاح النظام على جماعة الإخوان في الوقت الحالي، فالنظام في موقع قوة وليس ثمة ما يدفعه إلى تقديم تنازل مجاني لحركة تم تقويض أذرعها في الداخل ودبت بين أجنحتها الصراعات وباتت رهينة أجندات خارجية.
واستبعد هؤلاء المراقبون أن يكون الحديث عن انفتاح شامل ناجما عن طلبات خارجية خاصة من قطر، معتبرين أن النظام المصري طلب من الدوحة تسليمه هاربين من الجماعة ولا يمكنه في نفس الوقت أن يعفو عنها ويسمح لها بالعودة إلى الواجهة من جديد. كما أنه فصل في حوار المصالحة مع الدوحة بين المسارات، والأولوية عنده هي للجانب الاقتصادي.
وقال الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية عمرو هاشم ربيع إن "الحوار الشامل يتطلب من الرئيس أن يوكله إلى جهة تحدد أطرافه وتضع توقيتاته وتبدأ بشكل مباشر في ترجمته إلى واقع ملموس كي لا يتحول إلى حديث عابر في لقاء إعلامي”.
وذكر لـ”العرب”، "يجب أن تشارك فيه كافة التيارات السياسية، بما فيها التيار الإسلامي، بعيداً عن تنظيم الإخوان، من خلال السلفيين أو الصوفيين، وقوى من اليسار واليمين والأحزاب المعبّرة عنهما، والمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، ويتم طرح كل القضايا المسكوت عنها طوال المرحلة الماضية”.
عمرو هاشم ربيع: حوار شامل يشارك فيه الجميع عدا جماعة الإخوان
وأوضح عمرو هاشم ربيع أن هناك فرصة مواتية لعقد حوار سياسي شامل، لأن الدولة في حاجة إليه في هذا التوقيت لمواجهة الصعوبات التي سببتها الحرب الأوكرانية وإعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، ويبرهن الإقدام على الخطوة دون ضغوط خارجية أن هناك دولة قوية قادرة على إدارة مشكلاتها بذاتها.
وأصبحت الدعوة إلى الحوار السياسي مطلوبة بعد أن قطعت الأجهزة الأمنية شوطا كبيرا في القضاء على العناصر الإرهابية خلال السنوات الماضية، وباتت مصر أكثر أمنا واستقرارا ، كما أن الإصلاحات الاقتصادية التي تسير في طريقها في حاجة إلى رافعة سياسية تسندها وتعزز ثقة المستثمرين في الدولة المصرية.
وتكمن المشكلة في نوعية الحوار الشامل والإصلاحات السياسية التي يمكن أن يقدم عليها النظام المصري، فإذا كان السيسي يريد حوارا جادا من الضروري أن يتسع ليشمل أطيافا عديدة من القوى السياسية ولا يقتصر على الأحزاب المؤيدة والمعارضة التي تدور في فلك دعم جميع سياساته حاليا، والتي لم تستطع التأثير في الشارع وإقناع المواطنين بأنها قادرة على تفهم مطالبهم والتعبير عن أوجاعهم.
ويحتاج الحوار المثمر أن تكون القوى المشاركة فيه من خارج الأحزاب التقليدية، وأن ينفتح على المجموعات الشبابية ويتحمل سقف النقد الذي تلجأ إليه في مواجهة السلطة، وكذلك اتخاذ مبادرات سياسية لطمأنة هذه المجموعات من أن السلطة مع الانفتاح وخير دليل على ذلك إلغاء قانون التظاهر التي تضرر منه بصفة خاصة نشطاء مستقلون.
ويشير المراقبون إلى أن خلق مناخ مشجع هو ما سيرسم شكل النتيجة التي يمكن أن يصل إليها الحوار، وإذا لم تتوافر مساحة عالية من الحريات السياسية والإعلامية ستظل الخطوة مقيدة ويمكن أن تفقد بريقها بعد وقت قصير.
ويقول المراقبون إن الغموض الذي يكتنف أهداف الحوار سيظل عائقا أمام التجاوب الشعبي معه، فإذا كان الغرض تجميل صورة النظام الحاكم أمام الغرب لن تكون مردوديته الإيجابية فعالة على مستوى التحول المنتظر في شكل السياسة الخارجية للدولة.
ويضيف هؤلاء أن ترك الفضاء العام في مصر في أيدي هواة ومؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي على حساب الأحزاب والشخصيات المتمرسة يضر بالحكومة وسمعتها، لأن القضايا التي تتم مناقشتها تأتي بعيدة عن جوهر التحديات التي تواجه الدولة وتجعلها تبدو مرتاحة لمشاجرات تعج بها المنصات، في حين أن ذلك صار يمثل صداعا مزمنا قد لا تتمكن الحكومة من تطويقه لاحقا.