هل نتعجل بالقول باي باي للهيمنة الأمريكية

أخبار البلد-

ديناميات متوقعة
سوف تستمر المعارك على الأرض ، وسوف تتقدم القوات الروسية ميدانيا باتجاه مدن جديدة ومساحات جديدة وسوف يتم تحرير الدونباس الى حدوده الإدارية، فالميدان يقرر في نهاية الامر النتائج السياسية . وسوف تتواصل المساعدات الغربية المتنوعة بما فيها الخبراء وستتواصل الحرب الاقتصادية والمعنوية على روسيا .

ان الدمار والدماء لن يتوقفا الا بعد ان يصحو الرئيس الاوكراني ويستجيب للمطالب الروسية ويدرك حقيقة ان النظام الدولي يتغير ، وان تعددية قطبية تتشكل، وفيما يتراجع تأييد بايدن الى 30% ارتفع تأييد بوتين الى70%، ان جوهر الحرب في أوكرانيا ليس بين روسيا وأوكرانيا بل بين روسيا والهيمنة الامريكية . وقد افصحت العواصم الغربية بأن هدفها الأساس هو " خنق روسيا وتفكيكها" فيما أعلنت موسكو ان هدفها هو " القضاء على الهيمنة الامريكية " أي ان ما يدور هو اكبر من أوكرانيا ويتصل بخيارات البشرية . تخوض أمريكا ومن معها حربا ضروس للحفاظ على هيمنتها ، ولكن هذا بات في عداد الأوهام، ذلك ان مخططها اخفق في الشرق الأوسط سيما في سوريا وايران وأفغانستان ... ومن قبل أخفقت في أمريكا اللاتينية حيث فاز اليسار بثمانية عواصم والبرازيل على الطريق وربما كولمبيا. اما المتغير الأعظم فهو صعود الصين التي بات انتاجها يعادل انتاج أمريكا(22 تريليون سنويا) ولديها رصيد 3.5 تريليون فيما مديونية امريكيا 32 تريليون حسب آخر الإحصاءات وقوة عمل الصين 850 مليون فيما قوة عمل أمريكا اقل من 170 مليون بما لحجم قوة العمل من إنتاجية .

أمريكا عملاق ضخم مثل أخيل في الادب الاغريقي، ولكن تنخره أزمات داخلية عديدة بما فيها ( احتكار 3%، 90% من الثروة) من جهة وهي غير قادرة على مواصلة الهيمنة الخارجية والتفرد بالقرار العالمي من جهة أخرى كما سنوات المشمشية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي .

وهناك تساؤلات جدية عن مستقبل النموذج الاقتصادي – الثقافي الأمريكي ، فروسيا والصين واكثر من نصف القارة اللاتينية وايران وفيتنام وكوريا الديمقراطية ... تعلن صراحة ( لا نريد نموذجك الليبرالي الجديد ولا الفردية المنفلته ولا اخلاقيات الاستهلاك ولا ان الربح هو المقدس الوحيد ولا شوفينية ان أمريكا فوق الأمم و(لا داعي ان تفكروا فأمريكا تفكر لكم ولا داعي ان تنتجوا فأمريكا تنتج لكم ) بريجنسكي مستشار الامن القومي في زمن كارتر... ولا فبركات امبراطورية الاعلام ولا تحرر الأفلام من اية ضوابط ولا التحكم بالسوشال ميديا، فللبشر حرية ان يختاروا نمط حياتهم ضمن هويتهم وخصائصهم دون نمذجة مرسومة في دوله اخرى . نعم للتلاقح الثقافي والتعددية ولا لإسقاطات ثقافة واحدة ( فليس هناك ثقافة افضل من ثقافة )جارودي لان الثقافات انعكاس للمسارات الحضارية المتنوعة . وعليه، فاتفاقية بريتون وودز 1944 التي اعتمدت الدولار كعملة عالمية لم تعد تستجيب اليوم لما نشأ عن الازمة المالية – الاقتصادية 2008، وثمة العديد من البلدان الكبيرة تدعو لعملة جديدة والتبادل حسب العملة القومية . اما أخلاقية " اللهم نفسي " في مواجهة فايروس كورونا فلا تستجيب لحاجات الشعوب التي تتطلب ااتضافر والتضامن ، وهذا حال ازمة المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض والجفاف والتصحر ... ناهيكم عن تضخم الجيوش والموازنات العسكرية ورعب السلاح النووي ، فيما الفقر يناهز 2 مليار نسمة ومتوسط الاعمار بالكاد و40 سنه في افريقيا ...

منعكسات الحرب الروسية – الغربية في أوكرانيا على العرب والقضية الفلسطينية

يتوجب تخطي النظرة الميكانيكية والانعزالية التي لا ترى الترابط . فالعالم بنية وسلسلة مترابطة وما يحصل في حلقة يترك بصماته على الحلقات الأخرى وان بتفاوت. فلو افترضنا نجاح أمريكا والغرب ( بخنق الاقتصاد الروسي وتفكيك روسيا) يمكن حينها التصور ان سوريا وايران سوف تخسران حليفا وصديقاً بما سيجعلهما تواجهان الضغوط الامريكية – الإسرائيلية دون اسناد هذا الصديق – الحليف ، وبالتالي فقدان محور المقاومة لهذا السنيد، الامر الذي من شأنه ان يضعف قوة هذا المحور وقدرته على دعم خيار المقاومة في لبنان وفلسطين واليمين، بما يفضي الى اضعاف هذا الخيار ومواجهته المزيد من التحديات والعربدات.

صحيح ان روسيا ليست طرفا في محور المقاومة ولها علاقات جيدة مع تل ابيب وهناك مليون وربع المليون من اصل روسي وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ( يجري تهويدهم بتدرج ذلك ان ثلثيهم ليسوا يهوداً، فالأم غير يهودية ) ولكن دعم روسيا لسوريا وايران هو على النقيض من مصالح تل ابيب، وبالتالي فصمود سوريا وايران انما عزز من صمود وقوة حزب الله ومن إمكانات المقاومة في غزة والقدرة القتالية في اليمن ...

ودور حزب الله يتعدى تحرير الجنوب اللبناني والمشاركة الفاعلة بالدم في مواجهة ( الحرب الكونية) على سوريا ، وحماية لبنان من الانصياع للإرادة الامريكية – الإسرائيلية ، بل هو يتقدم الصفوف بما يراكم من إمكانات في التحضير " للمواجهة الكبرى" حيث لقائده الاستراتيجي والمتمرس والمصداق دور المهماز الذي لا يلين، بما يقوي بالتالي روح التحرر في الساحة الفلسطينية بعد ان ارتقت العلاقات بين خنادق محور المقاومة الى الاسترشاد برؤية مشتركة ...

اما في حالة انتصار روسيا، ومقاربتي تذهب في هذا الاتجاه، رغم الثمن العظيم ، فسوف تتراجع الهيمنة الامريكية وقدرتها على ممارسة الضغوط على الشرق الأوسط، بما يدفع العديد من الحكومات للتفلت والتمرد على الاملاءات الامريكية وقد أصبحت امام عدة خيارات فهي غير ملزمة للانصياع لخيار واحد ويمكن ان تصبح موسكو بوابه ومزارا لقوى كانت وسطيه او مرعوبة حتى الامس القريب علاوة على القوى والأنظمة المناهضة للإمبريالية، على قاعدة التقاطعات والمصالح المشتركة كما يكرر المنظر الكبير دوغين (تسع لغات و60 كتابا)

ومن جانب آخر سوف ينعكس ذلك على الصين، المنافس الأول لأمريكا، ليس بنهوضها على كافة الصعد والضخ الذي يشكله طريق الحزام ، بل لنموذجها ( اذ يقودها حزب شيوعي مكون من 96 مليون عضو واكثر منهم شبيبة ، واقتصاد هو خليط من الاقتصاد الاشتراكي والرأسمالي ورأسمالية الدولة والتعاوني والملكيات الصغيرة ، اما قطاع الدولة فهو القائد و(لا مستقبل للصين دون الاشتراكية ) قرارات الحزب الشيوعي ، والثقافة الماركسية – اللينينية والماوية والاشتراكية بطبعه صينية ، والتضامن ورفض الهيمنة الامبريالية .( الامر يتطلب مقالة منفصلة ).

ويمكن القول ان الانعكاس المباشر والفوري هو على تايوان التي تراها الصين جزءاً من الوطن التاريخي ولا تتهاون مع التحريضات الامريكية التي تشجعها بأن تعلن استقلالها، وكذا الصراع على بحر الصين الجنوبي والتحالفات الأمريكية مع عدد من دول الشرق الأقصى لتطويق الصين سيما اليابان وأستراليا.

ومن الطبيعي ان تتعزز وتتوسع العلاقات الصينية – الروسية ( انها اكثر من تحالف) وزير الخارجية الصيني ، وربما يتعزز أيضا محور البريكس ( الصين ، روسيا، الهند، جنوب افريقيا والبرازيل وانضمام اطراف أخرى اليه، ومن هنا نرى تصريح وزير خارجية الهند ( نحن ادرى بمصالحنا القومية) رداً على المطلب الأمريكي بابعاد الهند عن روسيا .

ويمكن التذكير ختاما بما قاله الوزير الروسي لافروف للدكتور شعث منذ سنوات، عندما طلب الأخير من الأول المساعدة ( كيف نساعدكم وانت تتفاوضون مباشرة وتحت المظلة الامريكية ، تعالوا الى الأمم المتحدة) . وفي هذه الكلمات متسع لان تفكر القيادات العربية والفلسطينية بإمكانية الإفادة من صعود الصين وفوز روسيا.. فثمة معادلات جديدة في طور الولادة .ففلسطين هذا البلد الصغير هو عقدة مواصلات للسياسات الإقليمية والدولية سواء كانت صديقة او معادية، لا يمكن المرور في الإقليم دون المرور من بوابتها .