غموض يسترعي الحذر

أخبار البلد-

 
الأحداث والتطورات التي تنقلها جميع وسائل الإعلام من كل مكان بكل تقنياتها عالية الجودة لا تكاد توضح شيئا لا على مستوى الأحداث نفسها، ولا على مستوى التوقعات والاحتمالات المتعلقة بحاضرها أو مستقبلها، وفي جميع الأحوال نحن أمام حالة من الغموض الذي يبدو وكأنه أداة يتم استخدامها لإخفاء ما هو أبعد بكثير مما نسمع ونرى من صراعات إقليمية ودولية!
ذلك غموض يفضي إلى حالة من الريبة والشك والتشويش وعدم اليقين مع أنها صراعات تهدد أمن واستقرار دول وشعوب بأكملها، وتهدد السلام العالمي، وتطيح بالنظام الاقتصادي الدولي، وقد ظهرت بوادر تلك التهديدات على إثر الحرب الروسية على أوكرانيا التي تتصاعد معها حدة المواجهة مع الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، وكلما لاحت في الأفق فرصة لاحتواء الوضع، ازداد الأمر تعقيدا وتصعيدا على المستويين العسكري والسياسي.
إن أكبر مشكلة يواجهها العالم في ظل هذه التطورات غياب مرجعية يمكن الاحتكام إليها، أو آلية يمكن استخدامها لوقف أي من الصراعات القائمة، بما في ذلك صراعات منطقة الشرق الأوسط، سواء في فلسطين أو العراق أو سورية أو لبنان أو اليمن أو ليبيا، وغيرها مما هو ظاهر أو خفي، ونحن هنا نشير إلى المحيط الذي يقع فيه الأردن باحثا عن لحظة يلتقط فيها الأنفاس من أجل أن يجد وسيلته في التعامل مع التطورات المتلاحقة، ويمسك بزمام الموقف الذي يحفظ له مصالحه وسط هذه الأجواء المشحونة، والمليئة بالمخاطر.
لقد فهم الأردن على الدوام مشكلات هذه المنطقة من العالم، وقد أتقن في الظروف الصعبة إدارة الأزمات والتوازنات، وحافظ على مكانته كبلد يتمسك بالمبادئ والأسس التي تقوم عليها نظرية الأمن والتعاون الإقليمي والدولي، ولم يكن موقفه هذا نوعا من الحياد أو النأي بالنفس، وإنما كان موقفا مرجعيا لأنه مبني على القانون الدولي الإنساني، وعلى الشرعية الدولية، بغض النظر عن الانتهاكات التي تمارسها الأطراف المتصارعة لتلك المبادئ.
لكن تلك التطورات التي تنبئ بمخاطر لا حصر لها تسترعي الحذر، وشد الانتباه إلى حاجتنا الأكيدة لاعادة التفكير في طبيعة التوازنات التي يمكن ممارستها في وضع استثنائي لا يمكن التكهن بمساراته ونتائجه القريبة والبعيدة، وفي اعتقادي أنه لا مفر من رسم خريطة طريق وطنية تدلنا على خطواتنا وسط هذا الغموض المريب!