تعطيل القطاع العام دون الخاص
أخبار البلد-
تكررت خلال الأسابيع القليلة الماضية ظاهرة غير مسبوقة تتمثل بإيجاد حالة من اللامساواة القانونية بين العاملين في القطاعين العام والخاص، وذلك فيما يخص الاستفادة من العطل والمناسبات والأعياد الدينية. فكانت نقطة البداية من البلاغ الذي أصدره رئيس الوزراء بتعطيل العاملين في الوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات والهيئات العامة والجامعات الرسمية والبلديات وأمانة عمان الكبرى والشركات المملوكة للحكومة بالكامل، لتمكينهم من المشاركة في الانتخابات المحلية الأخيرة.
ثم جاء بلاغ حكومي آخر يتعلق بتحديد ساعات الدوام خلال شهر رمضان المبارك ليشمل الموظفين في الجهات ذاتها دون الإشارة إلى العاملين القطاع الخاص.
وأخيراً، صدر بلاغ حكومي قبل أيام يقضي بتعطيل الموظفين المسيحيين في المؤسسات والدوائر الحكومية بمناسبة الأعياد الدينية القادمة، دون أن يشمل ذلك البلاغ المسيحيين العاملين في القطاع الخاص.
وقد أثارت هذه البلاغات المتتالية حالة من الجدل القانوني والاجتماعي حول مدى مشروعية التمييز بين الأردنيين بالاستناد إلى مكان العمل، وما إذا كان الأردنيون العاملون في القطاع الخاص لا يحق لهم الانتخاب، ولا يجب مراعاة مشاعرهم كصائمين، وأن يحرموا من الاحتفال بأعيادهم الدينية. فجاء تأكيد وزارة العمل بأن هذه العطل لا تشمل العاملين في القطاع الخاص، وبأنهم لن يتقاضوا أجورا إضافية مقابل عملهم في تلك الأيام، باعتبارها أيام عمل عادية بالنسبة لهم.
وقد جرى الاستناد في هذا التمييز غير المبرر بين الأردنيين إلى أحكام المادة (59) من قانون العمل التي تنص على أنه إذا اشتغل العامل في أيام الأعياد الدينية أو العطل الرسمية، فيتقاضى لقاء عمله عن ذلك اليوم أجرا إضافيا لا يقل عن (150%) من أجره المعتاد، وبأن العطل الرسمية قد جرى تحديدها في البلاغ الحكومي الصادر في عام 2012، الذي لا يشمل أيام الانتخابات، أو تغيير ساعات العمل أثناء الصيام، أو بعض الأعياد المسيحية.
إن هذا التبرير الحكومي لا يقوم على أساس قانوني سليم ويتناقض مع البلاغات الحكومية ذاتها. فهي قد شملت ضمن الفئات المخاطبة بها العاملين في الشركات المملوكة للحكومة بالكامل، الذين لا يعتبرون موظفين عموميين وإنما يخضعون لقانون العمل. وهنا يظهر الخلل الدستوري في تقرير قواعد قانونية متمايزة تحكم العاملين داخل القطاع الخاص، فهناك تمييز واضح لصالح الموظفين في الشركات التي تملكها الحكومة، عن غيرهم من العاملين في باقي القطاعات الخاصة.
وقد سبق للديوان الخاص بتفسير القوانين أن أصدر قراره التفسيري رقم (4) لسنة 2014 وحدد فيه الطبيعة القانونية للشركات المملوكة بالكامل للحكومة بأن اعتبر أن العاملين فيها لا ينطبق عليهم وصف الموظف العام، فأفتى بالقول «إن ملكية الحكومة بالكامل لأسهم أو حصص في شركة الكهرباء الوطنية المساهمة العامة لا يسبغ عليها صفة المؤسسة العامة الرسمية، بعد أن تم تسجيلها أو تحويلها بموجب قانون الشركات ولم تعد تدار وفقا لإدارة المرافق العامة وإن كانت تقدم خدمة عامة، وأن موظفيها لا يعتبرون من الموظفين العموميين».
وفي السياق ذاته، أصدر ديوان تفسير القوانين قراره رقم (14) لسنة 1972 الذي عرّف فيه العطل الرسمية بأنها تلك العطل الرسمية المتكررة والعطل الرسمية الطارئة التي يُعلَن عنها ببلاغ صادر عن رئاسة الوزراء. كما جاء في القرار التفسيري تعريف الأعياد الدينية بأنها تلك الأعياد التي تقتضيها شعائر الأديان طبقا للعادات المرعية في المملكة كما تنص عليه المادة (14) من الدستور. وهنا يجب التأكيد على أن قرارات ديوان تفسير القوانين تنشر بالجريدة الرسمية، ويكون لها مفعول القانون، وذلك عملا بأحكام المادة (123/4) من الدستور.
وعليه، فإن الحكومة مدعوة اليوم إلى أن تعيد النظر في البلاغ الحكومي الصادر في عام 2012، بحيث يضاف إليه العطل الرسمية الطارئة التي يقرر رئيس الوزراء إضافتها لكي يستفيد منها جميع الأردنيين، وأن يتسع نطاق العطل الدينية المسيحية لتشمل جميع العاملين المسيحيين في القطاعين العام والخاص، وذلك تماشيا مع أحكام الدستور والقانون.