إجراءات بناء الثقة تمتص غضب الأقباط على مقتل كاهن في الإسكندرية

اخبار البلد - حصد النظام المصري نتائج سياساته الإيجابية حيال الأقباط، وظهر ذلك بوضوح في ردود الفعل الرسمية والكنسية والشعبية عقب مقتل كاهن مسيحي بمحافظة الإسكندرية، مساء الخميس، وبدا أن هناك حالة ثقة عالية من الأقباط في أن تأخذ الإجراءات القضائية مسارها للكشف عن ملابسات الحادث الذي جاء بعد فترة من توقف العمليات الإرهابية وإشعال الفتن الطائفية.

وطعن مُسنّ القمّص أرسانيوس وديد كاهن كنيسة "السيدة العذراء وماربولس كرموز” في رقبته أثناء خروجه من أحد الشواطئ بصحبة مجموعة من الشباب كانوا في رحلة ترفيهية، ما أدى إلى وفاته بعد أن فشلت محاولات إنقاذه عقب نقله إلى المستشفى.

وتمكن جهاز الشرطة من القبض على رجل عمره 60 عامًا اعتدى على رجل دين مسيحي في أثناء سيره بالكورنيش في منطقة سيدي بشر بالإسكندرية على البحر المتوسط، باستخدام سكين، ووصفت الكنيسة الأرثوذكسية الحادث بـ”الإجرامي”.

وجاءت ردود الفعل القبطية هادئة ولم يقد الحادث إلى المزيد من التلاسن بين المسلمين والأقباط، كما كان يحدث في مرات سابقة، وبدا أن هناك حالة من التعاطف الشعبي مع الكاهن الذي عُرف عنه تدشينه لأنشطة خيرية عديدة.


رسمي عبدالملك: الأقباط على ثقة في الإجراءات التي تتخذها الدولة حيال الحادث

وفي حين أشار شهود عيان إلى أن المتهم بدت عليه علامات المرض النفسي، وأنه ظل يصرخ ويتفوّه بكلمات وأفعال غير متزنة، لم تلتفت البيانات الرسمية الصادرة من الأجهزة الأمنية لما جرت إثارته، وبدا أن هناك توافقا على أهمية أن يلقى الجاني عقابه بما لا يسمح بالعودة إلى مربع الفتنة الطائفية.

وطالب النائب العام المصري بسرعة التحقيق وكشف ملابسات الحادث وتحرك الجهات الأمنية وإتاحتها المعلومات المطلوبة بشأن الحادث بعد فترة وجيزة من وقوعه برهن على أن هناك تعاملا مختلفا هذه المرة.

ولفت متابعون إلى ضرورة التعرف على الخطاب الديني الموجه من جانب الشيوخ في منطقة تواجد الجاني ومعالجة القضية من جذورها لمنع إحياء الفتنة.

ودائما ما تكون حوادث قتل الكهنة والقساوسة في مصر باباً مفتوحاً لإثارة نعرات طائفية وتوجيه اتهامات لأجهزة الدولة بالتستر على هذا النوع من الجرائم أو التغطية عليها خشية من اتساع دائرة العنف.

واستطاعت الحكومة المصرية أن تتعامل مع مشكلات إعادة بناء الكنائس وترميمها عبر إجراءات قانونية أعقبتها جهود إنشائية كبيرة، وتمكنت العام الماضي من ترميم أكثر من ألفي كنيسة، وانتهت من ترميم جميع الكنائس التي جرى الاعتداء عليها من قبل متطرفين، وحرصت على بناء كنائس في مدن ومناطق جديدة بجانب المساجد، وأخيراً جرى إصدار قوانين بتشكيل هيئتي أوقاف الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية.

وأصبحت الحكومة أكثر ثقة في قدرتها على تطويق آثار الحادث وتداعياته، وأن الإجراءات التي اتخذتها في السنوات الماضية واستهدفت بناء الثقة مع الأقباط والاستجابة للجزء الأكبر من مطالبهم وتوفير أجواء مواتية لنشر ثقافة المواطنة وقبول الآخر، جعلها تسير في تحركاتها دون حساسيات دينية أو سياسية، وتلقت دعمًا من جهات كنسية ومواطنين أقباط ظهرت من خلال ثقتهم في إقرار العدالة.

وأكّد رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي في بيت العائلة المصرية (هيئة إسلامية قبطية مشتركة)، رسمي عبدالملك، أن المناخ العام للحريات الدينية يشهد نوعا من الاستقرار، وثمة ثقة في الإجراءات التي اتخذتها أجهزة الدولة وأسفرت عن تراجع معدلات الإرهاب وخفوت حوادث الاعتداءات على الأقباط والعزف على وتر الفتنة الطائفية.

حالة الشك والعودة إلى مربع العنف مازالت حاضرة لدى فئات غير مقتنعة بتوجهات الدولة أو مازالت تتعرض لخطاب التطرف من الطرفين، المسلم والمسيحي

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الأقباط على ثقة في الإجراءات التي تتخذها الدولة حيال الحادث، وهو ترجمة مباشرة للتغير الملحوظ تجاه الحكومة، بحسب ما تشير إليه الدراسات الاجتماعية التي يقوم بها بيت العائلة، فهناك تراجع في حوادث العنف الطائفي بفعل الخطاب السياسي الذي تتبناه مؤسسة الرئاسة والكنيسة وشيخ الأزهر والتي تدعم المواطنة.

وتابع عبدالملك "في الوقت ذاته سيكون من المهم الوصول إلى أبعاد الحادث وأسبابه، لأنه قد يكون من الوارد وجود شبهة لوجود عمل إرهابي، ولا تجب الردة والعودة إلى الوراء في هذا الملف، وأتمنى أن يلهم الله الحكمة للمسؤولين بما يقود للوصول إلى الأسباب الحقيقية التي أدت لوقوع الحادث”.

وأثار وقوع حادث مشابه في نفس التوقيت استهدف إمام مسجد بمحافظة الغربية، شمال القاهرة، عقب صلاة العشاء ما أدى إلى إصابته بجرح قطعي، تساؤلات ما إذا كانت هناك مساع لإشعال الفتنة الطائفية من جديد، وبدت التعليقات على الحادثين متشككة في وجود جهات معادية لها مصلحة في إثارة النعرات الطائفية.

ونفت التحقيقات الأولية في الحادث الثاني وجود شبهة طائفية، وأشارت إلى أن "صاحب محل قام بالاعتداء على الشيخ سامح نبيه هريدي بمطواة مما تسبب في جرحه في يده وضربه بعصا كانت مع الشيخ، حيث تربص به المتهم على خلفية جلسة عُرفية كان الشيخ حكمًا فيها”.

ويقول مراقبون إن حالة الشك والعودة إلى مربع العنف مازالت حاضرة لدى فئات غير مقتنعة بتوجهات الدولة أو مازالت تتعرض لخطاب التطرف من الطرفين، المسلم والمسيحي، واستمرار معالم الفتنة الطائفية لسنوات طويلة وبدء التحرك في تحسين الأوضاع مؤخرا فقط لا يكفي لتحقيق النتائج المرجوة، وهو ما يتطلب التعامل بحذر مع وقوع حوادث تبدو فردية، لكن تكرارها قد يراكم الغضب الداخلي.

ويشير المراقبون إلى ضرورة الانتباه لما يجري من تطورات تريد قطع الطريق على ما جرى تحقيقه من تقدم في ملف المواطنة، فتوالي الخطابات المشجّعة على توعية الناس أحدث تغييرا يصعب تجاهله، وهو بحاجة إلى مزيد من الوقت لينعكس على سلوكيات وأفكار الناس على نحو أفضل، وبات من المطلوب في حادث الإسكندرية صدور حكم سريع ورادع من دون الانتظار وقتا طويلا، كما كان الحال في قضايا سابقة.