عشائرنا وعشائرهم


بعد الذي حدث في المفرق بين العشائر والإخوان ولم نكن نتمناه بدأت الصورة تتضح بما يتم التخطيط له والنية المبيتة التي كانت تنتظر الفرصة المناسبة للإفصاح عنها. كل المتابعين سمعوا تصريحات الإخوان التي توجه الإتهام بشكل مباشر وغير مباشر الى الدولة الممثلة برجال أمننا بأن الأمن يتخذ من العشائر ميليشيات مساندة له (وما العيب في أن تكون العشائر سندا للأمن وتعمل على استقرار الوطن؟). فكون الإخوان يؤمنون بأن الحقيقة ملك لهم فقط فلا يقبلون الرأي الآخر وكأن لسان حالهم يقول أن من ليس معهم فهو ضدهم وهذا يتفق تماما مع منطق أمريكا وقانونها الذي يوما فرضته على العالم وأفصح عنه رئيسها الأرعن جورج بوش الإبن على أثر تفجير أبراج نيويورك.
ورأيهم هذا فيه من عدم التروي والثقة الزائدة التي تصل لحد الغرور والإستقواء على الحكومة التي رئيسها شاورهم بالمشاركة ورفضوا خوفا من فقدان شعبيتهم وليبقوا في حل من أمرهم ولتوسعة هامش المعارضة التي يبدو أنها هدف وليست نهجا لتحقيق الهدف مما يجعلنا جميعا دولة ومواطنين شرفاء أن نعيد التفكير مليا بما يجري ونستبصر ما يمكن أن تأتي به الأيام والشهور القادمة. التظاهر الذي قامت به "عشائر" الإخوان والغير مسبوق بالشباب صغار السن المدربين والسالكين نهج حزب الله يُنذر بأن هناك استقواء على الدولة وعدم اكتراث للأمن ورجالاته وكأنهم يودون إرسال رسالة تنادي بلبننة الأردن. ومن الواضح أنهم ينهجون نهج تمزيق وتقسيم الشعب إلى إخوان مسلمين من جهة وعشائر من جهة أخرى.
التقاطع الذي تمثل بخروج شباب الإخوان وبالشكل المنظم والذي يرتقي إلى الإستعراض العسكري للجيوش المحترفة لقوتها وتوقيته كان تحديا واستعراضا للقوة يدل على أن أولئك الشباب مدربون جيدا. والسؤال الذي يطرح نفسه على الأجهزة الأمنية لماذا وأين ومتى تم تدريبهم؟ هل ناديتم بهم أيها الإخوان لاسترداد المحتل من الأرض العربية؟ هل تم استعراضهم لإرسال رسالة تفهمها إسرائيل؟ أم أنكم أخرجتموهم بوهمكم أنكم جهة موازية للدولة؟ فهمكم الخاطئ للمشهد القائم سيؤدي إلى الإستفزاز الذي يجعل العاقل والحليم يفقد السيطرة ويخرج عن تعقله وحلمه. نأمل من عقلاء الإخوان أن يضبطوا من خرج عن طوره سواء كان قياديا أو شابا تم تحميسه لدرجة قتل النفس. إنما للصبر حدود والكيس من دان نفسه.
ربما تفهمنا يوما ولحد ما بعض مطالبهم لكن بعد مظاهر الإستقواء التي رأيناها لا محالة أننا مقدمون على ما لا نتمنى إذا لم تحَجّم هذه المظاهر ويتفهم من وراءها مقدار حجمه ويقف عنده ويتصرف بطريقة توحي بأنهم جزء من النسيج الوطني الحريص على استقرار الوطن وليس جزءا مناوئا ومناكفا للنسيج الوطني الصادق وإلا ستتفاقم حدة المواجهة وسيتم التصعيد المؤدي للتصادم بين الفريقين ونكون في طريقنا إلى اللبننة وكلنا يعي أن لبنان بات منذ زمن يُلوّن سياسته حزب الله المدعوم من إيران والذي أهدافه واضحة للجميع.
وإذا استمر المشهد والقابل للإنفجار دون معالجة سريعة صادقة وبشكل صارم فالنتيجة هي الإقتتال والتحزبات والزعامات (لا قدر الله) التي تمزق الوطن وتضعف الدولة وتنال من هيبتها. الشيء الذي لن يقبل به شرفاء هذا الوطن والمؤمنون بكرامته واستقراره والمقدرون لحكمة قيادته وحِلمها. ولن يغيب عن بالنا تزامن هذا النهج الجديد مع انضواء حركتي حماس والجهاد تحت جناح منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك استضافة عمان لإسرائيل والمنظمة للتباحث والتشاور وربما التفاوض للوصول لحل معضلة إقامة الدولة الفلسطينية. فنهجكم هذا يا إخوان يعرقل توجه الدولة ويخلق جوا متوترا يعيق المسيرة.
إذا ربطنا بين الحدثين (نهج الإخوان الجديد وانضواء حماس والجهاد تحت مظلة المنظمة) سنجد تناغما وانسجاما واضحين بين الموقفين سعيا وراء الهيمنة والتفرد بالقرار. وحتى نكون منصفين نقول هناك الكثير من التحفظ على سياسة المنظمة لكن المجال لايتسع للتفصيل. وعلينا الحذر من خبث إسرائيل وعدم التزامها المعهودين بما يتفق عليه لتنفيذ مخطط خرافة "الوطن البديل" وببطء يكاد لا يُلحظ بسهولة. وأتمنى أن أكون مخطئا وأتمنى أن تكون النوايا صادقة نحو حل عادل يفضي إلى دولة مستقلة عاصمتها القدس. لكن لن يضرّنا الحذر والتنبه والنظر على الصورة كاملة وألا نغفل أي جزء منها.
القناعة السائدة الآن أن أمريكا ـــ وهل أمريكا تريد السعادة لشعوب المنطقة؟ ـــ لا تمانع أن يحكم الإخوان أو يشاركوا بالحكم في دولهم وتتعامل الآن مع دولهم على هذا الأساس مما جعل الحركات الإسلامية تنتعش من جديد وتتنفس الصعداء وتنافس على نصيبها في الحكم. وإن تحقق ذلك فستكون دول ذات طابع قهري يخرج عن إطار المألوف الذي لا يرضي المسيحيين والكثير من المسلمين مما سيدفع بالناس لعدم قبولهم بأسلوب الحكم ويبدأ التشادد من جديد (أبعده الله عنا) وتجد أمريكا ثغرة ومبررا للدخول للمنطقة وعلنا وبرغبة نسبة كبيرة من الناس "كمنقذ ومخلص لنصرة الشعوب". ونكون عندها كالدجاجة التي حفرت وعلى رأسها عفرت.
فيا جلالة الملك ويا حكومة ويا أمن لا تنتظروا حتى وقوع الفأس بالرأس, عندها يكون الفأس قد فعل فعله. فلنمسك بالفأس مبكرا حتى نضمن أن الرأس لن يطاله أذى. فاللوم بعد فوات الأوان لا يجدي نفعا, فلا تنتظروا وتتباطؤوا على حساب هيبتكم التي هي هيبة الوطن وكما قال جلالة الملك "هيبة الدولة من هيبة المواطن" ورجل الأمن مواطن والقائمون على الدولة مواطنون وبقية الناس مواطنون وعلى رأس هذه السلسلة جلالة الملك الذي يحرص وبشدة على هيبة المواطن التي تؤدي بالتالي إلى هيبة الوطن.
فلماذا لا نطبق مقولة جلالته وننفذ رغبته؟ فجلالته لا يستطيع أن يعطي حلا لكل شاردة وواردة ليس عجزا بل لأن دوره إعطاء الخطوط العريضة والعناوين الرئيسة وعلى الأدوات التنفيذية القيام بترجمة تلك الخطوط والعناويين وتطبيقها على الأرض.
فالتجييش الذي قام به الإخوان لابد من وجود من لديهم الإستعداد على التجييش ضده وهذه ليست دعوة بقدر ما هي قراءة اجتهادية لما يمكن أن يؤول إليه الحال.
فهيا بنا دولة وشعبا لنطفئ نار الفتنة التي نراها تضطرم شيئا فشيئا قبل أن نكتوي بها. فعلى الأمن أن ينهج سياسة جديدة تحارب كل مظاهر الإستقواء والإستفحال بأسلوب يحفظ حقوق الجميع.
والعشائر التي هي المكون الرئيس والأساسي للوطن الأردني والداعم الدائم للنظام والأمن لن تبقى مكتوفة الأيدي عندما تشعر أنها عرضة للخطر والطمس والتمزيق وإنكار دورها كمكون أساسي من مكونات هذا الوطن الذي تفتديه وقيادته بأبنائها. "فعشائرهم" نراها تعمل على تفكيك العشيرة كوحدة اجتماعية متماسكة وتماسكها يشد من تماسك النسيج العام للوطن الذي تحرص على أمنه من كل من يحاول النيل منه بهدف إضعافه ليسهل التلاعب عليه والتحكم به والتسلط على رقاب أبنائه. وتفكيك العشيرة هو بمثابة تفكيك للجسد الواحد أي تقسيمه لأجزاء يسهل السيطرة عليها.
فما نراه من مظاهر الإستقواء وتدني الشعور بالمسئولية تجاه استقرار الوطن والإستهتار بالدولة واستغلال غض الطرف عن البعض من قبل الدولة وذلك ليس ضعفا بقدر ما هو حِلْم لا محالة سينال وللأسف من هيبة الدولة. ولنعلم أن من لا هيبة له لا يحسب له حسابا ومن لا يحسب له حسابا فعدم وجوده خير من وجوده, وعدم الوجود يعني الموت أو غياب الدوْر والموقف أو التقوقع بلا حراك.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com