أوكرانيا وفلسطين

اخبار البلد -

يستحضر الموقف الاوروبي والاميركي من «القضية الاوكرانية» موقفهما التاريخي من قضية فلسطين، فحيث تدين اوروبا واميركا الرسمية والشعبية «الاحتلال» الروسي لاوكرانيا، فانها ومنذ اربعة وسبعين عاما، ما زالت تناصر الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وما فتئت تختلق الحجج والمبررات للاحتلال الصهيوني لارضها، وتشريد شعبها، حتى ان الاعلام العالمي في اغلبه اظهر عنصرية غير مسبوقة؛ عندما استنكر على بوتين «المجرم» ان يهجر ويقتل مواطنين «اوروبيين» ليسوا من فئة الفلسطينيين او العراقيين او السوريين، ولا هم عموما شرق اوسطيين!! وكأن التشريد والاحتلال والتجويع والظلم «يليق» فقط بهؤلاء البشر!
روسيا والاتحاد السوفياتي من قبلها، هي من اول الدول التي اعترفت بدولة اسرائيل، وموقفهما التاريخي بخصوص قضية الشعب الفلسطيني، تحدد بالعداء للموقف الامريكي، اكثر منه مناهضة للاحتلال الاسرائيلي والمشروع الصهيوني فيها، واغلب الدول التي انفرطت عن الاتحاد السوفيتي تقف الان موقفا مؤيدا لاسرائيل وسياستها الاستعمارية، ولكن فجأة صار هناك غزو ليس من عدو «خارجي» اسلامي او شرق اوسطي، بل من شعوب اوروبا فيما بينها، وصار هناك حديث عن احتلال، وقتلى من المدنيين، وكذلك ممرات آمنة لخروج اللاجئيين، لكنهم من شعوب اوروبية، وهذا «كركب» المشهد السياسي والاعلامي والانساني الاوروبي! وصارت الامم المتحدة تتحدث عن قرارات لادانة هذا العدوان وقتل المدنيين، وعن حق الشعوب في مقاومة الاحتلال! لا بل فان دول اوروبا واميركا تتسابق بشكل علني او مستتر لارسال صواريخ لاوكرانيا لمقاومة «المحتل الغاشم»، في حين يحاصر العالم ويجوع غزة لان فيها مواسير باسم صواريخ !!!
الضمير العالمي، وكذلك الامم المتحدة في موقف حرج امام منطقها من القضية الفلسطينية، الذي دعم احتلال وتشريد الشعب الفلسطيني، وأنكر حقه في الوجود والمقاومة، وصار الذي ينكره على الفلسطيني؛ يدعو اليه في اوكرانيا بل يمدها بالسلاح والعتاد.
ولا اقول ان هذا سيشكل انقلابا في الموقف الاوروبي من القضية الفلسطينية، ولكنه محطة مهمة لاعادة فهم الصراع العربي الصهيوني، ليس فقط من قبل احرار العالم بل من الشعوب العربية نفسها، ومن قياداتها التي اساءت طوال اكثر من قرن اختيار اعدائها واصدقائها!
لسبب او لاخر هناك تحول في المنطقة العربية ــ وخاصة في الخليج العربي ــ ؛ في الموقف من التحالف «الاعمى» مع الاميركان – او هو انقلاب على امريكا بايدن بانتظار امريكا ترامب!! ـ ، ولكن في كل الاحوال اعتقد ان استقبال الاسد في الامارات، وكذلك رفض السعودية للطلب الامريكي بزيادة انتاج النفط، وايضا عدم انضمام دول الخليج للحصار الاقتصادي على روسيا، وعالميا شراء الهند كميات كبيرة من النفط من روسيا، ودفع ثمنها بالروبية الهندية، اضافة للحلف شبه المعلن بين روسيا والصين، والتوجه لفرط معادلة «البترودولار»، واستبدال عملة التجارة العالمية من الدولار الى الين الصيني، مؤشرات على انقلاب مهم في النظام العالمي السياسي والاقتصادي، قوامه ازاحة اميركا عن قيادة العالم وعن سيطرتها على القرارات الدولية، وتوجيهها للسياسة العالمية. انا شخصيا مرتاح لسيادة الصين للعالم – رغم تحفظات كثيرة على ادائها كدولة تولبتارية – على الاقل هذه دولة لا تؤمن بالتبشير بالدين ولا بالسيطرة على العالم، ولعل في مثل هذا المركز للصين، عالم جديد وانسان جديد، فان الانسان المعاصر استهلك ذاته، وحولها لمسخ تقبل لغيرها ما لا تقبله لنفسها، وتستمرئ الشر اذا كان يصب في مصلحتها، فهل تكون القضية الاوكرانية بداية تغيير كوني شامل في السياسة وفي الحضارة وفي الانسان، ان غدا لناظره قريب !