الكسندر دوغين.. عقل بوتين الخطير!

أخبار البلد-

 

يحاول الاعلام الغربي تصوير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أنه «مجنون» أو مقامر أو متهور لأنه قام بعمل «غير مبرر» والمقصود هنا الحرب على أوكرانيا، وهذا الإعلام الذي أثبت أنه كما «إعلام العالم الثالث» مقيد ويتلقى الأوامر بالهاتف، تديره إما عقول جاهلة أو عنصرية أو مراهقة، فهذه العقول لا تدرك أبعاد الصراع الدولي ولا محدداته ولا قوانينه، وبالتالي فهي تقفز إلى «التوصيف» والشيطنة والوسم دون القيام بواجبها في التحليل والفك والتركيب للأحداث وبخاصة تجاه حدث ضخم مثل أوكرانيا..

الرئيس بوتين ومن باب الموضوعية وليس التحيز، ليس مجنونا ولا متهورا بل هو رجل دولة استراتيجي يدرس خطواته وقراراته بهدوء ويملك فلسفة سياسية لم يطلع عليها الكثير من المراقبين أو حتى المهتمين بالشأن السياسي العالمي، هذه الفلسفة هي «النظرية السياسية الرابعة» للمفكر والفيلسوف الروسي الكسندر دوغين الذي يعد «عقل بوتين الاستراتيجي» وهي الرابعة لانها تأتي بعد الأيديولوجية النازية، وبعد الشيوعية وبعد الليبرالية وبكل تأكيد سوف يتساءل القارئ الكريم ما هي هذه النظرية ومن هو هذا الشخص؟

من الصعب الإجابة في هذا المقال وهذه المساحة المحدودة إجابة مستفيضة، ولكن يمكن الإشارة إلى أن الكسندر دوغين أحد أهم الفلاسفة في مجال علم الجغرافيا السياسية أو «الجيبولتيكا»، والف في عام 1999 كتابه الشهير الذي يعتمد عليه بوتين في سياسته الخارجية والمسمى (أسس الجيبولتيكا – مستقبل روسيا الجيبولتيكي)، ومن أهم الأسس التي طرحها دوغين في كتابه هذا ما يلي:

• أن الصراع اليوم بين روسيا وأميركا هو صراع «جيبولتيكي» وليس كما كان بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة «صراع ايديولوجي»، والصراع الحالي هو حتمي بمعنى أنه لا ينتهي إلا بتدمير أو هزيمة أحد الطرفين للطرف الآخر وهذا يعني أن وصول حلف الناتو إلى أوكرانيا وإغلاقه منفذ البحر الأسود بوجه موسكو يعنى نهاية روسيا كدولة عظمى.

• في تفسيره لمعنى الصراع الجيبولتيكي يرى دوغين أنه صراع بين اليابسة والبحر، وروسيا أسيرة اليابسة فيما أميركا وبريطانيا والدول الغربية تحتل البحر وتتمتع بمزاياه في الحركة والحيوية اللوجستية، ولذا كانت روسيا دائما تهدف للوصول إلى «المياه الدافئة» لتتحرر من ديكتاتورية اليابسة أو قدرية الجغرافيا، ويُشخص دوغين الصراع الحالي بين موسكو وواشنطن بالصراع بين «التيلولوقراطية أي القوى البرية من جهة والتلاسقراطيا أي القوى البحرية».

• يرى دوغين أيضا أن المشروع الاستراتيجي لروسيا يجب أن يكون بناء «الامبراطورية الاورواسيوية» وأن تكون هويتها وطنية «روسية فوق العرق والقومية»، دولة محافظة تنبذ الليبرالية وتحترم الموروث الديني والاجتماعي والثقافي للشعوب المنضوية تحت رايتها، ودوغين يشرح في أحد الفصول من كتابه أسباب الانحلال الاخلاقي والقيمي في المجتمعات الليبرالية – الرأسمالية ويرجعه لثقافة البحر وأهل البحر وحرية الحركة فيه وهي فرضية معرضة للنقد التاريخي والانثروبولوجي والسوسيولوجي.

• يعتقد دوغين اليوم وبعد أكثر من عقد على صدور كتابه المشار اليه ان هناك مدرسة تكونت في روسيا اسمها «البوتينية» مؤمنه ببوتين وبمبادئه وتطبقها.

في العودة لمجريات الاحداث وإسقاط «عقل دوغين عليها»، فان منع أوكرانيا من التحول لحليف لواشنطن هي مسألة حياة أو موت، وبالتالي ضرورة حياديتها إن لم يكن هناك إمكانية لتبعيتها لروسيا، أما السيطرة على شبه جزيرة القرم فهي ضرورة استراتيجية لمنع خنق روسيا وحرمانها من البحر.

"البوتينية» أو «الفلسفة الدوغانية» هما الشكل الجديد لدولة عظمى تاريخيا اسمها روسيا، من الواضح أن هذه الدولة تخوض حربا مصيرية في أوكرانيا من أجل البقاء، فهل تنجح أم لا؟

هذا هو السؤال الكبير!