ورشة العمل الاقتصادية والبحث عن هوية اقتصادية وطنية

اخبار البلد..

 

الأمر الجيد في ورشة العمل الاقتصادية هو تمكين ممثلي القطاعات الاقتصادية المختلفة من الجلوس مع الجهات التنظيمية المختلفة لمناقشة المشكلات والتحديات التي تواجه مختلف القطاعات، ومع ذلك، فالقطاعات تحدثت كثيراً، وأسهبت في توضيح وجهات نظرها خلال السنوات الأخيرة، فما الذي يتوقع أن تحققه هذه الورشات في المرحلة الجارية؟
قبل أي شيء، ما الذي يريده ممثلو القطاعات، ما الذي سيتحدثون فيه؟ لا يحتاج الأمر لمتابعة تفاصيل الجلسات، فأي قطاع يريد بيئة أسهل لمباشرة الأعمال وتطويرها، واستقراراً تشريعياً وتنظيمياً، وتكلفة أقل للتشغيل، وانخفاض التكلفة سيترتب عليه تنازلاً من الحكومة عن بعض وارداتها في المدى القصير ستتطلع إلى تعويضه في المدى الأبعد، أي من خلال الضرائب التي ستفرض لاحقاً على حركة تجارية أكثر نشاطاً، ومقابل ذلك تتوقع الحكومة أن تنشط القطاعات الاقتصادية في تشغيل الأردنيين، لأن هذه الغاية ترتبط بأبعاد اجتماعية وسياسية، ومن المفترض أن تكون هذه المقايضة الضمنية واضحة، وأن يتم توضيحها وتعزيزها.
ستخرج الورشة بمجموعة من التوصيات التي هي مهمة بلا شك، ومع ذلك يجب أن تعرض على رؤى أخرى تمثل بقية القوى المنتجة مثل النقابات العمالية والأجهزة الحكومية المعنية بالتشغيل، كي لا تصبح تعبيراً عن رؤية القطاعات، ومع أن المحافظة على استمرارية القطاعات في المشاركة الاقتصادية هي من الأهداف المهمة في حد ذاتها، ومن شأنها أن تشكل طوقاً لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الدخول في حلقة من الركود التضخمي حيث تتصاعد الأسعار على الرغم من عدم حدوث نمو اقتصادي، إلا أن ذلك ليس كافياً في هذه المرحلة، ولعله يأتي لاحقاً بعد مواجهة مشكلة البطالة التي ربما تتطلب تضحيات من الجميع.
مهما كانت المخرجات ستبقى ماثلة أمام الجميع حقيقة أنها ستضاف إلى كثير من الأدبيات التي قمعت لأنها لم تتحول إلى قوانين وتعليمات وسلوكيات في الإدارة العامة، وهذا ما يدفع إلى التفكير في مسألة تمرير التشريعات والخروج بها في صورة أمر واقع يحكم تدخل الحكومة في الأنشطة الاقتصادية تجاه تشجيعها قبل ضبطها والرقابة عليها، وقبل أن تعتبر مجرد محركات للجباية التي نشطت في وقت تباطؤ اقتصادي لتشكل ضغطاً إضافياً على الجميع.
قصارى ما يمكن الوصول له في حال افتراض النقاش الدائر في الورشة الاقتصادية هو تعديل أوضاع الاقتصاد تجاه الحصول على كفاءة أعلى من عملياته القائمة وضمن حدود حجم الاقتصاد الوطني الراهن، أي تعزيز الطاقات القائمة والموجودة أصلاً، ولكن ذلك ليس كافياً لتحقيق أهدافنا الاقتصادية الأوسع، خاصة وأن البطالة تزيد سنة بعد الأخرى، والاستيعاب في أسواق العمل يتم أحياناً بشروط غير كافية، فالعاملون يحصلون على دخل يكفي للإعاشة ولكنه لا يكفي لضمان حياة كريمة مع الوقت، وهو ما يتطلب أن نندفع تجاه الاستثمار والحصول على حصة استثمارية لائقة، وهذه الأمور تتجاوز الورشة الاقتصادية لأنها ترتكن على تاريخ طويل من حالة التشكك في الاستثمار وتداخل الاعتبارات حول المشاريع الاستثمارية ووجود قوى معطلة أمام الاستثمار، ولكن ليس ثمة حلول خارج الاستثمار من أجل أن ننتقل من الاستقرار إلى النمو الحقيقي.
المستثمرون لا يحملون بالطبع الاستعداد للتضحية الذي تحمله القطاعات الممثلة في الورشة الاقتصادية، ولذلك فالعمل على ما بعد الورشة يجب أن يعود إلى مربع المسؤولية السياسية تجاه بناء المنظومة الاقتصادية، وهو ما يربط بين اصلاح سياسي وآخر اقتصادي لأنه يبني نهجاً اقتصادياً يحقق أهداف الدولة والمجتمع وليس مجرد تسهيلاً أو تدعيماً للقطاعات الاقتصادية القائمة.