المفرق بلدة .. تحبنا ونحبها


يا شباب الإخوان المسلمين .. أيها الشباب الغاضبون .. لقد غضبتم وحقّ لكم أن تغضبوا، وغضبنا وغضبنا لا يقل عن غضبكم ولكنه تحلى بزينة الصبر والحكمة لا شين الذل والجبن والهزيمة، لقد غضبتم غضبة ربانية لدينكم ودعوتكم وإخوانكم، غضبتم لانتهاك حرمات ربكم، غضبتم للمصحف أن يمزق، ولدور القرآن والقيام والصيام والكتائب الرحمانية أن تحرق وتدمر، ويكتب على جدرانها الطاهرة بذيء الكلام من أياد آثمة تخلقت بمثل ما كتبت (فكل إناء بالذي فيه ينضح)، غضبتم لعيون ومقل إخوانكم أن تفقأ، وناديتم بملء الفم (العين بالعين والسن بالسن والبادىء أظلم)، غضبتم لدماء كريمة سالت وحرمات انتهكت وذمة خفرت، غضبتم لمؤامرة دنيئة حيكت، ثم نفذت ثم بررت، وبكل وقاحة برّئ المجرم وأدين المكلوم.
قرأت بيانكم كلمة كلمة، بعقلي وقلبي ووعيي لتاريخ دعوتكم وتجارب قادتكم ومن سبقكم، فآليت أن أخاطبكم في الهواء الطلق وعبر لفضاء المفتوح، لأنه ليس لدينا ما نخفيه، ولا نستحي ولا نخاف مما نقوله في الليل أن ينشره النهار، فعلانيتنا كسريرتنا، ومبادئنا واضحة معلنه، (وطريقنا هذا مرسومة خطواته، واضحة معالمه، موضوعة حدوده، وإنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائم، ومن صبر فأجره في ذلك علي الله، ولن يفوته أجر المحسنين، إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعاده) كما يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله مؤسس دعونكم – دعوة الإخوان المسلمين.
إن العنف والرجم بالحجارة والتهديد بالحرق ديدن كل مكذب لدعوات الأنبياء، لأنه دليل الإفلاس الفكري وسقوط الحجة والأقنعة الزائفة، وهو مؤذن بالسقوط والخسران، فها هو نوح عليه السلام: "قالوا يا نوح لئن لم تنته لتكونن من المرجومين"، وها هو شعيب عليه السلام: "قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز"، وهنا تبدو العشائرية الجاهلية والقبلية العصبية بأبشع صورها من أفواه قوم شعيب فيرد عليهم:"قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا"؟! مستنكرا تقديمهم مفاهيم العشيرة الضيقة والمناطقية الرجعية على مفهوم الإسلام العظيم الشامل المتقدم ليسع كل البشر ويسعدهم، وها هو إبراهيم عليه السلام: "قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين* قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم"، فيا نار الفتنة العمياء والعصبية الجهلاء كوني بردا وسلاما على الإخوان المسلمين، على شيبهم وشبابهم، على دورهم ومقراتهم، على دعوتهم وجهادهم
يا شباب الإخوان المسلمين .. إن كانت الدماء قد سالت من رؤوس إخوانكم في المفرق ومن قبلها في الدوار، فقد سالت دماء من هو أزكى منكم وأخير، سالت في (أحد) من رأس خير البشر، والذي ظل صلى الله عليه وسلم يحن إليه ويقول عنه: "أحد جبل يحبنا ونحبه"، ونحن والله نقول: (المفرق بلدة .. تحبنا ونحبها) ولو كره الجاهلون.
ولئن سالت دماؤنا من أقدامنا فقد سالت الدماء العطرة من قدميه الشريفتين في الطائف، يوم أن انهالت حجارة سفهاء ثقيف على سيد الدنيا وشفيع الآخرة، فرفع يديه داعيا ربه القريب: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس .. فكان الجواب من فوره من ملك الجبال: "إن شئت لأطبقن عليهم الأخشبين" فيهلكوا كما هلك قوم نوح وقوم شعيب وقوم هود وقوم لوط، وكما هلك الملك النمرود الذي حاول تحريق إبراهيم عليه السلام، وكما هلك أصحاب الأخدود الذين حرّقوا المؤمنين والمؤمنات رجالا وأطفالا ونساء في أخاديد النار حتى تفحموا، وكما هلك أبرهة الأشرم الذي حاول هدم الكعبة وحرقها، وكما هلك فرعون الذي "علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم"، ولكن الرحمة المهداة قال: "لا .. لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده إلى يوم القيامة".
شباب الإخوان المسلمين .. أعلم أنكم تعلمون، وأعرف أنكم تعرفون وتحفظون هذه النصوص عن ظهر قلب، ولكني أدعوكم لقراءتها هذه المرة قراءة فقه وتدبر وقياس وإسقاط على الواقع، وأذكركم بحديث البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال :"كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ".
وأخيرا يا شباب الإخوان.. أعلم والله أن بأسكم شديد، وأن إصراركم عظيم، وأنكم بعتم الأرواح في سبيل الله رخيصة، وأنكم بايعتم على الموت في سبيل الله أسمى أمانيكم منذ عقدتم لواء هذه الدعوة المباركة، ولكني أذكركم بقول مرشدكم الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: (كونوا كالشجر .. يرميه الناس بالحجر .. فيرميهم بالثمر)، وأؤكد لكم ولكل الأردنيين: (المفرق بلدة .. تحبنا ونحبها).

المهندس هشام عبد الفتاح الخريسات
hishamkhraisat@gmail.com