حول عذاب القبر

اخبار البلد - 
 

غالباً ما يتمُّ الوعظ عن عذاب القبر وعن سكَرات الموت وما يلاقيهِ العبدُ من شِدَّةٍ وضنكٍ إذا حضَرَه الموتُ حتَّى أصبح كثيرٌ من النَّاس ترتعِد فرائصه عندَ ذِكر الموت بسببِ هذه المواعظ التي تُشعر المؤمن أنَّ عذاب الله بهِ واقعٌ لا محالة عند موته.
وقلَّما يتمُّ الحديثُ عن نعيم القبرِ وما ينالُهُ المؤمن من سعادةٍ و بُشرى و طيب .
المُتأمِّلُ في الأحاديث الواردة فيما يتعلَّق بالموت وخروجِ الرُّوح إلى بارِئها يُلاحظ أنَّ العبدَ الصَّالح يُبشِّره مَلَكُ الموتِ بمغفرةٍ من الله ورضوان، وتخرجُ روحُه تسيلُ كما تسيلُ القطرةُ من فِي السّقاء، ثم ما تلبث الملائكة أن تأخذها وتجعلها في كفنٍ من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، ثمَّ تُعاد روح المؤمنِ إلى جسده فينعما معاً من طيب الجنة وروحها كما ورد في بعض الأحاديث.
وأمَّا ما يُستدلُّ به عن شِدَّة سكرات الموت بقول الرَّسول صلّى اللَّه عليه وسلَّم عند مرض موته: (لا إله إلَّا اللَّه أنَّ للموت سكرات) فقد وضَّح الرَّسول صلّى اللَّه عليه وسلَّم دلالة ذلك في حديث آخر بقوله: (إنَّا كذلك يشددُ علينا البلاء ويضاعَف لنا الأجر) صحَّحه الألبانيُّ في صحيح التَّرغيب.
 
وقد علَّق الشَّيخ ابن باز رحمهُ اللَّه على ذلك بقوله: اللَّه عزَّ وجلَّ يبتلي عبادهُ بالسرَّاء والضرَّاء وبالشِّدَّة والرَّخاء وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم و إعلاء ذِكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرُّسل عليهم الصَّلاة والسَّلام والصُّلحاء من عباد الله.
إذاً القضية قضيَّة ابتلاء من أجل رفع الدَّرجات ومضاعفة الحسنات وليس من قبيل العذاب كما يصِفُها بعض الوُعَّاظ.
وهناك من يستدلُّ بقول الرَّسول صلّى اللَّه عليه و سلَّم: (إنَّ للقبر ضمَّة لو نجا منها أحد لنجيَ منها سعد بن معاذ).
والجواب على تقدير صِحَّة الحديث هو أنَّ ضمَّة القبر بالنِّسبة للمؤمن هي ضمةُ رحمةٍ كالأمِّ تضم ولدها إلى صدرِها بخلاف ضمَّة القبر للكافر فهي ضمَّة عذابٍ والعياذ بالله وهذا ما ذهب اليه السيوطي في حاشيته على سنن الترمذي وكذلك ما ذهب اليه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله..
و ممَّا يؤكِّد أنَّها ضمَّة رحمة قول الرَّسول عن صبيٍّ دُفن: "لو أُفلِت أحدٌ من ضمَّة القبر لأُفلِت هذا الصَّبي" صحَّحه الهيثميُّ و الألبانيُّ.
وهذا يؤكِّد أنَّ ضَمَّة القبر للعبد الصَّالح لا علاقة لها بعذاب القبر وإلَّا كيف يُعذَّبُ طفلٌ غيرُ مُكلَّف بضمَّة قبر؟
فاللَّه سبحانهُ وتعالى لا يُعذِّب أحداً بلا ذنبٍ اقترفه.
ويُحتمَل أن يكونَ المقصود بالضمَّة -كما ذكرَ بعضُ العُلماء- شعور الميت بألم فُراق الأهل وبكاء أهله عليه واللَّه أعلم.
وهناك رأي للحافظ الذهبي رحمه الله حيث قال: (هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد من ألم مرضه أو ألم تأثره ببكاء أهله عليه....أو ألم الموقف وهوله... أو الم الورود إلى النار....الخ).
وممَّا يؤكِّد تنعيم المؤمن في قبرهِ ورود عدَّة أحاديث تُبيِّن أنَّ روحَه تُرفع إلى الله ثُمَّ تُرَدُّ إلى جسدهِ للسُّؤال ثمَّ بعد ذلك تنعم إما مُعلَّقة في شجر الجنَّة أو في أجواف طير تسرحُ في الجنَّة.
وقد رجَّح ابنُ القيِّم رحمهُ الله في كتابهِ (الرُّوح) أنَّه لا يوجد لها مكان معين بل لها عدَّة أمكنة والله أعلم.
وختاماً يا ليت من يتحدَّث عن عذاب القبر يتحدَّث بالمقابل عن نعيمهِ كي يُبشِّر المؤمنين بحُبِّ لقاء الله؛ لأنَّ من أحبَّ لقاءَ الله أحبَّ اللهُ لقاءَهُ و مَن كَرِهَ لقاءَ اللهِ كرِهَ اللَّه لقاءَه وكذلكَ يُبشِّر المؤمنين برحمة اللَّه و رضوانه و جنَّته و أنَّ قبرَه روضةً من رياض الجنَّة إن شاء الله ما دام مُتمسِّكًا بحبلِ اللهِ ورضوانه.