أحاديث على ارصفة وجع الشيخ جراح والقدس

اخبار البلد -
 

حيث أن القدس قد أضحت مستباحة بالشكل العلني ومخططات حكومة تل أبيب صارت الواقعية الواقعة ‏وأورشليم عاصمة دولة إسرائيل، والبيت العتيق مقسوم مقسم والزمان زمانهم والمكان قد يصبح قبلة ‏صلواتهم، والجراح الشيخ اصبح بؤرة من بؤر الاستهداف لتنفيذ المشروع الكبير بالاستيطان بقلب المدينة ، ‏والاستباحة هنا لها علاقة بالحيثيات اليومية التراكمية للفعل الاحتلالي بكافة أنحاء المدينة ومطاردة كل ما ‏من شأنه مقدسي أو يمت بصلة لعروبة وفلسطينية القدس ببشرها وحجرها والموت يتربص بأزقتها والموت ‏هنا هو موت الإحساس بنبضها وبمعاناتها وبمحاولة الاستشعار بواقعها الراهن‎…‎
القدس لا شك أنها تعيش واحدة من أحلك ظروفها حيث اشتداد الغزوة الاستعمارية على مختلف المستويات ‏والصعد، والتساؤل المقدسي يكبر ويتأرجح معلقا على أعتاب الوهم ما بين الحقيقة والسراب، والاستفسار ‏يصبح بلا معنى في ظل اللا إجابة، حيث الإهمال المتعمد والمباشر بمدينة الله على الأرض‎.‎
والشعار مجوف من معناه والقدس تراجعت من الاهتمام في أجندة أرباب المقامات العليا بعاصمة السراب، ‏والفرح يغادرها والحزن يسكن أزقتها، ومواطنوها يجوبون بثنايا مكاتب أصحاب الياقطات لأصحاب ‏المعالي والعطوفة، باحثين عن فتات الموائد العامرة بالكلام الفاقد للمعنى والدلالة، ورجالات القدس ‏يتراكضون بكافة الاتجاهات ويطلقون استغاثة اللحظات الأخيرة واللطيمات الكربلائية تغزو أرض ‏الحزانى، وقادة المدينة حائرون عاجزون مطاردون، مكفوفة أياديهم ويظل العجز هو الشعار الأبرز للمرحلة ‏الراهنة في ظل لحظة الاستغاثة والهدم والقتل والتسريب والتخريب ، وصراع امراء المدينة محتدم والذباب ‏الإلكتروني وانشطته بكافة الاتجاهات من يحدد مصير الزعامات اللحظية . ‏
ويظل الشعار النظري بأن القدس عاصمة الدولة العتيدة، والقدس غائبة عن القرار، ذاك القرار بكل ما ‏يتصل بحيثيات البيت العتيق وسيدة المدائن، والفشل بات العنوان الأبرز المخطوطة عنوانه على أسوارها ‏الرابضة على أطراف المدينة، فشل في منظومة المفاهيم وفشل في منظومة القرارات الصادرة عن الباب ‏العالي وفشل في التمكين لمرابطة فقراء الأزقة والحواري للعيش والحد الأدنى الممكن. والهياكل الخاوية ‏المسماة بالأطر الوطنية والاجتماعية والمؤسساتية أعلنت عن إفلاسها وغادرت أمكنتها‎.‎
وجماهير الفعل باتت الكافرة بالدعوة للفعل وللعمل، والمواجهة أضحت أنتحارا منظما وجريمة مشككا ‏بجدواها وإمكانياتها ، والبسطاء يعلنون عن عجزهم والبكاء نواحا سمتهم الأساسية المرتسمة ملامحه على ‏محياهم‎.‎
حيث ذلك وفي ظل خربشة الموازين ومعايير الحق والباطل واختلاط الحقائق بعضها ببعض، تطل علينا ‏الشعارات الكبرى التي لا يمكن فهمها واستيعاب حيثياتها ومفاهيمها بالظرف الراهن، حيث انقلاب هذه ‏المفاهيم وتفريغها من محتوياتها، تلك الشعارات التي شكلت نبراس الفعل الجماهيري والوطني بتلك ‏المراحل الصادقة مع الذات والمنسجمة والتوجهات التطلعية للجماهير التواقة للحرية والاستقلال، والحق ‏بتقرير المصير، وإقامة الدولة ذات السيادة وممارسة الذات الفلسطينية في ظلها وكنفها، كل هذا كان في ‏الخلفية البرامجية لجماهير الشعب الفلسطيني الذي تشكل وعيه على هذه الشعارات المنسوجة والقناعات ‏التاريخية بالحق والحقوق وانتزاع هذه الحقوق من خلال الحراك النضالي الكفاحي بكافة أشكاله وأساليبه ‏ووسائله‎.‎
وكانت أن انطلقت التحركات الشعبية وتمت برمجتها وصقلها في الإطار التحرري من خلال الفعل الكفاحي ‏للتنظيمات الفلسطينية التي وابتدعت أساليب العمل في سبيل تحقيق غايات وآمال الفلسطينيين في مختلف ‏أماكن تواجدهم، وبالتالي كان أن تشكل الإطار الفلسطيني الجامع الذي من شأنه احتضان الكل الوطني على ‏أسس تلك الشعارات والمفاهيم لتحقيق الأهداف الاجتماعية لجموع الشعب المُشتت والمُشرد في شتى أنحاء ‏المعمورة‎.‎
وبالتالي كان لصياغة مفهوم الدولة وممارسة السيادة على أرضها الركيزة الأساسية في الوعي الفلسطيني، ‏تلك الدولة التي تعني باختصار اندحار الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية بصرف النظر عن شكل وطبيعة ‏تلك الدولة وصراع المفاهيم حول مدركاتها وشكلها ودستورها وطبيعة حكمها وقوانينها الاجتماعية‎.‎
وشكلت القدس على الدوام القلب النابض لتلك الدولة (الحلم) فما كان بالإمكان القول إقامة الدولة الفلسطينية ‏فقط لا غير فلا بدّ من أن تتبع هذه العبارة مقولة و(عاصمتها القدس) وبالتالي تصبح الديباجة الطبيعية ‏للمفهوم -الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس- ليستوي المعنى، وان أي كيان فلسطيني من الممكن أن ينشأ ‏لابد أن تشكل القدس أساسه وبالتالي لا معنى لهذا الكيان ولا يمكن استيعابه دون القدس المحررة، إلا أن هذا ‏الشعار قد أصبح فارغا ومجوفا وغير متصل بحقيقة الأمر في ظل الوقائع الفلسطينية الراهنة حيث أن ‏الأراضي الفلسطينية المحتلة -الضفة الغربية وقطاع غزة- والتي تشكل في ثناياها كيانا فلسطينيا -السلطة ‏الوطنية الفلسطينية- بغض النظر عن مدى واقعيتها وتجسيد حقيقتها على الأرض إلا أن الأمر المعلوم ‏والمعروف أن ثمة كيانا فلسطينيا يُعرف باسم السلطة يمارس فعله على الأرض بشكل أو بآخر، وله ‏استحقاقات معينة على الصعيد الدولي والعربي وهذا الكيان يسعى لتطوير ذاته من خلال ما يسمى بفعل ‏البناء للمؤسسات على طريق إعلان الدولة المسماة فلسطين، ودولة فلسطين العتيدة يُصار العمل على ‏ترسيخ وقائعها من خلال الفعل المؤسساتي وبناءها في ظل الهجمات المسعورة على القدس وفي ظل قضم ‏القدس وإعلاء البنيان الاستيطاني التي انتهت خواتمه واكتملت مداميكه وتغيرت معه معالم القدس وصار ‏الهجوم على القدس بوضح النهار أمرا طبيعيا وقد يكون روتينيا أمام بناة الدولة وضياع مساحات القدس ‏وتحديث قوانين الاحتلال بما يخدم توجهات مخططاته صار الخبر الذي من الممكن أن يحتل المساحة الثانية ‏وقد تكون الثالثة في أولويات الأخبار المنشورة عربياً وإسلامياً وان نشر كخبر رئيسي فسيأتي النشر في ‏إطار الصراع الإعلامي المحموم ما بين أقطاب اللعبة الإعلامية وحرفيتها في القدس والتعاطي مع الصناعة ‏الإعلامية لصناعة النجوم إذا ما جاز التعبير‎.‎
في ظل واقع القدس الراهن التي صار النضال في سبيلها إعلاميا بامتياز ومن خلال الندوات والمؤتمرات ‏وصياغة أعتى أشكال الصراخ الكلامي ورفع الشعارات والتي كما أسلفنا أصبحت فارغة المضامين ‏ومجوفة المعاني نلحظ أن ثمة خطى متسارعة جدا من قبل سلطات الاحتلال لحسم ما يسمى بيهودية القدس ‏وتجسيدها كعاصمة أبدية وفعلية لكيان الاحتلال. وفي هذا السياق تأتي كافة المخططات على مختلف أشكالها ‏وتنوع آلياتها التنفيذية وعلى مختلف الجبهات الاقتصادية والاجتماعية والمواطنة والسكان واللعب على ‏سياسة الأقلية والأكثرية والتأثير بالديموغرافية المقدسية والتلاعب بأسس الجيوغرافية السياسية وابتلاع ‏الأراضي لصالح التمدد والتغول الاستيطاني وابتداع وسائل الحرمان الجديدة من الإقامة في كنف القدس من ‏خلال خلق قوانين الولاء والانتماء للدولة العبرية‎…‎
والكثير مما نسمع ونشاهد، وبناة الدولة الفلسطينية يصرخون كل لحظة بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية ‏وعاصمتها القدس، ولا أدري عن أي قدس يدور الحديث الآن … فالقدس لم تعد عاصمة للدولة الفلسطينية ‏العتيدة وفقا للمخططات الإسرائيلية الراهنة وهي تتجه بخطى حثيثة لتصبح وبلا منازع (أورشليم عاصمة ‏الدولة الإسرائيلية اليهودية) والوقائع على الأرض تشير بهذا الاتجاه وبوصلة الحقائق المقدسية اليوم تؤشر ‏بذلك… ومعركة الأقصى بتصوري هي المعركة الأخيرة لتحقيق المُراد الأخير لحكام تل أبيب‎.‎
وصراخ الشعارات يملأ الدنيا ضجيجا والضجيج هذا ليس له علاقة بترسيخ وتعميق المفهوم الشعاراتي ‏الوطني… والكل يلاحظ حجم العمل في أراضي السلطة الفلسطينية لتعزيز مفهوم الدولة، وحيث ذلك اعتقد ‏أن المفهوم هنا لا بدّ من إعادة النظر فيه من خلال قلب المفهوم في ظل انقلاب المعايير والتمرد على لغة ‏الشعارات الفاقدة للمضامين الفعلية وحتى تستوي الأمور في نصابها الصحيح لابد من ثورة على كل ما ‏يطرح الآن وبالظرف الحالي من قبل دعاة الضجيج، والثورة هذه لا بدّ أن ترسم لذاتها مفاهيم جديدة ‏وشعارات تحقق غاياتها والغاية هنا هي القدس أولا وثانيا وعاشرا، وحتى نكون الصادقين مع الذات ومع ‏المقدسيين ومع جموع الشعب كل الشعب فدولة القدس هي التي لا بدّ من التأسيس لها، وفعل التأسيس ‏يتطلب مواجهة مع كل ما من شأنه أن يغير ويشوه القدس ويحيلها بالتالي إلى (أورشليم) وهذا يعني إعلان ‏دولة القدس أولا، والعمل على إعلان دولة القدس بمعنى أن الفعل الوطني وكافة الجهود الشعبية ‏والجماهيرية لا بدّ أن تصب في القدس، وأن تنطلق من القدس وأن يتم تعزيز صمود القدس وبناء مؤسسات ‏القدس وترسيخ الوجود العربي الفلسطيني في القدس وضخ كل الأموال والميزانيات للقدس، ولا بدّ أن يكون ‏محور العمل الفلسطيني وبكافة المناحي والاتجاهات أساسه القدس أولا، وهذا يعني أيضا أن البناء يجب أن ‏يكون باتجاه القدس، وبناء مؤسسات الدولة في القدس، وفرض سياسة الأمر الواقع الفلسطيني في القدس، ‏وأن هددوا بتفعيل ما يسمى بقانون الغائبين، فيجب أن نفعل وقائعنا بالنظر نحو القدس ككل لا الشرقية منها ‏فقط، وأن قالوا إن قوانينهم تقول ما تقول فلابد من إصدار وتفعيل قوانيننا نحن أيضا، واستصدار هذه ‏القوانين لابد من أن تجد لذاتها طريقا سليما وصحيحا فقانون العاصمة، وأحياء أمانة القدس الكبرى، ‏والدعوة للعصيان، وعدم الرضوخ للقوانين، وليكن بكل حي مخيم للاعتصام ولتكن المواجهات الكبرى مع ‏أدوات الاحتلال التنفيذية، سيدة الموقف ولتعد المؤسسات الفلسطينية إلى أماكنها في القدس، ولترتفع ‏يافطات المؤسسات في القدس، ولنعيد افتتاح بيت الشرق من جديد، وليكن لنا بيوت شرقية وغربية وبأسماء ‏متعددة الاتجاهات والمعاني… فليكن الشعار الأبرز يا سادة بناة مؤسسات الدولة ومخططاتها وخططها دولة ‏القدس أولا‎..‎
ولعل الواقع الفلسطيني الراهن حيث الإدانات وبيانات الشجب والاستنكار الممهورة بتوقيع من الحكومة ‏الفلسطينية والصراخ من على المنابر الإعلامية للناطقين المتمنطقين باسم الشعب الفلسطيني الشقيق ‏المتضامن لفظيا مع شعب القدس الشقيق إنما ليؤكد حقيقة أن ما يجري في القدس وكأننا دولة أخرى .. رام ‏الله تحتفي بأيامها كما هي دبي وعمان والقاهرة، والاستهجان والتأثر يبدو على الوجه صباحا وهم يرقبون ‏اقتحامات الأقصى‎.‎