نعم.. للدفاع عن القطاع الصحي العام!

اخبار البلد -
 

تحدثت من قبل كثيراً عن المساعي المحمومة لخصخصة الصحة وأتيت بأمثلة وقعت وكانت البراءة بادية عليها حتى تبين أن في طياتها معاول لتدمير القطاع العام وما شيّده للوطن عبر مسيرته الطويلة من صروح طبية كمستشفيات البشير ومدينة الحسين الطبية ومستشفى الجامعة الأردنية ومستشفى الملك المؤسس في جامعة العلوم والتكنولوجيا، وقد غضب مني بعض مسؤولي الصحة السابقين حين كتبت مرةً أنهم ينفون في العلن توجههم المضمر نحو الخصخصة لكنهم من وراء ستار يفاجئوننا باصطناع هيئة أو اتفاقية تبتلع جزءاً أو أكثر من دور القطاع الصحي العام!

واليوم نواجه اتفاقية أخرى تصيب نفس الهدف ونتذكر بدايتها في اصطياد مؤمَّني الدولة بشبكة القطاع الطبي الخاص حين قررت الحكومة قبل أكثر من عشر سنوات ما شاع أنه «مكافأة» للوزراء ومن في مرتبتهم بالمعالجة مجاناً في الدرجة الاولى بمستشفيات القطاع الخاص لكن عَلى حساب صندوق التأمين الصحي ومقابل اشتراك سنوي يبلغ ٦٠٠دينار..! مع أنهم كانوا منذ ثمانينات القرن الماضي وبدون ضجيج إعلامي يتمتعون بأشمل من هذه الخدمة العلاجية مجاناً في المدينة الطبية بمكرمة ملكية من لدن الراحل الحسين، وكتبت حينها منتقداً الاتفاقية التي عقدتها?وزارة الصحة مع جمعية (!) المستشفيات الخاصة فكشف التدقيق لاحقاً مدى التلاعب بالنصوص والفواتير، ثم حرصتُ على متابعة محاولات توسيع الاتفاقية كي تشمل مرضى الدرجتين الثانية والثالثة من موظفي الدولة وهم الأغلبية الساحقة من المشتركين بصندوق التأمين الصحي، دون أي مبرر منطقي بعدما نجحت وزارة الصحة عبر العقدين الماضيين على الأقل بتطوير مستشفياتها وتحديثها وزيادة أبنيتها بمئات الملايين من الدنانير حتى أصبح بعضها يضاهي ما في القطاع الخاص ويستطيع بتحسينات ادارية غير مكلفة ان يتقدم عليها ولم تقل الوزارة يوماً انها تعجز ?ن ذلك رغم ازدحام مستشفياتها بمئات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص وعائلاتهم لأن مؤسسة الضمان الاجتماعي تتقاعس حتى الآن عن تأمينهم بسبب تهرب أصحاب العمل من المساهمة المالية في المشروع الذي نص عليه قانونها منذ تأسيسها وتقول آخر تصريحاتها «إن العامل الأردني سيتحمل اشتراكات شهرية نسبتها ٣% من أجره وأن المنشأة لن تتحمل أياً من هذه النسبة«/«الرأي» ٢١ شباط الجاري..

لقد عرفت مؤخراً أن جمعية المستشفيات الخاصة قد بعثت تزف البشرى لأعضائها بالتوصل إلى اتفاق مع وزير الصحة يحقق «آمالهم» بالاستيلاء على تأمين مرضى الدرجتين الثانية والثالثة من موظفي الدولة دون مناقشة الأمر في مجلس الأمة لكني سعدت كثيراً حين علمت أن اللجنة الصحية النيابية قد تصدت لهذا التجاوز وأن رئيسها الدكتور فريد حداد يعارض الاتفاقية بشجاعة ويصفها بالخصخصة.

وبعد.. بقي علينا الآن نحن المدافعين عن القطاع الصحي العام أن نهبّ لإبطال هذه الاتفاقية التي يتحول فيها المريض، موظف الحكومة المؤمَّن بنسبة من راتبه، إلى مجرد «زبون» والخدمة الطبية الإنسانية إلى محض «سلعة» في السوق!