ضرورة التغيير السياسي

وجود قوى شد عكسي أو بلطجية أو استخدام البعد العشائري، كل ذلك لن يوقف قطار التغيير، والسبب أنّ "حجم العطب" الذي تشهده أوضاعنا لا يمكن منطقيا إلاّ أن يخضع للتغيير.
أما محاولة البعض تفسير تأخرنا وسوء الأداء الاقتصادي والاجتماعي بأسباب تمويهية، فإنّ هذا التفسير غير شاف، وهو جزء من التهرب من المسؤولية أو من التغطية على المسؤوليات الحقيقية.
يقال أنّ دوائر صنع القرار لا تفكّر بالإصلاح، وخطواتها لا تخرج عن كونها مشروع التفافي يريد تهدئة الشارع وقتل المعاني الفاعلة والصحيحة للإصلاح.
ونقول، إنّ محاربة الفساد أمر محمود، لكنه يحتاج إلى جدية وشمولية، ومع ذلك نحن لا نبالغ إذا قلنا أنّ نقطة البدء لإجراء التغيير المأمول في الأوضاع المحلية يبدأ في السياسة ولا بداية في غيرها.
السياسة في بلدنا هي مركز التوازن العصبي للهيئة الاجتماعية أو هي عصب الحياة ومركز التسيير لكل الشؤون الاجتماعية، وهي مكمن الخطر في عموم الحركة الاجتماعية، فكل شيء في مجتمعنا يبدأ وينتهي بالسياسة.
أما الاعتماد على تعزيز ودعم الإجراءات الأمنية وتضييق هامش الحرية، فلم يعد مقبولا اليوم، كما أنّها فضيحة كبرى أن نرى للنظام رؤوس كثيرة تتصارع وتحرص على سيادة حالة الشلل العام في هياكل الدولة وأطرها.
إذا، نقطة البدء هي الإصلاح السياسي، ولا مانع من استمرار العمل بمكافحة الفساد، على أن لا يكون ذلك مجرد نهاية لا تتلوها الإصلاحات السياسية.
الملك هو الأكثر حاجة إلى إدراك ما قلنا سابقا، وعليه أن يعلم أنّ قوى الشد العكسي المكثفة في مشهدنا يغيب عنها السياسة الصحيحة والإرادة السياسية، وبالتالي تغيب هنا مصلحتها في إنجاز الإصلاح.
أما القصر فصالحه أن يكون في موقع الماكينة التي تدير التغيير وتبقى معه وبعده، وبالتالي عليه أن يساهم في تحجيم قوى الشد وإنهاء حالة الإزدواجية والتعددية الصراعية لمراكز صنع القرار.
وبناء على ذلك، فإنّ الحل لن يكون إلاّ بتدخل ملكي يعمل على وقف هؤلاء المنتشرون في مواقع كثيرة وربما بعضهم مقرّب منه.
عندها ستنشأ سياسة تضع في اعتبارها "المصالح والنفع العام"، وينجو الوطن والعرش، ويتحمّل الشعب تبعات سلطاته التي استعادها.