موالاة ... وغبش

من الصعب الرؤية من وراء غبش، ومن الصعب ان تحب المدن حين لا تجد فيها ايقاعا ما يربط ناسها ويوثقهم بها، عمان كذلك اليوم، هوية حائرة، تدين كثيف في بعض الأحياء، وفقر لا يدارى، وساسة يتنقلون سرا من اجل صناعة الصفقة الكبرى واستثمار يهاجر!.

كلما ازدادت المدينة حيرة، ازددت يقينا أن الكراهية صنعت من مراياها المحدبة، التي تنعكس فيها اجواء غير محببة، هناك جبهات للإصلاح وهناك إخوان يسعون للجمعية والشارع والصندوق وإلى كل شيء شعبي مدعوم بإرادة الجماهير الموهمين! وهناك كتاب، حائرون بين زمن كانت فيه العطايا تنزل عليهم من علٍ، وبين رجل بزنس تركهم بغيابه من مظنة التذكر. هم لفيف أيضا، لا يستطيعون التحديق في وجه المرآة.

وبين مرايا الصراع يرتسم حاجز الوهم ايضا، حين يصنف الناس بين اتباع الدولة أو القطعان او الموالين، وكأن الدولة عرفت زمنا مدنيا قبل ذلك وانطفأ، ومع ذلك تظل عمان أو الكرك أو عجلون اجمل من ان تصادرها جماعة مؤمنة، تبحث عن حلم قيام دولة أو إمارة.

الأردنيون أحرار، وتمسكهم بالدولة لأنها ملاذهم، وذات لقاء حين غضب المحترم بسام العموش وقال «من يهدد بحرق عمان سنحرق يده قبل ان تمد إليها»، كان د. العموش في موقفه ليس لأنه يشتهي غنيمة، أو لأنه من لفيف الأردنيين المتعصبين، بل لأنه يعرف معنى إقامة الأوطان والحنين لها وقد قال الجاحظ في ذلك: أرض الرجل ظئره، وداره مهده. والغريب النائي عن بلده، المتنحّي عن أهله، كالثور النادِّ عن وطنه، الذي هو لكلِّ رامٍ قنيصة.

وظل بسام العموش محترما، ولم يخسر نفسه ولم يكن من جوقة النخبة المتهاوية كلما لاح أفق الكرسي والمنصب، ظل كما هو، أردنيا حرا، لا يمينيا ولا ليبراليا ولم يصبح يساريا، بل وطني محترم لا يخضع لمقاسات البعض في تصنيف الناس ببروده تسترجع زمنا كانوا يهاجمون فيه الناس بناء على الأمر.

لا نستطيع ان نتصور خياما تنصب في ساحات عمان، فهذا غير مقبول؛ لأننا اقمنا بوعينا وبدم ابائنا وتضحيات كل الأردنيين من شرق الأرض وغربها دولة ووطن. صحيح ان فيه عللا، اليوم، لكن العلة لا تداوى بعلة مضافة، والأيام العجاف يجب أن لا توصد باب المستقبل، وعلينا ان نظن بالحكومة خيرا حين تقوم بكل ما قامت به من محاولة جادة حتى الآن لتفعيل مكافحة الفساد.

والسؤال، لماذا يتوتر الشارع وتخلق الازمات عندما نجد جدية بالمجيء برؤوس كبيرة للسجن او التوقيف، هل من رابط بين رؤوس الفساد وأشياء تجري في نهارنا الطويل المثقل بالدين العام وأزمة الطاقة والمواصلات وعجز الميزانية.. الخ.

لا يمكن ترك الوطن للأقدار، فيوجد فيه من الرجال ممن مثلوا نماذج محترمة، وفيه من الانجاز الكثير مما لم يتسن بعد لغيرنا ممن يفوقونا امكانيات، لذا، علينا الاستعانة بكل خبرات الأردنيين، العمائم وأهل العلم والمختصين والراسخين في الخبرات والأكاديميين المخلصين، لتبديد الحيرة وتجاوز حالة القلق التي نمر بها.

لكن هناك أسئلة بحاجة لإجابة، فلماذا القيود على الأسماء التي سيحقق بها في الفساد او منعت من السفر، ما زالت دون إيضاح، ولماذا كل هذا الإفراط في التستر؟ فصورة الشارع في الأردن لم تتغير منذ أشهر طويلة حتى وإن تغيرت الحكومات، يافطات ضد الفساد تطالب بالعدالة وتكريس هيبة الدولة واستعادة ما نهب، تلك شعارات الأردنيين ولم تكن حكرا على أحد ولم يرفعها الاخوان او اليساريون وحدهم، بل رفعها أطفال في ذيبان وشباب في الكرك ومسنون وعقال في الطفيلة واربد وجرش، وهؤلاء فيهم أيضا إسلام وإيمان، ولكنهم ليسوا بالضرروة إخوانا أو يسارا. فلا احد يسرق حلمهم، أو يقول أن الإخوان واليسار هم المعارضة الوحيدة وكل الأردنيين موالاة أو دولة او قطعان.