ليس منا من تشبه بغيرنا


لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بقراءة أم الكتاب– الفاتحة – في صلواتنا ، بل وفي كل ركعة من ركعاتها ، أليست هي ركن من أركان الصلاة ، لا تصح الصلاة إلا بها ، قال – صلى الله عليه وسلم - : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) .
وهذا يجسد لنا المعنى العظيم في مخالفة أهل الكتاب ، وعدم التشبه بهم ، لقد احتوت على معنى جلل حُقَّ له أن يُكرَرَ في اليوم والليلة سبع عشرة مرة ، إنه سؤال الله تعالى : الهداية إلى الطريق المستقيم طريق الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين .
أيْ يا ألله أرشدنا ، ووفقنا للطريق الواضح ، الذي لا اعوجاج فيه ، وهو طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين ، والصديقين ،والشهداء ، والصالحين ، ولا تجعلْنا يا ربنا مع المغضوب عليهم ، وهم يهود الرجس ، الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه ، ولا الضالين ، وهم النصارى الذين عبدوا الله على جهالة وغواية . إنه ترسيخ للمبدأ العظيم مبدأ البراءة من اليهود ، والنصارى حتى أنك تسأل الله مرارا على أن لا يجعلك منهم .
أتدرون لماذا ؟ لأنَّ الله - عز وجل – يريد لهذه الأمة الاستقلالية التامة ، والتميز عن غيرها ، يريد هذه الآمة أن تكون نبراسا للأمم ، ولذا حذر الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمته من التشبه بغيرها فقال:( من تشبه بقوم فهو منهم ) وقال : ( ليس منا من تشبه بغيرنا ) فأي تحذير أعظم من هذا التحذير؟!
ومع هذا التحذير الشديد ، فإن الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم ، يندى له الجبين ويحزن له القلب .
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
يقول الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – ( يأتي على الناسِ زمانٌ يذوبُ فيه قلبُ المؤمنِ كما يذوبُ الملحُ في الماءِ . قيلَ : ممَ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : مما يرى من المُنكَرِ لا يستطيعُ تغيره ) .
لقد ابتليت الأمة الإسلامية عبر تاريخها ، بثلة من ضعاف الإيمان ، والعزيمة ممن انهزموا في قلوبهم فجعلوا حياتهم مرآة لحياة غيرهم .
وهذا تحقيقا لقول الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم - : ( لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُم ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ؟) (متفق عليه)
تعتريني الدهشة لدرجة الحيرة حينما اكتشف أن هناك بديهيات يحتاج المرء أن يثبتها ، ويدافع عنها ويسوق الأدلة ليقنع المخالف بها .
بل ويكاد الأمر أن يصل إلى درجة الجنون ، حينما يرميك الطرف الآخر بالتطرف ،والجمود ،والتخلف ومن هذه الأمور ، موضوع احتفال المسلمين برأس السنة الميلادية ، احتفالا يزداد عاما بعد عام ، حتى كادت مظاهر الفرحة به في بلاد المسلمين ، تفوق نظيرتها في أعياد المسلمين أنفسهم .
حتى أنَّ المرءَ الذي لا يعرف ما وصل إليه حال المسلمين اليوم ، من السقوط في وحل المخالفات ، لو قيض له أن يخرج إلى بلاد المسلمين اليوم في هذه الأيام ، فإنه سيظن أن هذا عيدًا للمسلمين ، أو أنَّ هذه البلاد ليست إسلامية .
لا أدري كيف يحتفل رجل عاقل يدين بدين الإسلام ، بعيد يخص دينًا آخر ،؟ الرسول – صلى الله عليه وسلم – لما قَدِمَ المدينة وجد أهلُها يلعبون في يومين فقال – عليه السلام - : ( ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما بالجاهلية فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله أبدلكم بهما خيرا منهما : يوم الأضحى ، ويوم الفطر )
فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يترك أهل المدينة على ما كانوا عليه من الفرح ، واللعب بأعياد المشركين ، بل أنكر عليهم وبين لهم أن الله تعالى قد عوضهما خيرا من هذين العيدين ، مما يتضح لنا بجلاء تام ، أنَّ مَن أُسُسِ النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تتميز أمته ، وأن تحتفظ بأخلاقها المستمدة من شريعة ربها ، وهدي نبيها – صلى الله عليه وسلم - .
لما قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – المدينة رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالحٌ ، هذا يوم نجَّى الله بني اسرائيل من عدوِّهم ، فصامه موسى شكرا لله ثم قال : ( أنا أحقُّ بموسى منكم ، فصامه وأمر بصيامه – صلى الله عليه وسلم – ثم قال : ( لئن بقيتُ إلى قابل لأصومن!َ التاسع والعاشر).
قال اليهود : ما يريد هذا الرجل ؟ - أي سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه ، وهذا يدل على أنهم شعروا بمخالفة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لهم في كل الأمور العامة ، والخاصة . أرأيتم ؟!!
وفي حديث آخر دقيق جداً في هذه المناسبة :
( حَدَّثَ ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ : نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلا بِبُوَانَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ قَالُوا لَا قَالَ هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ قَالُوا لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَإِنَّهُ لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلا فِيمَا لا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ)
الاحتفال بالسنة الميلادية احتفال ديني مسيحي خالص أساسه إحياء ذكرى ميلاد المسيح – عليه السلام – وهو إعلان صريح بالعقيدة النصرانية التي تغذي هذا الاحتفال وهذا مما لا يمت إلى الحقيقة بصلة أتدرون لماذا ؟ لأن مولد السيد المسيح – عليه السلام – لم يكن في الشتاء كما يدعون مصداقا لقوله تعالى : ( وهزي إليك – يا مريم - بجذع النخلة تُساقط عليك رطبا جنيا ) وأنا أسأل هل يوجد نخل في الشتاء يُسقِط رطبًا ؟ فبابا نويل الذي صار رمزا لهدايا الأطفال ، ما هو إلا راهب من الرهبان الذين أرسلهم البابا لجمع التبرعات لتمويل الحروب الصليبية ، والثلج والجليد ما هو إلا إيحاء للجو الذي ولد فيه السيد المسيح عليه السلام .
لقد تطور هذا الاحتفال ببدء السنة ، ليجرَّ مع الخطأ العقدي خطأ أخلاقيا أكبر ، يتمثل في الاحتفالات الماجنة التي تقام في ليلة رأس السنة ، فشرب الخمور ، ويستحيون نساءهم .
أما يمنعوننا من إقامة شعائرنا ؟ ويحرِّمون علينا بناء المآذن ، ويسبون نبينا الكريم ، ويحضرون على نسائنا الحجاب ، والنقاب إنهم يطالبون بإقامة وطن بديل على أرضنا ووطننا . أليس احتفالكم هذا عارٌ وسُبَّةٌ في جبين الأمة ؟ أليس احتفالكم هذا مناقضًا لهويتنا الإسلامية ؟ .
ليست المشاركة مسألة إثم ومعصية ، وليست مسألة خطأ ، أو زلَّة ، إنها مسألة إيمان أو كفر ، لأن المشاركة نوع من التشبه والموالاة ، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( من تشبه بقوم فهو منهم ).
قال الله تعالى :( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) [المجادلة:22]
هل يُقبَلٌ مِنْ مُواطِن في هذا البلد أن يحتفلَ بعيد الغفران مثلا ؟ من المؤكَّد أنَّه سَيُتَّهَمُ بوطنيته ، وفي انتمائه ، وقد يحاسب لأنه احتفل بعيدِ طرفٍ آخر ، فسَيُنْعَتُ بأنَّه موالٍ ، وهو دليلٌ حبٍ وتقديرٍ .إنَّ الاحتفال بهذا اليوم وتعظيمه من أكبر الكبائر ، وأشنع المخالفات ، وهو ظلماتُ بعضها فوق بعض ، ولا يحل لرجلٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحتفل بهذا اليوم ، بأي صورة من الصور ، ولا أن يعظمَّه حتى بإرسال رسائلَ عبر الجوال . وصدق الله العظيم إذ يقول : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) المائدة . وصدق رسوله الكريم إذ يقول : (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ).