خطة اقتصادية عابرة للحكومات

اخبار البلد -
 

سادت حالة من الرضا الواسع بين كافة شرائح المجتمع الأردني حول مضامين الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله، قبل أيام وخاصة فيما يتعلق بضرورة وضع رؤية مستقبلية للمملكة تتضمن خططاً وبرامج عابرة للحكومات.

ومن هذا المنطلق فإنه يغدو من المجدي أن تتم مراجعة كافة الخطط والاستراتيجيات والبرامج التنفيذية التي وضعتها مختلف الحكومات السابقة، للاستفادة من بنودها التي لا تزال صالحة لأن تكون مكوناً أساسياً للرؤية المستقبلية للدولة الاردنية المزمع صياغتها قريبا.

والسؤال الذي طرحناه في مقالات سابقة هو: ما الذي يجب أن تتضمنه الخطة الاقتصادية الاستراتيجية وكيف يمكن لها أن تكون عابرة للحكومات؟

حتى نتمكن من إحداث قفزة تنموية شمولية لا بد من وضع خطط استراتيجية بأهداف تنموية اقتصادية واجتماعية واضحة وقابلة للقياس والتحقق، وأن تصمم سياسات وبرامج لتحقيقها. فبوجود مثل هذه الخطة، سيكون مستقبل بلدنا الاقتصادي واضحا في أعين متخذي القرار والجهات التنفيذية والرقابية أيضاً. ولن يكون تفاعلياً أو في مهب الرياح أو الظروف، خاصة في أوقات عدم اليقين في حالة حدوث أزمات أو كوارث أو جوائح. ومن المفيد أن تصدر الرؤية والخطة والبرامج بتشريع يُلزم الحكومات المتعاقبة بالاستمرار في تنفيذها، حتى يتمكن الاقتصاد من تجاوز موضوع تأثير تغير الحكومات على تنفيذها. علماً بأن الضمانة الأساسية لاستمرار الخطط مع تغير الحكومات هي كتب التكليف السامية التي بموجبها توضع أولويات الحكومات.

لكن كيف نضع خطة تنمية اقتصادية استراتيجية شاملة عابرة للحكومات، ومن أين يجب أن نبدأ، وكيف يمكن التأكد من أن الخطة قابلة للتنفيذ؟

فيما يلي أهم العناصر التي يمكن أن تؤخذ بنظر الاعتبار عند صياغة الخطة:

النمو السكاني السريع الطبيعي وغير الطبيعي، وضع الدورة الاقتصادية؛ هل هي في حالة ازدهار أو في حالة ركود، وكيفية معالجة مشاكل استحداث الوظائف، وكيفية تحقيق هدف الاستقرار الاقتصادي بحيث يكون في مركز اهتمام الخطة، وأن تكون الشراكات والاستثمارات بين القطاعين العام والخاص على رأس أولويات الخطة، وأن يكون عنصر تنمية الموارد البشرية والتعليم والتدريب المستمر في قلب اهتمام الخطة، وأن يكون التركيز منصباً على استخدام الأراضي بكفاءة تعمل على استدامة التنمية، وأن تكون عناصر الثورة الصناعية الرابعة والتوجه نحو الاقتصاد الاخضر حاضرة ومكوناً أساسياً من مكونات كل محور وعنصر في الخطة.. وأن تكون التنمية شمولية في مختلف مناطق المملكة ومبنية على الميزات التنافسية للمحافظات الاثنتي عشرة.. وأن يكون التنويع القطاعي عنواناً لكل محور من محاور الخطة.. وأن تتم مراجعتها على أساس سنوي. وأن يتم إعادة وضعها بالكامل بعد كل خمس سنوات تقريباً نظراً لوتيرة التغيير وعدم اليقين في اقتصاد اليوم، لضمان توافقها مع الاحتياجات المتغيرة باستمرار.. وأن يتم تخصيص موارد وأدوات مالية متنوعة محلية وخارجية مستدامة لتمكين الحكومات من تمويل وتنفيذ الخطة.

ولوضع الرؤية والخطط والبرامج نحتاج إلى تشكيل فريق من أصحاب المصلحة الرئيسيين الملتزمين وأعضاء مستقلين قادرين، بحيث يكون لكل عضو دور مميز في الفريق. ومن بين هؤلاء نذكر الجهات الرسمية كافة ممثلة بالوزارات والمؤسسات العامة المعنية وأصحاب الفكر والباحثين والخبراء الاقتصاديين واساتذة الجامعات والمسؤولين المنتخبين المحليين المؤثرين مثل رؤساء البلديات ومجالس اللامركزية، وممثلي منظمات التنمية الاقتصادية المحلية، وقادة مجتمع الأعمال، والمنظمات غير الربحية، وغيرهم.

إن أهم عنصر في خطط التنمية الاقتصادية الاستراتيجية أن تكون ديناميكية وسلسة. كما ويمكن استخدام بطاقة تقرير التنمية الاقتصادية السنوية أو غيرها من أدوات مراقبة التقدم للتأكد من أن النمو الاقتصادي والخطة لا يزالان متسقين مع الرؤية والرسالة والأهداف التي حُدِدت.

أخيراً، يمكن مراجعة الخطة لإدخال التعديلات عليها وعلى أساس منتظم بحيث يؤخذ بعين الاعتبار التطورات الجديدة والاتجاهات الاقتصادية الحديثة والتقنيات الناشئة في كافة محاور وعناصر الخطة، خاصة في ظل ظروف عدم اليقين وسيطرة الأوبئة على مجريات الأحداث.. ومن هنا تكمن أهمية عدم التوقف أبداً عن تحديث الخطط. فاستمرار تقييم الخطط وتقدمها هو أفضل طريقة للتأكد من أن الخطط تتوافق باستمرار مع احتياجات وأهداف المجتمع..

حمى الله الأردن