التحدي الحقيقي للأردن

اخبار البلد -
 

يمر العالم حالياً بمرحلة انتقالية تتغير فيها أدوات الإنتاج الاقتصادية وأدوات التفكير الثقافية استعدادا للتحول (interregnum) لعصر المعرفة مع ما يرافق هدا التحول من صراع ومنافسة على من يقود هذا العصر (أميركا مقابل الصين) ومن سيركب قاطرة عصر المعرفة أو يتخلف عن دخول عصر المعرفة. لكل دولة و مجتمع خصوصيته و التي عليها أن تنسجم مع العصر الجديد طوعاً أو كرهًا حتى لو كانت دولًا كبرى أو إقليمية فما بالك بالدول الأقل حجماً وقدرات.

بعيداً عن الشعارات العاطفية فإن الأردن عليه أن يتأقلم مع الوضع الجديد الذي يتشكل بأدوات إنتاجه و أدواته الثقافية. أتوقع أن يتحول التنافس الناعم بين قطبي العصر الجديد حالياً إلى تنافس أكثر خشونة سيفرض فيها على المجتمعات والدول مغادرة المناطق الرمادية و الاختيار بين أحد النموذجين الأول بأدواته الديمقراطية حتى وإن كانت ظاهرية والثاني بأدواته الاقتصادية التي توفر الكفاية الاقتصادية دون اعتبار لأي تحول ديموقراطي. قد يكون الخيار الثالث إنتاج نموذج مقبول لكلا النموذجين. لذا فإن التحدي الحقيقي ما هي أدوات الإنتاج وأدوات الثقافة التي سنضعها اليوم لندخل العصر الجديد بسهولة ويسر.

أما أدوات الإنتاج فلا بد أن نعترف بعيداً عن الشعارات أن الاردن بلد محدود الموارد، محدود سوق العمل، وقدرته الحقيقية بالابقاء على تصدير الكفاءات المطلوبة في الأسواق الصاعدة، والتي تشهد حالياً تنافساً أكبر من ذي قبل.. الإصلاح الاقتصادي الحقيقي يقوم على فهم الوظائف التي تحتاجها تلك الأسواق في السنوات القادمة، وإعداد الكفاءات لتكون منافسة مع التركيز على عاملي كفاءة اللغة وعوامل الجودة... لينجح هذا المنهج لا بد من امتصاص الارتدادات الاجتماعية التي تحدث وذلك برسالة إعلامية مقنعة وحلول مؤقته مثل التدريب التشغيلي الذي يوفر فرص للشباب وتدريب وإعدادهم لاسواق العمل دون تضخيم القطاع العام.

أما أدوات التفكير والتي يندرج تحتها الهوية الثقافية والهوية الوطنية وقدرة التأقلم مع الثقافة الخاصة بعصر المعرفة، فلا بد أن تقودها وزارة الثقافة برؤية واضحة وآليات قابلة للتطبيق تأخذ بالاعتبار أن جيل المعرفة هو جيل افتراضي لا يقيم وزنا للشعارات والتاريخ والتقاليد والأعراف فهو جيل عابر للحدود أصيل رقمياً لم تتشكل هويته الثقافية بعد وينسلخ تدريجياً دون قصد عن هويته الوطنية.. جيل المعرفة سهل الاحتواء ولكنه عصي على المواجهة فما يملكه من أدوات ناعمة لن تقوى عليها أدوات التقوقع.

وكما كتبت في مقالات سابقة، فإننا نخسر هذا الجيل شيئاً فشيئاً للإصرار على التعامل معه بأدوات ما قبل الرقمية أو رؤى مهاجرة إلى الرقمية.

أقول.. إن الأردن أمام تحدي وفرص إن احسنا اختيارها ركبنا قاطرة عصر المعرفة شريطة امتصاص الارتدادات الاجتماعية، وعدم تركها مساحات فارغة للباحثين عن الشهرة والتأثير، فالفيزياء لم ولن تقبل الفراغ.. هدفنا أن نبني بلدنا، وأن نعمل على تنميتها واستقرارها، ولكن ذلك لن يكون إلا بوضع حلول لأدوات الإنتاج و التفكير لقطاع الشباب واحتواء للقطاع الاجتماعي الداعم والذي يشعر بالتهميش والاستفزاز لأسباب لا مجال لذكرها.