معادلة.. كي لا يأكلنا الغول

اخبار البلد -
 

رواية جديدة جميلة كبقية اخواتها الست للقاص المثابر ابن مخيم الدهيشة خالد ابو عجمية الذي لجأ والداه من قرية "مغلس” . اسم الرواية "جبينة ، أكلها الغول ” ، والغول هنا رجل اربعيني يطرح نفسه كإنسان صاحب كرامات ، يمتلك كتابا قديما لا أحد يعرف لغته ان كانت عربية او سنسكريتية ، من خلاله يستحضر الارواح ويفك العقد ويشافي الامراض ، يريد ان يطأ "جبينة” جارته المتزوجة من بائع الهريسة وأم لطفلين ، وعندما تتمنع يطعنها عشر طعنات في اماكنها الحساسة .
الجريمة حقيقية حدثت قبل اكثر من عشرين سنة في احدى القرى المتاخمة للمخيم ، وحكم عليه بالسجن ٢٥ سنة ، واعتقد انه ما زال في السجن. اما ابنتها فهي طالبة في كلية الطب في احدى الجامعات الاردنية ، وتعيش في كنف جدتها .
في هذه الرواية، اراد خالد الذي سافر الى ايرلندا وحصل على جنسيتها واصبحت أدعوه بالايرلندي ، اراد القول ان "جبينة” كان يمكن ان يأكلها اكثر من غول ، غيره الذي أكل والدتها "مريم” عندما طلقها زوجها ولما لم تكن "جبينة” سوى طفلة ، بدعوى ما أشاعه البعض انها "بنت حرام” ، فيزوجها ابوها من ثري مسن مغترب فتعود بعد موته الى اقرب مكان متاح من فلسطين "الاردن” .
جبينة الطفلة التي اصبحت في عين الغول كابنة حرام ، بل في عيون الغيلان ؛ غول الاسرة والحارة والمدرسة والمجتمع والذكر والسجن والشرطة والامام و”البيت الآمن” والعادات والتقاليد البالية ، صحيح ان الكاتب اراد ان يعفيها من تحمل مسؤولية ان تضع نفسها وجبة دسمة في صحن الغول ، لكنه لم يقصر المسؤولية على الغول وحده ، بل على كل من يدعي انه ضد الغول ، وبالتحديد "المقاومة” ممثلة في احد اقاربها الذي لم يبذل الجهد الكافي في محاربة الغول وبالتالي لم يستطع حمايتها من جهلها و أوهامها ، وهو بهذا كأنه يتساءل بصوت مرتفع : كيف ستنتصر هذه المقاومة في حربها ضد الاحتلال ، الغول الاكبر والذي يغذي بقية الغيلان ، و”ديدان الوهم” التي اصبحت تنخرنا في كل مكان . كيف يمكن مواجهة الاحتلال بدون "وحدة وطنية”، كيف نعترف بعدونا قبل ان يعترف بنا وبحقوقنا المشروعة ، كيف يمكن تصديق حركات اصولية انها حركات تحرر وطني وهي لا تقبل الاخرين الا إذا اعلنوا اسلامهم او دفعوا الجزية ، وكيف تحولت الثورة من ثورة شعب مناضل الى ثورة مسجد او حسينية ، والامام الى قائد ، والجامعة الى جامع . انها ديدان الوهم في مستنقع الكهف الذي يتربى ويتغذى فيه الغول ، يتربص ، ينتظر الفرصة ، ينقض ، يأخذ فريسته ويمضي .
ليس أقل من طمر الكهف لضمان منع الغول من ان يستمر في التنقل بين حاراتنا وحوارينا والتسلل الى بيوتنا وبقية مناحي حياتنا ، ولهذا اهدى الكاتب "الايرلندي” روايته الجديدة الى بناته : لكي لا يأكلهن الغول .